خواطر مصرية عن زيارة لايران ولقاء رئيسها

خواطر مصرية عن زيارة لايران ولقاء رئيسها
الإثنين ٠٢ يوليو ٢٠١٢ - ٠١:٢٧ بتوقيت غرينتش

هنا فى القلب" قالها مشيرا إلى قلبه .. وكررها مرة ثانية: "أنتم هنا فى القلب".. كلمات هزت مشاعرى بعد استقبال الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، لنا كوفد صحفى مصرى أثناء زيارتنا لطهران، لكنى قلت لنفسى طبعًا بيلعب بمشاعرنا، خاصة أن الصورة التى ترسخت لدينا، ويسوقها الإعلام لنجاد بأنه متطرف دينيا ومتجبر وساحق لمعارضيه وديكتاتور يحلم بالثأر والهيمنة، وبسط النفوذ على جيرانه، وأنه النسخة الفارسية لصدام حسين.

صوته وصورته تم رسمها بأنه أخطر رجل فى العالم تماما كالخطر الذى كان يشكله هتلر فى الثلاثينيات، مما جعلنى أحمل طاقة سلبية تجاهه.. ولكن عندما قال "أنا مستعد للحضور إلى القاهرة لأعمل بنفسى فى بناء وتشييد شبكة طرق وسدود لدعم الثورة المصرية، بدأت أتخلص من بعض المشاعر القلقة، وأراجع نفسى وفكرى، خاصة عندما استقبلنا وعلى وجهه ابتسامة عريضة، ورحب بنا بالأحضان والقبلات بلا رجال أمامه أو خلفه، أو زفة اعتدنا، نحن المصريين، أن نشاهدها حين نلتقى بأى مسئول.

أحمدى نجاد رجل قصير القامة هيئته بسيطة، ولكنه يتمتع بكاريزما شديدة، عيونه صغيرة جداً، لكنها حادة تنقل رسائل لمحديثه تحتوى العناد والثقة والتحدى، تواضعه ينسيك أنك فى حضرة الرجل الذى يسبب الصداع والخوف لأوروبا وأمريكا وطبعاً للصهاينة. جلس بيننا ليس كرئيس، ولكن كمواطن متواضع، وبشوش وشيك وأجمل ما فيه بساطته فى لبسه.. كان لابس بدلة سوداء مفتوحة بدون كرافتة.. وتحته قميص سماوى فاتح.. حاجة بسيطة وشيك.. مش زى الرؤساء أو حتى مرشحى الرئاسة اللى عندنا اللى مورنشين، ومعهم جيش من خبراء التجميل والموضة والدعاية. بدأ الحاجز النفسى بينى وبينه يتساقط وأحسست أن الرجل مخلص فى كلامه، وصادق ومتوازن مع نفسه. السبب أن الشكل يعبر عن الجوهر، ويستحيل أن نفصل بين الشكل والمضمون، فهناك ارتباط وثيق بينهما. فكلمة "شكراً" قد تكون تعبيراً عن امتنان لمعروف قدمه لك صديق.. وقد تكون سخرية من آخر خاب فيه ظنك، لتصرف غير كريم وجهه نحوك. المهم أخذت أبحث وأفكر عن المغزى والرسالة التى أراد نجاد أن يرسلها لنا من خلال لقائه هل هى السلام والرغبة فى عودة العلاقات والأخوة؟ أم رسالة للعالم بأن الثورة المصرية تشكّل "استنساخاً" أو "تجديداً" للثورة الخمينية الشهيرة، التى وضعت حداً لحكم الشاه، وأسّست للجمهورية الإسلامية، أم رسالة فخر واعتزاز من قبل إيران الثورة تقول إنّ الشعوب وحدها هى التى ستقرّر مصير المنطقة. المشكلة أن شخصية نجاد مثيرة للجدل، ولكن بحكم التكوين والنشأة والعوامل النفسية، فإن الرجل صادق مع أفكاره وأحلامه، عندما تحدث بضرورة قيام نظام عالمى جديد على أنقاض القوى الظالمة فى الغرب، وحتى فى حديثه عن إزالة إسرائيل من الخريطة كان أملاً وطمعاً فى إزالة شيطانه الأعظم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، وسيطرتها على العالم كله. صحيح أن أحمدى نجاد لن يظل فى الرئاسة غير بضعة شهور، حيث لا يستطيع الترشح من جديد عام 2013 بعد أن أمضى ولايتين فى الحكم. البعض اعتبر قوة أحمدى نجاد مستمدة من رعاية المرشد له، ودعمه المطلق لسياسته. هذا البعض يرى أن الرئيس غلبان لا يستطيع أن يقرر شيئا، وإنما ينفذ الأوامر والتوجيهات والإرشادات. الواقع أن أحمدى نجاد ليس ضعيفا، وقوته لا يستمدها من شخصه، وإنما من انحيازه للعمال والفقراء الذين تدفقوا إلى شوارع طهران بعد أن أصبح رئيسا لبلديتها عام 2003، وجلب إلى إدارة العمل فى بلدية طهران مجموعات شابة، وقضى على اختناق المرور فى المدينة التى يعيش بها 14 مليونا. وعمل على القضاء على الفساد بدعم مجموعة من الشبان من الجيل الثانى للثورة، والمعروفة باسم "أبادجاران" أو "التنمويين" الذين يشكلون قوة فى البرلمان الإيرانى إلى الحد الذى أصبح البعض يتحدث عن "ظاهرة أحمدى نجاد".

فكرته ترتكز على ضرورة العودة إلى جذور الثورة الإيرانية فى بداية عهدها، وإعادة إحياء الروح الثورية للثورة الإيرانية. النتيجة أنّه فى عهده تعتمد إيران كلياً على نفسها، وهنا يكمن "سرّ" صمودها فعبارة "صُنِع فى إيران" أصبحت ماركة مسجلة لدرجة أنّ إيران نجحت فى احتلال مراكز متقدّمة فى قائمة الدول المصنّعة لكثير من السلع، أهمها السيارات. الإبداع الذى تحقق عندهم أن أصبح لديهم مشروع حضارى وهدف، وأول ملاحظة تجدها فى الشوارع أن الوجه ترتسم عليها روح التحدى. السبب أن الرئيس خلق حالة من التحدى والانتماء جعل الإيرانى يشعر عندما يستيقظ كل يوم لأداء عمله أنه يحقق هدفا ما يسهم فى بناء الوطن. المهم أنه فى نهاية اللقاء ظل تساؤله لنا يرن فى أذنى: "هل يوجد فى المنطقة أكثر من إسلام أم هو إسلام واحد؟.. هل فهمتم ما أقصده وأعنيه؟".. الإسلام واحد، لكن المشكلة –كما يقول -أن الغرب يسعى دائما للتفريق بين العرب وإيران، ويثير فتنة أن هذا عربى وذاك إيرانى، وأن هذا سنى وذاك شيعى، وبعدما تحدث التفرقة، وتبدأ الصراعات، يقفز الغرب إلى المنطقة تحت مظلة التسوية والتظاهر بالسعى لحل المشكلة، ثم يتحرك بكل خبث نحو تحقيق أغراضه بتقسيم دول المنطقة والسيطرة على شعوبها. إننا نتجادل ونتصارع فيما بيننا على واحد من ألف من تعاليم الدين الإسلامى، وأوامر النبى محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الأمر الذى أوصلنا فى النهاية إلى الاختلاف والتشرذم، وذلك على خلاف ما يأمرنا به ديننا بأن نقف معاً يداً واحدة، متحدين فى وجه من يثير الفرقة بين شعوبنا، وأنا هنا أؤكد لكم أن الشعب الإيرانى لا يريد أن يفرض نفسه على أحد، وأن إيران لا تسعى أبداً للتدخل فى شئون أية دولة بالمنطقة.

*عبد المنعم فوزي