في يوم القدس العالمي ... للقدس رسائل

في يوم القدس العالمي ... للقدس رسائل
الجمعة ١٧ أغسطس ٢٠١٢ - ١٢:٥٣ بتوقيت غرينتش

بين الأمس واليوم أربعة وستون عاماً من عمر مدينة تتجذر في الزمان، أما المكان فتصارع وحيدة للبقاء فيه كما هي.. جميلة دائماً، بحلّتها القديمة، بشوارعها العتيقة وبيتها المقدّس... الزمن في القدس يمرّ بطيئاً ثقيلاً عليها كمرور الأوقات الحزينة على المرء، والإحتلال يسابق هذا الزمن بخطوات متسارعة لتهويد المدينة بشكل كامل.

وإذا كان التهويد في القدس من عمر الإحتلال الأول لها عام 1948 فإن العام الماضي شهد أشرس حملة ضد المدينة المقدّسة وتصاعداً غير مسبوق في وتيرة التهويد. هذا التهويد تجلّى في أخطر أوجهه في الحفريات التي طالت المسجد الأقصى، وتهويد القدس الشرقية في أبو ديس، وتقليص مساحة القدس للعب بالتوازن الديمغرافي، والضغط على الفلسطينيين من خلال زيادة الضرائب ومنعهم من البناء، في مقابل تقديم إغراءات للإسرائيليين.
ولكن ما الذي جعل العدو يصعّد ويسرّع من وتيرة التهويد بهذه الطريقة؟
مدير مركز باحث للدراسات وليد محمد علي يرى أن "عدة عوامل ساهمت في هذا الأمر، منها ما يتعلق بتطورات المنطقة العربية والهجمة التي تتعرض لها المقاومة، حيث لم يعد العدو بالنسبة للبعض هوالعدو الصهيوني، فعمد هؤلاء إلى خلق أعداء وهميين يفترض أن يكونوا أصدقاء، وسهّل هذا الإبتعاد عن مشروع المقاومة على الإحتلال ممارساته في القدس.
أما العوامل الأخرى والأساسية يتابع محمد علي، فمرتبطة بمأزق إسرائيل في توحيد مستوطنيها واليهود الإسرائيليين حول عنوان واحد. ففي البداية كانت الإيديولوجيا ومقولات أرض المعاد وشعب الله المختار التي استقدمت من خلالها إسرائيل اليهود من دول العالم. فشلت الإيديولوجيا وسقطت فحلّ مكانها الجيش. هزمت المقاومة الجيش وكسرت هيبته، فانطلق البعد الديني كبديل عن سقوط الإيديولوجيا والجيش معاً. واتخذ التهويد السمة التوراتية الدينية بشكل لافت خلال العام الماضي. من هنا يمكن فهم الحديث عن حدائق داوود وبناء الهيكل الثالث والمقابر اليهودية الوهمية.
ماذا عن مصير المحاولة الإسرائيلية بسمتها الجديدة؟
يجيب وليد محمد علي كخبير في الشأن الإسرائيلي أن هذا الأمر سيزيد من شرخ المشروع الصهيوني، فالحركة التي بدأت قبل قرون من الزمن رفعت شعار العلمانية، فيما النظرية الدينية أساسها عنصري يتناقض مع التطورات الكونية والعولمة الإنسانية مما سيعمّق نبذ هذا الكيان. لكن يبقى فشل أو نجاح مشروع إسرائيل في القدس رهناً بأمرين:
الأول المقاومة واستمرارها في مقابل نبذ العصبيات المذهبية والإثنية.
والثاني التمويل وهنا القصة كلها. فإسرائيل تعيش أزمة إقتصادية، وكذلك حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فمن الذي يساعدها في تمويل مشاريع استيطانية وتهويديهة تصل كلفتها إلى مئات مليارات الدولارات؟ المعادلة على بساطتها مؤلمة، يلخصها مدير مركز باحث على الشكل التالي "المصارف الأمريكية تدعم إسرائيل ومال المصارف الأمريكية مصدره النفط العربي".
جمّال يا جمّال.. القدس تسرق
في ظل هذا الواقع ماذا تقول القدس في يومها؟ يتحدث رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية الأب مانويل مسلّم بلسانها وهي التي تختنق وتموت بين أيدي الإسرائيليين الذين يحاصرونها وأهلها ومقدساتها وحتى القاطنين على بعد أمتار قليلة من أسوارها.يقول الاب مسلم : " للقدس ثلاث رسائل في ثلاث إتجاهات. الأولى رسالة وحدة للفلسطينيين الذين يعيشون إنقساماً مريراً من شأنه أن يشكل الثغرة التي سيعبر منها أعداء فلسطين للإستيلاء عليها وتغيير تاريخها. والثانية رسالة إستنهاض للعرب مسلمين ومسيحيين على السواء بأن زمن المفاوضات والمؤتمرات ولّى والزمن اليوم هو زمن "وأعدوا لهم ما استطعتم.." وقد وصل أعداء القدس إلى أبوابها. فالقدس عربية تاريخاً وحضارة، ولا معنى للدول العربية بدون فلسطين ولا معنى لفلسطين بدون القدس ولا معنى للقدس بدون مقدساتها. أما الرسالة الثالثة فتذكير للمسلمين بأن في القدس درّتهم، في القدس المسجد الأقصى. فما معنى أن تكون القدس دون الإسراء والمعراج ومن هو الذي سيدافع عن آيات القرآن الكريم؟
يرى مسلّم كما وليد محمد علي أن ما يجري على القدس اليوم يساهم فيه واقع العرب الذين تحوّل مالهم عبئاً عليها طالما لا يحسنون استخدامه. يراهم تحوّلوا إلى الجمّال في لعبة كان يلعبها ورفاقه حين كانوا صغاراً. والجمّال في لعبة الصغار كان صاحب ثروة يغطّ في نوم عميق، فيأتي سارق ويأخذ جماله، فينادي عليه أحدهم "جمّال يا جمّال سرقوا جمالك" فكان رده "سيفي تحت راسي لا أسمع كلامك". واليوم  وللاسف الامة العربية تغط في نوم عميق والقدس تنادي "عرب يا عرب، القدس ذهبت، أخذت، سرقت وأصبحت أقرب إلى الدمار من أي وقت مضى".
*ميساء شديد