خطاب السيد الخامنئي أمام قمة طهران .. خارطة طريق لتأسيس نظام عالمي جديد

خطاب السيد الخامنئي أمام قمة طهران .. خارطة طريق لتأسيس نظام عالمي جديد
السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٢ - ٠٦:٠٢ بتوقيت غرينتش

رغم الصورة السوداوية التي تحاول أمريكا والصهيونية العالمية رسمها للمنطقة وشعوبها ، بفضل اذنابهما ، من المجموعات المنبوذة في المجتمعات الاسلامية ، والتي أطلت براسها ، راكبة موجة الثورات العربية ، لتثير الرعب والقلق في النفوس لما تحمله من افكار ظلامية مقيتة تصب بمجملها في مصلحة امريكا والصهيونية ، جاء خطاب اية الله السيد علي الخامنئي الذي القاه يوم الخميس ، الثلاثين من اب / أغسطس أمام القمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز التي احتضنتها طهران ، ليضع النقاط على كل حروف قصة التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم ، ويضع الاشياء في مواضعها ، ويرد التهويل الامريكي الصهيوني الظلامي الى الزاوية التي لاتوجد الا في القلوب المريضة ، ويرسم خارطة طريق امام دول عدم الانحياز والشعوب التواقة للتحرر والاستقلال للوصول الى نظام عالمي قائم على العدل والقيم الانسانية السامية.

السيد الخامنئي بدأ خطابه التاريخي بالتاكيد على ان الحاجة مازالت قائمة لوجود حركة عدم الانحياز ، فالاسباب التي دعت الى وجودها مازالت قائمة ، مثل مکافحة الاستعمار، و الاستقلال السياسي و الاقتصادي و الثقافي، و عدم الالتزام لأقطاب القوة في العالم، ورفع مستوى التضامن و التعاون بين البلدن الأعضاء ، ولكن شريطة ان نبث فيها روحا وحركة جديدتين.

ان مايجمع دول عدم الانحياز رغم وجود اختلافات اقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى عقائدية بين اعضائها ، هو "الحاجة" كما اشار الى ذلك احمد سوكارنو احد مؤسسي الحركة عام 1955 في مؤتمر باندونغ التاريخي ، وهي اشارة اكد عليها السيد الخامنئي في خطابه ، الا انه اضاف اليها نقطة في غاية الحساسية عندما قال سماحته ان الإسلام علمنا " أن للبشر رغم تنوّعهم العرقي و اللغوي و الثقافي فطرة واحدة تدعوهم للطهر و العدالة و الإحسان و التعاطف و التعاون".

هذه الفطرة السليمة هي التي ترفض بالضرورة النظام العالمي القائم على على الظلم والقوة الغاشمة والهيمنة والاطماع ، وهذا الفطرة هي القوة التي يجب ان تؤطر عمل حركة عدم الانحياز بعد "انهيار سياسات فترة الحرب الباردة، و ما تلا ذلك من الأحادية القطبية. و العالم باستلهامه العبر من هذه التجربة التاريخية يمرّ بفترة انتقالية إلى نظام دولي جديد، و بمقدور حرکة عدم الانحياز و يجب عليها أن تمارس دوراً جديداً".

كلام السيد الخامنئي عن النظام العالمي الجديد ليس مجرد كلام عن احلام الانسانية في الانعتاق من نير النظام العالمي الحالي بل يستند الى حقائق وتطورات اخذة بالتبلور تبشر بنظام "متعدد الوجوه تترك فيه أقطاب القوة التقليدية مکانها لمجموعة من البلدان و الثقافات و الحضارات المتنوعة ذات المنابت الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية المختلفة".

ويمكن الاشارة الى الأحداث التي شهدها العالم طوال العقود الثلاثة الأخيرة والتي "تشير بوضوح إلى أن انبثاق القوى الجديدة کان مصحوباً بضعف القوى القديمة. و هذا التغيّر التدريجي في القوة يمنح بلدان عدم الانحياز الفرصة لتتولى دوراً مؤثراً و مناسباً في الساحة العالمية، و توفّر الأرضية لإدارة عادلة و مشترکة حقاً للعالم".

في اشارة حملت اكثر من معنى وصف السيد الخامنئي الظروف الراهنة التي يمر بها العالم اليوم بانها فرصة قد لا تتکرّر لحرکة عدم الانحياز ، لتغيير الوضع الراهن حيث يدار العالم بدکتاتورية عدة بلدان غربية ، عبر

مجلس الأمن الدولي ذو البنية و الاليات غير المنطقية و غير العادلة و غير الديمقراطية بالمرّة. فهي "دکتاتورية علنية و وضع قديم منسوخ انقضى تاريخ استهلاکه. و قد استغلت أمريکا و أعوانها هذه الآليات المغلوطة فاستطاعت فرض تعسّفها على العالم بلبوس المفاهيم النبيلة. إنهم يقولون «حقوق الإنسان» و يقصدون المصالح الغربية، و يقولون «الديمقراطية» و يضعون محلّها التدخل العسکري في البلدان، و يقولون «محاربة الإرهاب» و يستهدفون بقنابلهم و أسلحتهم الناس العزّل في القرى و المدن. البشر من وجهة نظرهم ينقسمون إلى مواطنين من الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة. أرواح البشر في آسيا و أفريقيا و أمريکا اللاتينية رخيصة، و في أمريکا و غرب أوربا غالية. و الأمن الأمريکي و الأوربي مهم، و أمن باقي البشر لا أهمية له. و التعذيب و الاغتيالات إذا جاءت على يد الأمريکان و الصهاينة و عملائهم فهي جائزة و ممکن غضّ الطرف عنها تماماً. و لا تؤلم ضمائرهم سجونهم السريّة التي تشهد في مناطق متعددة من العالم في شتى القارات أقبحَ و أبشعَ السلوکيات مع السجناء العزّل الذين لا محام لهم و لا محاکمات. الحسن و السيئ أمور انتقائية تماماً و ذات تعاريف أحادية الجانب. يفرضون مصالحهم على الشعوب باسم القوانين الدولية، و کلامَهم التعسّفي غير القانوني باسم المجتمع العالمي، و يستخدمون شبکاتهم الإعلامية الاحتکارية المنظمة ليظهروا أکاذيبهم حقيقة، و باطلهم حقاً، و ظلمهم عدالة، و في المقابل يسمّون أي کلام حق يفضح مخادعاتهم کذباً، و أية مطاليب حقة تمردا".

ان تاكيد خطاب السيد الخامنئي على ان الكيل قد طفح بشعوب العالم من هذه الهندسة الدولية الخاطئة ، يؤكد ايضا مسؤولية حركة عدم الانحياز في سعيها للعثور على علاج يمكن ان يخفف من الام الانسانية بعد ان وصلت الاحتجاجات ضد النظام الحالي الى قلب العالم الراسمالي كما في احتجاجات "نهضة التسعة و التسعين بالمائة في أمريکا والمناهضة لمراکز الثروة و القوة في ذلك البلد، و الاعتراضات العامة في بلدان أوربا الغربية على السياسات الاقتصادية لحکوماتهم".

الحديث عن ضرورة تغيير الوضع الدولي المقلوب يعتبر ضرورة ملحة ، ففي ظل هذا الوضع ترفع امريكا فيه لواء الامن العالمي ونزع اسلحة الدمار الشامل وهي تخرن في ترساناتها الأسلحة اللاإنسانية وتعتبرها مؤشراً مهماً في تعريف مکانتها السياسية و الدولية.

الى هذه الحقيقة المرة اشار السيد الخامنئي في خطابه عندما قال " و السخرية المرّة في عصرنا هي أن الحکومة الأمريکية التي تمتلك أکبر مقدار من الأسلحة النووية و غيرها من أسلحة الدمار الشامل و أکثرها فتکاً، و هي الوحيدة التي ارتکبت جريمة استخدام هذه الأسلحة، تريد اليوم أن تكون حاملة راية معارضة الانتشار النووي! هم و شرکاؤهم الغربيون زوّدوا الکيان الصهيوني الغاصب بالأسلحة النووية و خلقوا تهديداً کبيراً لهذه المنطقة الحسّاسة، لکن نفس هذه الجماعة المخادعة لا تطيق الاستخدام السلمي للطاقة النووية من قبل البلدان المستقلة، بل و يعارضون بکل قدراتهم إنتاج الوقود النووي لغرض الأدوية و سائر الاستهلاکات السلمية الإنسانية، و ذريعتهم الکاذبة الخوف من إنتاج سلاح نووي. و بخصوص الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهم أنفسهم يعلمون أنهم يکذبون، لکن الممارسات السياسية حينما لا يکون فيها أدنى أثر للمعنوية، تُجيز الکذب أيضاً".

يرى السيد الخامنئي ان المؤشرات كثيرة على الارض كلها تؤكد قرب ولادة نظام عالمي جديد ،ويجب ان تشارك دول حركة عدم الانحياز في الاسراع في بلورته واظهاره الى الوجود . وان اثار مخاض هذه الولادة يمكن تلمسها في "انهيار تجربة المعسکر الشيوعي قبل عقدين، و انهيار سياسات ما يسمّى بالليبرالية الديمقراطية الغربية في الوقت الحاضر، و الذي يرى الجميع مؤشراته في شوارع البلدان الغربية و الأمريکية و العقد المستعصية في اقتصاد هذه البلدان". و" سقوط المستبدين التابعين لأمريکا و المتعاونين مع الکيان الصهيوني في شمال أفريقيا، و الصحوة الإسلامية في بلدان المنطقة".

ان خطاب السيد الخامنئي امام قمة طهران بحاجة الى وقفة متأنية اكثر لدراسته واستخلاص المزيد من المؤشرات منه والتي تؤكد حتمية زوال النظام الدولي الراهن القائم على الظلم ، ودور دول عدم الانحياز في رسم صورة النظام الدولي الجديد.

ماجد حاتمي