المخاض الدامي

المخاض الدامي
الثلاثاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٢ - ١٠:٥٨ بتوقيت غرينتش

يمكن اعتبار نجاح قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في طهران مؤخراً مؤشراً مهماً على أن النظام العالمي في طريقه الى التغير الإيجابي المنتَظَر الذي يستجيب لطموحات ومصالح الجزء الأكبر من شعوب وأمم العالم.

 ومن المتوقع أن يكون لحركة عدم الانحياز برئاسة ايران في المرحلة القادمة دور بارز في التسريع بالمخاض الدولي المشتد الذي تدور أواخره العنيفة في منطقتنا وعلى أرض سورية بالتحديد. ولعل إدراك الولايات المتحدة لهذا هو ماجعلها تحرص على حضور القمة، وإن بشكل غير مباشر، فالأكيد أن جيفري فيلتمان الذي حضر رسمياً بصفته الأممية، كان ينفذ مهمة سياسية واستخباراتية أمريكية، ذلك أن الولايات المتحدة هي المتضرر الأكبر من عودة حركة عدم الانحياز الى مسرح التأثير الدولي، لأن هذه العودة تندرج في صلب الجهود الحثيثة لتغيير النظام العالمي الذي تحكمت به تحكماً مطلقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ومع أن الولايات المتحدة إنما تحصد الآن نتائج السياسات العدوانية والإجرامية التي مارستها إداراتها المتعاقبة بحق الشعوب، ولاسيما في أفغانستان والعراق وفلسطين وايران وسورية... فإنها مستمرة في هذه السياسات التي ضاق بها العالم ذرعاً، وهي في هذا لاتشذ، كما يؤكد التاريخ، عن سلوك امبراطوريات الشر الآفلة التي كانت تمضي في شرها الى النهاية، بل تستشرس أكثر في ارتكابه في أطوار أفولها الأخيرة...
على عكس الولايات المتحدة تجني ايران ثمار النهج المبدئي المؤيد لقضايا الشعوب وفي مقدمتها قضية فلسطين، وسياسة الصمود في وجه الحصار والعقوبات، والاعتماد الخلاق على الذات، تجنيها صعوداً إقليمياً ودولياً باهراً تنظر له الإدارة الأمريكية بعين القلق الشديد وتعمل جاهدة على عرقلته، لكن دون جدوى...
ومن المؤكد أن مايزيد اليوم في قض مضاجع تلك الإدارة، إضافة الى النجاح الإيراني في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، هو وجود طهران على رأس عدم الانحياز، وبثها نفساً ثورياً جديداً في حركته عبّر عنه خطابها الجذري في القمة الذي طالب بتغيير دولي شامل وعميق ينهي استغلال القلة الامبريالية لموارد العالم واحتكارها إدارته من خلال مجلس الأمن، ويقيم أمناً عالمياً حقيقياً على قاعدة العدالة الدولية والتنمية المستدامة. كما تخشى الإدارة الأمريكية بشكل خاص من وقوف حركة عدم الانحياز الى جانب الدولة السورية في المواجهة التاريخية التي تخوضها ضد الإرهاب، وتقويض التحالف الذي شكلته من أدواتها الدولية والإقليمية ضد دمشق، وهي خشية في محلها في ظل وجود حليفي سورية القويين الإيراني والفنزويلي في القيادة الثلاثية للحركة. وعلى هذا فلن يكون أمام الإدارة الأمريكية سوى تكثيف جهودها العدوانية والإلقاء بآخر أوراقها الإقليمية والدولية في الحرب الإرهابية غير المسبوقة التي تشنها عبر أدواتها على سورية، ولاسيما أنها تدرك تماماً مابات يدركه العالم كله، من أن خروج سورية منتصرة من هذه الحرب سيعني نهاية المخاض الدولي المعمد بالدم السوري، وولادة النظام العالمي الجديد الذي ستفقد أمريكا فيه سيطرتها على العالم وتعود الى حجمها الطبيعي. لكنها ستفشل حتماً في تجنب هذا المصير، لأنها، مهما فعلت، لن تستطيع الوقوف في وجه حركة التاريخ الصاعدة التي يشكل محور المقاومة في المنطقة جزءاً أساسياً منها.
*بقلم: محمد كنايسي