ذكرى ولادة الامام الرضا عليه السلام

ذكرى ولادة الامام الرضا عليه السلام
الأربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢ - ٠٨:١٧ بتوقيت غرينتش

کان الإمام الرضا عليه السلام بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومکرماته من القرآن،

يذکر الرواة أن أم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حميدة المصفاة کانت من أشراف العجم، فاشترت جارية قد ولدت في البلاد العربية وتربت فيها، فلما اختبرتها ووجدتها من افضل الناس في دينها وعقلها، اختارتها لولدها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وقالت له: يا بني إن تکتم (وهذا أحد أسماءها) جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشک أن الله تعالى سيطهر نسلها إن کان لها نسل، وقد وهبتها لک فاستوصي بها خيراً.
وذکروا من فضلها: أنها لمّا وَلدت للإمام علي الرضا کان الرضا يرتضع کثيراً وکان تام الخلق، فقالت: أعينوني بمرضعة فقيل لها: أنقص الدر ؟ فقالت: لا أکذب، والله ما نقص، ولکن علي ورد عن صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولَدت.
وقد ذکر المؤرخون أسماء عديدة لوالدة الإمام، أما الجارية فکانت تسمى عند کل مولاة باسم جديد. فکانت تسمى نجمة، وأروى، وسکن وسمان، وتکتم وطاهرة. إلاّ أن أشهر الأسماء هي تکتم، وبعد ولادتها سميت طاهرة، وأم البنين.

وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام عليه السلام ، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة.

تقول أمه (تکتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وکنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلک ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرک شفتيه کأنه يتکلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئاً لک يا نجمة کرامة ربک، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنکه به ثم ردّه
إلي وقال: خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه.

وکــان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قد منحه لقب ” الرضا ” منذ نعومة أظفاره، کما أنه أعطاه کنية أبـو الحسن فکان کثير الحب له، هکذا يروي المفضل بن عمر يقول:
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبله ويمص لسانه، ويضعه على عاتقه ويضمه إليه ويقول: بأبي أنت ما أطيب ريحک وأطهر خلقک، وأبين فضلک ؟ قلت: جعلت فداک لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لک، فقال لي: ” يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبي عليه السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم “.
قال: قلت هو صاحب هذا الأمر من بعدک ؟ قال: ” نعم من أطاعه رشد ومن عصاه کفر ”

وهکذا ترعرع الوليد في ظل والده يزکيه بآداب الإمامة ويعلّمه أسرارها ويطلعه على ودائع النبوة.
وکان الإمام موسى بن جعفر يقول – حسبما جاء فيالحديث :
” علي ابني أکبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري، ينظر معي في کتاب الجفر والجامعة، وليس ينظر فيه إلاّ نبي أو وصي نبي “.

وخلال سني حياته مع والده تولى –إدارة بعض شؤون الطائفة نيابة عن والده، ولعل الحديث التالي يدل على ذلک. يقول زياد بن مروان القندي: دخلت على أبي إبراهيم (الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وعنده علي ابنه، فقال لي: ” يا زياد هذا کتابه کتابي، وکلامه کلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله “.
وقد أکثر الإمام موسى بن جعفر عليه السلام من بيان فضائل ابنه الرضا عليه السلام وأنه خليفته والإمام من بعده مما يثير السؤال عن حکمة ذلک، ولعل من الأسباب التي تهدينا إلى تلک الحکمة:

أن الظروف السياسية کانت قياسية جداً. حيث التقيّة في أشدها، وأهل البيت مطاردون، وهارون الرشيد کان يلاحق أصحاب وانصار أهل البيت من بلد إلى بلد، ويقتلهم زرافاتٍ ووحداناً. والإمام موسى بن جعفر يتنقل بأمره من سجن لآخر، فکانت إمکانية تفرق کلمة الشيعة بعد وفاته تجعل من الحکمة التأکيد على ولاية الإمام الرضا.

والأصحاب بدورهم کانوا يتوجسون خيفة من اختفاء الإمام فجأة دون معرفة الإمام من بعده، يظهر ذلک کله من بعض الأحاديث التالية:

روي عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقيت موسى بن جعفر فقلت: أخبرني عن الإمام بعدک بمثل ما أخبر به أبوک قال: ” کان أبي في زمن ليس مثل هذا “.
قال يزيد فقلت من يرضى منک بهذا فعليه لعنة الله، قال فضحک ثم قال: ” أخبرک يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنّي وأشرکتهم مع علي ابني وأفردته بوصيَّتي في الباطن “.

ويروي علي بن عبد الله الهاشمي: قال: کنا عند القبر (أي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفر ويد علي ابنه في يده فقال: ” أتدرون من أنا ” ؟
قلنا: أنت سيدنا وکبيرنا، قال: ” سموني وانسبوني “.
فقلنا أنت موسى بن جعفر، فقال: ” من هذا معي ” ؟
قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: ” فاشهدوا أنه وکيلي في حياتي ووصيي بعد موتي “.

وقد اتخذ الإمام موسى بن جعفر کافة وسائل الاحتياط لبيان إمامة الإمام الرضا. فمثلاً: کتب کتاباً بذلک وأشهد عليه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة.
وکان يرجع الأمور إليه في حياته کما فعل عندما أشخص به إلى البصرة، حيث دفع إلى عبد الله بن وحوم کتباً وأمره بإيصالها إلى نجله الرضا في المدينة .

خلقه وفضائله:
کان الإمام الرضا عليه السلام بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومکرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يکون ذلک غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين.
وکان الإمام الرضا عليه السلام قد تمثل هذا النور – بکل وجوده حتى جاء في الحديث: عن ابي ذکوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول:
ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما کان في الزمان إلى وقته وعصره، وکان المأمون يمنحه بالسؤال عن کل شيء فيجيب فيه، وکان کلامه کله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وکان يختمه في کل ثلاث ليالٍ، ويقول:
” لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت، ولکني ما مررت بآية قط إلاّ فکرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت، فلذلک صرت أختم کل ثلاثة أيام “.
والإمام الرضا عليه السلام عظَّم الله ووقره وسلّم له أمره واستصغر کل شيء سواه، واستعد لکل بلاء في سبيلــه، وکان کل ذلک وسيلته إلى ربه.
کان من عبادته عليه السلام أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس.
السبيل إلى الله:
ومــن يعظم الله يعظم أولياءه، ومن يرفض توقير أولياء الله يفقد السبيل الى الله. والإمام الرضـا عليه السلام
سلک هذا السبيل إلى ربه. ولعمري إن الشيطان يزين للإنسان مخالفة أولياء الله والتکبر عليهم حتى يضله عن سبيل الله القويم، ويلقيه في تيه السبل المتفرقة.
وکلما ازداد الإنسان تسليماً لقيادته الشرعية، وحباً لولي أمره، ولأولياء الله من الأنبياء والأوصياء والصالحين، کلما يزداد من ربه قرباً.

والإمام الرضا کان کما سائر الأئمة أطوع الناس لولي أمره الإمام موسى بن جعفر فجعله الله حجة من بعده.
يقول الإمام الکاظم: ” علي ابني أکبر ولدي وأسمعهم لقولي، وأطوعهم لأمري ”
وقال: ” علي أکبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي “.
الشجرة الطيبة:
کان الرضا من الشجرة الطيبة التي أکرمها الله، وبارک لأمة محمد فيها وقال سبحانه:
?ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?(آل عمران / ??).
 

تصنيف :
كلمات دليلية :