جغرافيا الشهداء ومليونيات الثورة!

جغرافيا الشهداء ومليونيات الثورة!
الإثنين ٠٣ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٥:٠٢ بتوقيت غرينتش

كثيرون هم من اعتلوا منصة الشهداء في الايام والاسابيع الاخيرة البداية كانت في فلسطين وتحديدا في غزة حيث رسموا خريطة جديدة لجغرافية شعوبنا واوطاننا السياسية شعبا شعبا ووطنا وطنا فيما حاصروا العدو وسدوا عليه المنافذ واجبروه على القتال من وراء جدر وعادت بذلك بوصلة الامة الى حيث ينبغي ان تكون وتغيرت معادلات كثيرة اذعن لها العدو والصديق بان فلسطين كانت البداية وستظل هي النهاية التي سترسم جغرافية النضال والمناضلين بدماء ابنائها الطاهرين مهما حاول المثبطون والمرجفون في المدينة اختيار قبلة غير قبلة فلسطين!

وعليه يخطئ تماما من يظن في مصر الكنانة ان بامكانه تجاوز ما حصل في اسطورة صمود الغزاويين عندما يريد رسم خطوط وطنه الصغير في الموالاة او في المعارضة ، خارج معادلة الردع الجديدة التي دخلت المشهدين الاقليمي والدولي بقوة جغرافية الشهداء هؤلاء!
ايا كان اللاعب في مصر الجديدة اسلاميا كان ام قوميا ام علمانيا ليبراليا كان ام ثوريا من الاحزاب المخضرمة والمعتقة كان ام من الاحزاب الوليدة لم يعد امامه الا القبول بهذه القاعدة لانها اثبتت في الميدان كما في الميزان بانها المعادلة الابقى والاكثر التصاقا بمعايير التحول والتغيير الجيوسياسي لمجمل نضالات الامة!
هذا الامر ينطبق على ما يجري في سوريا ايضا سوريا التي وصفها جمال عبد الناصر يوما بانها قلب العروبة فاذا بها اليوم تحترق بنيران 'عربية' اكثر منها بنيران اجنبية 'ما يجعل المشهد فيها دراماتيكيا بامتياز لا تصدقه اذن ولا عين احد من الحريصين على ما تبقى من وشائج تجمع بين العروبة والاسلام كما ظل يردد الرئيس الراحل حافظ الاسد ويتغنى بها اجماع العروبيين والاسلاميين والناصريين بل وحتى الاشتراكيين العرب فضلا عن السوريين القوميين بل وحتى غلاة العلمانيين من بعثيين منشقين او غيرهم من دعاة الديمقراطية الجدد!
العراق وليبيا واليمن والبحرين وتونس والسودان وسائر بلدان المشرق والمغرب العربي بل وحتى الدول الاسلامية الاخرى من غير العرب مثل ايران وافغانستان والباكستان لا تخرج عن هذه القاعدة التي تكرست منذ ان عاد الناس في بلادنا مع نهاية السبعينات الى ذواتهم ولبسوا ثوب هويتهم الحقيقية ملقين وراء ظهورهم كل ما اتى به الغرب العنصري الينا من وراء البحار من ايديولوجيات مستوردة محاولا جعلها معيارا للتقدمية والرجعية!
نعم نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كانت منعطفا هاما على طريق ذات الشوكة لمجموع الامة من اقصى مغربها الى اقصى مشرقها بعد ان اختل التوازن هنيهة بسبب سلاسل كامب ديفيد المشؤوم فاذا بالهدية الربانية تأتينا من السماء بثورة اشقائنا واهلنا في ايران الاسلام ليعيدوا البوصلة الى فلسطين مرة اخرى وهكذا كان في كل مكان!
ومن نسي من اهل بلادي او يتظاهر بالنسيان اليوم اود تذكيره بما قاله الصهيوني المعتق مناحم بيغن يومها عن مليونيات الثورة الاسلامية في ايران وهي المليونيات التي سبقت مليونيات الثورة العربية اليوم او صحوتها الاسلامية او 'الربيع ' العربي ـ ان كنتم مصرين على هذه التسمية الاستشراقية ـ
عندما قال: اننا امام زلزال يهز المنطقة باسرها.!
ثم تعالوا معي لنتذكر سويا قول الشهيد القائد ياسر عرفات اتفقنا معه او اختلفنا وهو يكافح مبكرا من اجل العودة وبناء الدولة بثنائية الجمع بين الكفاح المسلح والمفاوضات في اطار مقولته المعروفة بنقل كتلة النار الى داخل الكيان الصهيوني 'عندما واجهته احداث الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي فجرها ابناء الجهاد الاسلامي بالتعاون مع ابي جهاد خليل الوزير الرجل الاخطر يوما في القيادة الفتحاوية والذي اغتالته قوى الغدر الصهيونية مع مرتزقة الاعراب من مخابرات تونس بن علي!
ماذا قال عرفات يومها للعدو الصهيوني؟! هل تذكرون؟!
لقد قال كلمته الشهيرة : اذا رفضتم التفاوض معي اليوم فانكم ستذعنون رغما عن انوفكم غدا للتفاوض مع محمد بن عبد الله ص ...... في كناية واضحة لصعود الاسلاميين من ابناء شعب فلسطين... وهو ليس سوى عودة الناس في بلادي الى هويتهم شاء من شاء وابى من ابى!
كان ذلك في خريف العام 1986 م على ما اظن ' فماذا ترون اليوم من حواليكم ايها الناس بعيدا عن اختلافنا على تسمية ما يجري على امتداد وطننا العربي والاسلامي الاكبر الممتد من جبال الاطلس الشاهقة غربا الى سور الصين العظيم شرقا؟!
من يريد انكار هذه الحقائق اليوم انما يضيع ليس فقط مستقبله السياسي ويتيه وسط هذا الضجيج بل انه قد يكون مساهما عن قصد او غير قصد في تهديم وطنه الصغير الذي قد يكون اسمه مصر او تونس او سوريا او ايران او البحرين او افغانستان او ....... الخ
ماذا سيكون معنى مصر اولا او ايران اولا او العراق اولا او اي قطر عربي او مسلم اولا سوى البعد عن فلسطين وشهدائها . بل وحتى كلا الشعارين المشوبين بالشبهة واقصد بهما صراع الثوريين الجدد حول اما الدولة الدينية او الدولة المدنية اذا لم يكن ذلك مترافقا مع فقه المقاومة وجغرافيا الشهداء الذين بذلوا الغالي والنفيس حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم؟!
الا يقرأ هؤلاء السياسيون المتصارعون اليوم على السلطة هنا او هناك بان سلطتهم هذه ستظل مهزوزة وناقصة للسيادة بل وناقصة عرف وشريعة ودين ما لم تكن قبلتها السياسية فلسطين؟!
نعم فلسطين وليس في هذا منة من احد على الفلسطينيين بل هو جزء لا يتجزأ من الدفاع عن كرامة الانسان العربي والمسلم والمسيحي وعن الامن القومي لكل قطر من الاقطار التي ينتمي اليها بفعل قواعد الاشتباك وموازين القوى وتقدير الموقف والتي تحدد جميعها نوع السياسات التي ينبغي ان نتخذها ونوع الانتماء الذي ينبغي ان نعلنه دون مواربة كمواطنين وكمنظمات وكاحزاب وقوى عاملة على امتداد العالم الاسلامي الكبير!
هذا الكلام ينطبق على الحاكم كما على المحكوم وينطبق على الناصري والاسلامي والاشتراكي والعلماني والليبرالي دون تمييز ومن ينكر ذلك ليس الا مكابرا او جاهلا بقواعد العمل السياسي والنضال الديمقراطي.

*محمد صادق الحسيني