لن يستطيع أوباما تثبيت الرأسمالية

لن يستطيع أوباما تثبيت الرأسمالية
الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٣:١٥ بتوقيت غرينتش

تنفس اقتصاديو البيزنس في الولايات المتحدة الصعداء وشعروا بأن الفرج قد جاء مع إعلان أن الاقتصاد الأمريكي نما بمعدل سنوي مقداره اثنان في المئة في الربع الثالث من العام الحالي، واعتقدوا بأنه نجم سعدهم لأن النمو يفوق 1.3 في المئة، أي النمو في الربع الثاني.

ولكن العمال الأمريكيين تنبهوا إلى تحفظات أقل انتشاراً خلف هذا العرض العلني للتفاؤل أولاً، كان نمو الـ 2% مضخماً كلياً بإنفاق البنتاغون. فقد كشف الاقتصادي الدولي الرئيسي لدى مصرف «أي إن جي» روب كارنل أن ماأنقذ هذا الرقم من أن يكون أسوأ بكثير هو الزيادة الغريبة إلى حد ما في الإنفاق الحكومي مدفوعة بزيادة 13% في الإنفاق الدفاعي.. فايننشال تايمز في 26 تشرين الأول 2012.
وبذلك تأكدت إدارة أوباما وليون بانيتا في البنتاغون من قدوم الموجة في الإنفاق العسكري في الوقت المناسب لإنقاذ أرقام النمو الاقتصادي في الفترة السابقة للانتخابات، ولولا الإنفاق العسكري لكان رقم النمو الرسمي 1.4%، أي مماثلاً في الأساس للربع الثاني ولكان هذا جرس إنذار إحصائياً.
على إثر التباطؤ الرأسمالي العالمي، انحدرت صادرات الولايات المتحدة في الربع الأخير للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام ونصف، وتحول استثمار رأس المال من قبل أرباب العمل من زيادة 3.6% في الربع الثاني إلى انخفاض 1.3% في الربع الثالث، وعندما يخفض أرباب العمل الاستثمار، فمن المؤكد أن يفقد العمال أعمالهم.
كذلك فإن أي زيادة في الإنفاق بين العمال والطبقة الوسطى مدعومة ببداية فقاعة ائتمانية أخرى.
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في 27 تشرين الأول مقالة بعنوان «ارتفاع في مديونية الأسرة قد يكون مؤشراً على تعزيز التعافي». كان الدين من رهن عقاري وبطاقات الائتمان وقروض السيارات، ينخفض لـ 14 فصلاً على التوالي فيما تحاول الجماهير الخروج من تحت جبل الديون المتراكم خلال الفقاعة، لقد انفجرت الفقاعة مؤدية إلى أزمة مالية كبيرة.
والآن يحتفل المصرفيون بعودة الناس إلى الاستدانة، جالبين المزيد من الدخل من الفائدة والرسوم للمصرفيين مايحافظ على الاقتصاد من الانهيار. وبكلمة أخرى، يتطلع المصرفيون إلى الاستفادة من الفقاعة الائتمانية التالية، ويأمل أرباب العمل والاقتصاديون والسياسيون بأنها ستحافظ على تقدم الرأسمالية.
تسريحات واسعة مخططة
ماينبغي أن يشغل حقاً عناوين الصحف هو الانحدار في المبيعات العالمية للاحتكارات العملاقة، والإعلانات عن تسريحات جماعية وتوقع تسريحات مقبلة.
عندما تبدأ أزمة فائض الإنتاج تخنق الأسواق الرأسمالية في الصين والهند والبرازيل وروسيا، ولاسيما في أوروبا، فإن مبيعات وأرباح الاحتكارات العملاقة متعددة الجنسية تبدأ بالتقلص، وكما قال أحد المحللين البورجوازيين، فإن المبيعات الأدنى «وصفة أكيدة للتسريحات عندما تقوم الشركات بعمل فوري كي تظهر لحملة أسهمها كم هي حساسة». (بيزنس إنسايدر في 25 تشرين الأول 2012).
وقال آخر: إن «الشركات الأمريكية الشمالية قد أعلنت منذ أيلول عن خطط لتصفية أكثر من 62600 موقع في الداخل والخارج، وسجل أكبر انخفاض شهرين منذ بداية عام 2010، وفقاً لمعطيات جمعتها بلومبيرغ نيوز. مجموع التسريحات حتى الآن في هذا العام أكثر من 158100 وبلغ مجموعها 129 ألفاً في الفترة نفسها من عام 2011». (بلومبيرغ نيوز في 25 تشرين الأول 2012).
توجد مخاوف من أن «التعافي الاقتصادي لن ينشط» مع هبوط المبيعات دون التوقعات.
وأعلنت شركة هولت باكارد في أيلول أنها تخطط لتقليص فرص العمل بمقدار 29 ألفاً مع تباطؤ مبيعات الحواسيب الشخصية حول العالم، وتخطط المصارف في الولايات المتحدة لتقليص فرص العمل بمقدار 19 ألفاً، في حين يخطط المصرف السويسري العملاق «يو بي إس» لتسريح 10 آلاف شخص.
تغلق شركة فورد معملين أوروبيين، أحدهما في بلجيكا والآخر في بريطانيا وسوف تقتطع 6200 فرصة عمل أو 13% من قوتها العاملة الأوروبية، بينما ستغلق داوكيميكال نحو عشرين معملاً وتصفي 6400 مكان عمل. وتخطط شركة «دوبون» لتسريح 1500 شخص فوراً والمزيد في المستقبل إذا استمرت الأرباح في الانحدار.
وستسرح شركة «إي إم دي»، ثاني أكبر منتج لرقائق الحواسيب الشخصية 15% من قوة العمل، وكانت كولجيت بولموليف وصانع المحركات كومينس وكيمبرلي كلارك من بين الشركات العملاقة التي أعلنت عن تسريحات بسبب الانخفاض في الأرباح أو المبيعات.
الشركات العملاقة قاطرة الاقتصاد العالمي وتشير إلى ماسيواجهه العمال في الفترة القادمة مع عجز الرأسمالية عن انتشال نفسها من الأزمة التي بدأت عام 2007.
لاتستطيع الرأسمالية وقف التباطؤ العالمي
تندفع عبر الإعلام بعض مؤشرات الصورة الأكبر، إذ تشير صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أنه على الرغم من الارتفاع في هوامش الربح على مؤشر ستاندرد أند بورز لـ 500 شركة خلال الأعوام الأخيرة، فإن ازدياد المبيعات على المؤشر كان منخفضاً منذ عام ونصف، بكلمة أخرى، لم تكن الأسواق قادرة على امتصاص إنتاج الشركات، ومع ذلك تمكنت هذه الشركات من اعتصار أرباح متزايدة معظمها من تسريع إنتاج العمال أو حذفهم تماماً، وهكذا يدعمون الأرباح على الرغم من انخفاض المبيعات.
لاحظت جريدة وول ستريت جورنال في 26 تشرين الأول أن معدل النمو 2% كئيب «بعد الركود الألطف في عامي 1990-1991 حيث دار الاقتصاد بسرعة لأربعة فصول متتالية بنمو يزيد على 4%». ولكن الجريدة لم تذكر أنه على الرغم من النمو الاقتصادي لم يستأجر العمال من جديد.
الحقيقة الصلبة بالنسبة لتطور التكنولوجيا في ظل الرأسمالية هي أنه كلما كان العمل أكثر إنتاجية، تعين أن يكون معدل نمو الاقتصاد الرأسمالي أكبر من أجل خلق فرص عمل لكل الذين باتوا زائدين عن الحاجة، ولكن معدل النمو الاقتصادي لايزداد بل إنه ينخفض مع تطور التكنولوجيا.
رسمياً، أوجد الاقتصاد الأمريكي 146 ألف فرصة عمل جديدة في الشهر كمعدل وسطي، وهذا يعادل تقريباً فقط النمو السكاني، وهكذا فإن 23 مليون إنسان هم رسمياً عاطلون عن العمل أو مضطرون للعمل بدوام جزئي لايستطيعون توقع تعاف رأسمالي ينتشلهم من بؤسهم.
وعلى العكس من ذلك، تنفخ رياح الأزمة الاقتصادية والانكماش بقوة متزايدة، من آسيا إلى أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، وصار العمال في اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا في حالة مقاومة الأزمة، فازدادت الاضطرابات والمظاهرات تكراراً وازداد عدد المشاركين فيها وازدادت انتشاراً في القارة.
تخشى الطبقة الحاكمة الأمريكية من أن تجري هذه الرياح إلى الولايات المتحدة وتثير موجة من مقاومة الطبقة العاملة على النمط الأوروبي أو انفجارات في الجماعات المظلومة، علماً بأن الإدارة الأمريكية ستفرض المزيد من الاقتطاعات المؤلمة.
كانت المناقشة بين أوباما ورومني عما يستطيع إصلاح الاقتصاد زائفة تماماً، فأزمة البطالة ولدها النظام الرأسمالي الذي وصل إلى مرحلة لايمكن عكسها بأي طريقة جوهرية.
إن تطور التكنولوجيا المدمرة للعمل وخلق اقتصاد معولم يتنافس فيه العمال في كل مكان على الأجر وفي سباق إلى القصر هي تطورات خارج سيطرة السياسيين أو الرأسماليين أنفسهم، ويدفع هذه العملية الصراع للحصول على المزيد من الأرباح. وكان هذا دوماً القانون الذي يقود التطور الرأسمالي، وهذا يعني أن العدد المتناقص من العمال يصنع المزيد والمزيد من السلع في وقت أقل فأقل بأجور أدنى فأدنى.
وقد بدأت أخطار هذه العملية تتسرب إلى وعي قطاعات من «الإستابلشمنت» الاقتصادي الرأسمالي.
كتب ديفيد ليونهاردت، أحد الكتاب الاقتصاديين الكبار في جريدة نيويورك تايمز، مادة رئيسة في 24 تشرين الأول، استناداً إلى استطلاع رأي عدد من الاقتصاديين حول القضايا الحقيقية وراء الأزمة الاقتصادية.
ولاحظ ليونهاردت أن الدخل الفعلي للأسرة الأمريكية الآن أدنى بـ 8% مقارنة مع ماكان عليه قبل 11 عاماً، في حين ازداد بنسبة 30% في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
وكتب لوينهاردت: أكبر الأسباب، وفقاً لمقابلات مع اقتصاديين حول الأشهر العديدة الأخيرة، ليست القضايا التي هيمنت في النقاش السياسي.
تأتي في قمة اللائحة الثورة الرقمية التي سمحت للآلات بأن تحل محل أشكال عديدة من العمل البشري، والموجة الحديثة من العولمة التي سمحت للملايين من العمال منخفضي الأجر حول العالم ببدء التنافس مع الأمريكيين.
*ميشيل منير