الموقف من ايران

الموقف من ايران
الأحد ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٩:١٠ بتوقيت غرينتش

من الواضح ان ايران تتعرض لحملة ظالمة، من قبل دول ومجموعات متعددة، ونحن لا يهمنا موقف الدول، اذ يكفي ان لهذه الدول وحكوماتها، تاريخ حافل بالخيانة لشعوبها ولأمتها وهي من خلال حملاتها ضد ايران، انما تخدم اسيادها الامبرياليين والصهاينة.

فنحن لا ننسى ان الاسر الحاكمة بعيدة عن النهج الوطني والعروبي، فقد كانت لها علاقات وثيقة بالنظام الايراني الشاهنشاهي، الذي كان يعتبر الشرطي الامريكي في الخليج الفارسي، وكان نظام الشاهنشاه، يوجه هذه الانظمة ضد الثورة اليمنية وهو الذي كان يمول ويسلح ويدعم الحركة الانفصالية في شمال العراق لغرض منع العراق من الالتحاق بمسيرة الوحدة والانضمام للجمهورية العربية المتحدة، كما استعانت انظمة الاسر الحاكمة في الخليج الفارسي، بالمؤسسات المخابراتية العسكرية للنظام الشاهنشاهي، وأوضح صورها كان في "سلطنة" عمان، حيث استعان "قابوس" بجيش الشاه ضد ثورة ظفار ... واخيراً فإنه من المفيد جداً التذكير بالعلاقات المميزة بين الكيان الصهيوني والشاهنشاه، والدور الخطير الذي كانت تمارسه السفارة "الاسرائيلية" في طهران.
ان اسباب الحملة ضد ايران من قبل هذه الانظمة العميلة التافهة، ليس الخوف على عروبة في دول منطقة الخليج او الخوف على عروبة العراق او الخوف على لبنان، بل ان السبب الحقيقي هو تحرر ايران بعد ثورة الامام الخميني المباركة من القيود الامريكية والتحرر من العمالة لإدارتها، والتخلص من العلاقة غير الشرعية مع الكيان الصهيوني اللاشرعي ... والسبب ايضا تحويل السفارة "الاسرائيلية" الى اول سفارة فلسطينية في العالم .. والسبب هو محاصرة وغلق مركز التجسس الامريكي، والسبب ايضا انتقال زعامة المقاومة ضد الصهيونية والامبريالية الى طهران بعد ان ارتد النظام المصري بعد وفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.
كل هذا ممكن فهمه ... ممكن فهم اسباب الحملة الشعواء ضد ايران التي تديرها الانظمة العميلة في المنطقة ، خصوصا بعد ان اصبحت الثورة الايرانية خطرا على هذه الانظمة ، سيما وانها (الثورة الايرانية) تحولت الى حلم تتنادى له عقول الثوريين والوحدويين العرب ... ولكن السؤال الحقيقي ، فإن الذي لا يمكن فهمه .. الحملة التي تديرها قوى تحمل تسميات وعناوين ثورية ووطنية وقومية تتوائم شعاراتها مع الشعارات الايرانية المناهضة للهيمنة الامريكية والاحتلال الصهيوني وتدعو لوحدة المسلمين بما فيها وحدة العرب ؟؟
الى مدى ليس ببعيد .. قبيل الاحتلال الامريكي للعراق ، كان موقف الحركة القومية بإستثناء ــ حزب صدام ــ متوائماً  مع الثورة الايرانية ومدافعاً عن مواقفها ، حتى اثناء الحرب التي شنها صدام حسين ضد الثورة الايرانية في ايلول 1980 ، وان هناك علاقات سياسية نشأت بين قيادة الثورة الايرانية وبعض رموز الحركة القومية في العراق ، وسعى بعضهم لمقابلة قائد الثورة الامام الخميني ، وقد تمكن بعضهم ، وشنت المعارضة العراقية حملة ضد حرب صدام الموسومة "قادسية صدام" واعتبرتها لمصلحة امريكا وانظمة الخليج ,,, وهو الامر الذي لم ينكره النظام ، بل انه على لسان رأسه اعترف بعد عملية غزة الكويت انه كان يحارب لثمان سنوات دفاعاً عن "كراسي" انظمة الخليج.
الحملة ضد ايران التي تورطت فيها حركات سياسية قومية بدأت بعد الاحتلال الامريكي في 2003 وتحديداً مع بروز النهج الطائفي في العملية السياسية التي رعاها الاحتلال ، حيث بدأت عند بعض "الرموز" فكرة الاستقطاب الطائفي ، والتي تمت تحت اغطيتها عملية استيعاب العناصر الحزبية لحزب صدام ، تحت دعوى المراجعة ونقد التجربة السياسية للحزب ، خلالها ايضاً استطاع عدد غفير من وكلاء اجهزة الامن من بعض افراد الحركة القومية الذين قبلوا او "اضطروا" للعمل مع الاجهزة الامنية والمخابراتية لنظام صدام ، من الرجوع للعمل تحت سقف الحركات القومية ، حينذاك لم يكن ارتباط هؤلاء "الافراد" مع الاجهزة الامنية الصدامية سراً لدى قيادات الحركة القومية ومناضليها ... لكن سبب الموافقة على عودتهم هو اعادة تأهليهم على اساس قسوة النظام وارهابه واساليبه القذرة .
لقد ارتدى هؤلاء لبوس الناصرية والعروبية ، وكان من الافضل مع منحهم فرصة العودة للعمل القومي ، عدم التغاضي عن ادوارهم ، ووضع حدود لوجودهم ، تمنعهم من سرقة المناصب القيادية من جديد ، وحرف الحركة القومية مرة اخرى ــ خصوصا وهي ليست المرة الاولى التي ينقلب بها هؤلاء وامثالهم على الحركة القومية.
وبعد ان كانت سورية من وجهة نظر الجميع .... القلعة التي تحمل لواء القومية العربية ، وحاضنة المقاومة العربية وفي مقدمتها المقاومة العراقية ، والملجأ الامن لكل العراقيين ... البعثيين والقوميين والناصريين .. والبيت الذي جمع المهجرين ... الشيعة والسنة ... ، تحولت وفق خطابات البعض من هؤلاء "النظام الصفوي والنصيري والعلوي" ... وتناسى الجميع كل فضائل سورية ... الشعب والنظام ، وخضعوا لخطابات اليمين من "القوميين" ، رموزه اصبحوا ابواقاً وهابيةً تكفيرية ، وعليه تحققت عملية شق الحركة القومية الناصرية في العراق ، التي يصعب مجابهتها ... وتحولت الى ظاهرة فريدة من نوعها في الحركة الناصرية تكلم عنها عدد كبير من المناضلين الناصريين العرب ، ومنهم المرحوم عادل الجوجري كما في مقاله "الناصريون والشيعة".
اقول لا يمكن مجابهتها او تجاوزها ... لأنها احرقت حلقات مهمة من سفر الحركة القومية، وتجاوزت على كثير من ثوابتها ... فإن الخطر الخارجي لايحتاج لدليل في الازمة السورية، وضرورة التحالف لصده ومواجهته واجباً من واجبات حركة الثورة العربية وفقاً للمصادر الناصرية .. وان التعمد لمناصرة ادوات التدخل "الجيش الحر، جبهة النصرة، المجلس الوطني ...." وغيرها من المنظمات التي تضم غالبية من المتطرفين الطائفيين كالأخوان المسلمين والوهابيين والسلفيين التكفيريين، لا يمكن الا ان يعتبر تجاوزاُ للخطوط الحمراء.
فلم اجد فيما يساق لإيران في الحملة التي يشترك فيها قوميون ناصريون عراقيون، سوى وازع طائفي في الاغلب او قصر في الفهم او امتداد للنظام السابق وثقافته، ان المشاركة في الحملة ضد ايران خدمة مجانية لأمريكا واسرائيل (حسب مقولة حسنين هيكل)، وخدمة للأنظمة الرجعية العميلة التي حاربت الانظمة الثورية العربية ، والتي ساهمت في احتلال العراق وتدميره ، وفي العدوان على ليبيا وتدميرها .. وسرقة ثورتي تونس ومصر للأخوان المسلمين وتآمرت على ثورة اليمن وتحارب الشعب البحريني .

شكراً ايران :
كنت اتصور ان يكون رد فعل القوميين والثوريين والوحدويين العرب، على سياق موقف الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي، فرغم الخلافات مع الشيوعيين، فقد كان موقفه مع الاتحاد السوفيتي ... موقف الصديق المتحالف الشاكر لهم عن مواقفهم، حيث كان يدرك عبدالناصر ان امريكا عدوة العرب ، وان عدوها صديق للعرب وصديقها عدو للعرب، وعلى هذه الاساس فإن الحكام حلفاء امريكا هم الاكثر خطورة على الامة من امريكا و "اسرائيل" وفق مقولته الخالدة "عملاء الاستعمار اكثر خطراً من الاستعمار نفسه" ، لقد كان يجب ان نرفع شعار الشكر لإيران وهي تقدم العون للمقاومة الفلسطينية ، ونقدم لها الشكر وهي تقدم العون للمقاومة العراقية وتقدم العون للمقاومة اللبنانية ، ونقدم لها الشكر لأنها تقف بالمرصاد لكل التحركات الامريكية في الخليج الفارسي، نقولها شكراً على مواقفها ومواقف روسيا والصين في مواقفهم ضد المؤامرة التي تريد الشر بسورية .. ان نقول لها شكراً على محاولات التصدي للتفرقة الطائفية ولموقفها في تقريب المذاهب ، نقول لها شكراً في مواجهتها الانظمة الرجعية الحليفة لأمريكا و"اسرائيل" ... فإن عكس هذا الموقف، موقف القبول بالنهج التآمري للصهيونية العربية لأنظمة المشايخ في الجزيرة والخليج الفارسي، ومن يكون قد قبل فيه واعلن عدوانه للجمهورية الاسلامية الايرانية ، يكون قد اعلن طلاقه النهائي البائن من حلف الفضول، حلف الوطنية والقومية والانسانية وانحدر الى هاوية الخديعة ... فإن كان يدري فتلك مصيبة وان كان لا يدري فالمصيبة اعظم.
يبقى علينا اخيراً ان لا ننكر وجود بعض الخلافات في مواضيع معينة بين العرب وإيران.
 
بقلم : حسين الربيعي / بغداد