الرئيس السوري والموقف المبدئي

الرئيس السوري والموقف المبدئي
الإثنين ٠٧ يناير ٢٠١٣ - ٠٥:٤٨ بتوقيت غرينتش

ما من قضية اثارت عاصفة من الخلاف والجدل والسجالات العنيفة في المنطقة، اكثر مما كشفته "الازمة السورية" على مستوى فرز اصدقاء الامة الاسلامية و(محور قوى المقاومة والممانعة)، عن اعدائها والحاقدين عليها في (التحالف الغربي ــ الصهيوني ــ الخليجي).

فقد ابرزت هذه الازمة الى السطح حدة التجاذبات والتوجهات المتنافرة بين هذين المعسكرين اللذين شاءت الاحداث والتحولات المعاصرة، ان تكون (سوريا) مسبارا لمعرفة حقيقتهما وتسليط الضوء على معرفة دوافع وادوات وعقيدة كل منهما في مضمار التعامل مع الاوضاع المتفاقمة هناك سلبا او ايجابا.
وكما هو معلوم فان سوريا ليست كغيرها من دول المنطقة والعالم، لانها كانت النموذج الاروع للامان والاستقرار والتعايش والوئام فضلا عن انها مصدر معطاء للاشعاع الفكري والثقافي والثوری، وقبل هذا وذاك هي انها الجبهة الامامية لمحور المقاومة بوجه المشروع الغربي الصهيوني.
وامام هذه المفاضلة والتميز تری ما الذي يمكن قوله في تقييم المناصرين لسورية والمعادين لها، وذلك بعدما أفصحت تطورات العامين الماضيين عن طریقة تفکیر الاصدقاء والاعداء، وعن المخطط الاستكباري الذي يتوخى نحر هذا الموقع العربي المناضل من الوريد الى الوريد، ومن ثم تقطيع اوصاله وتحويله الى مقاطعات لعصابات ارهابية اجرامية تكفيرية يعتبر القتل في قاموسها اهون من (جناح بعوضة).
بالامس القى الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد خطابا تاريخيا ـ بكل معنى الكلمة ــ حدد فيه معالم الحملة الدولية والاقليمية الشعواء على بلاده وشعبه، واستهدافاتها التدمیریة على صعيد اغراق سوريا بالارهابيين والتكفیريين والمتطرفين، ابتغاء مسخ هويتها التسامحية والتعايشية والاخلاقية، وتكريس لغة الرصاص والعبوات الناسفة و"المركبات والاجساد" المفخخة فيها...التجربة الكارثية التي اكتوى المسلمون والعرب والبشرية جمعاء بنيرانها وما يزالون في دول مثل العراق وافغانستان وباكستان والجزائر ومناطق اخرى من العالم.
والحق ان الرئيس الاسد قدم صورة واقعية عن تداعيات الازمة على سوريا ونسيجها الوطني والسياسي والاجتماعي بتاكيده على (ان البلاد امام حالة حرب حقيقية) محملا (الغرب وبعض الاطراف الاقليمية مسؤولية نسف السلام والاستقرار والامن والطمأنينة) معلنا بصراحة عن محاولات هذا التحالف المعادي (تقسيم سوريا واضعافها .. وتصدير الارهابيين والتكفيريين اليها للتخلص من عدوين في آن واحد(.
  لقد الزم الرئيس بشار الاسد في خطابه اعداء بلاده الخارجيين والاقليميين، الحجة البالغة عندما اكد على ان (من يريد مساعدة سوريا فان عليه منع دخول السلاح والمسلحين اليها)، موضحا (ان الصراع ليس بين فريقين على السلطة بل هو بين سورية واعدائها).
الاعتقاد السائد هو ان (المؤامرة الصهيو غربية ــ السعودية ــ القطرية ــ التركية)، لا تقيم إلا ولاذمة للارواح البريئة التي تزهق بفعل احداثيات حلف الناتو ومطامع الرأسمالیة الغربیة ، والدليل على ذلك هو تجاهلها المقيت لخطاب العقل والمنطق الذي اطلقه السيد بشار الاسد (یوم الاحد 6-1-2013) فی قاعة قصر الموتمرات بدمشق، من اجل الحوار والتفاهم بشأن (صياغة ميثاق وطني يفضي الى تشكيل حكومة جديدة تضم جميع الوان الطيف السياسي السوری واجراء استفتاء عام عليه).
  فالاستراتيجية الغربية التي سدت باب الحوار ــ كما قال الاسد- وضعت نصب اعينها هدفا أساسيا هو انزال الانتقام الشامل بسوريا واخراجها من المعادلة الدولية، وازاء ذلك فانه من غير الوارد ان تجنح هذه "الاستراتيجية الشيطانية" لايجاد تسوية سلمية للازمة، بل على العكس فان التقديرات تشير في مجملها الى ان الاضطرابات المتأججة هناك  ربما ستتفاقم اكثر من ذي قبل.
من هنا يتأكد لنا وللعالم كله ان اصرار الرئيس الاسد على مكافحة الارهاب حتى النهاية، لا يعتبر شعورا مزاجيا تمليه نوازع "حب السلطة" كما يروج البعض، بل هوموقف مبدئي حقيقي توافقه عليه ايران وروسيا والصين وجميع القوى المناضلة في اصقاع الارض، والسبب الرئيسی لذلك هو ان الغرب المتصهين واعوانه في المنطقة يسخرون الجماعات المتطرفة المنحرفة عقائدیا وفکریا  لتقسيم بلدان الشرق الاوسط بلدا تلو الاخر، وبهذا يصدق القول ان "الارهاب التكفيري" قد تحول الى معول لهدم الدين والقيم السمحاء والتعايش الحضاري بين المذاهب والاديان من جهة ، کما انه بات یستخدم ک "فزاعة" من اجل ابتزاز المواقع الصامدة والمقاومة الاخرى في العالم الاسلامي من جهة اخرى.
المؤكد ان  "الاستراتيجية الاستكبارية" الراهنة تصب  فی صالح تقویة العدو الاسرائیلی الغاصب لفلسطین والقدس الشریف والجولان وسیناء مصر واغوارالاردن وبعض مناطق جنوب لبنان ، مثلما تسعی الی رفع المعنویات المنهارة لزعماء تل ابيب والمستوطنین الصهاینة ، بید ان نجاحها سيبقى رهنا للحسابات المادية البحتة فحسب ، باعتبارها لاتأخذ بنظر الاعتبارسلسلة التطورات والمفاجآت وردود الافعال الماحقة التي یفترض ان تحملها الايام القادمة علی مستوی المنطقة والعالم ، سيما وان (الامة الاسلامية وقوى محور المقاومة والممانعة) وضعت هي الاخرى خريطة مضادة شاملة فی سبیل تقويض هذه المؤامرة الدولية  باتجاهين هما : حماية سوريا من التكالب المسعور عليها، وترشيد الصحوة الاسلامية العالمیة الكبرى وتنقيتها من المظاهر الشاذة کالتکفیر والتعصب والارهاب، واستبدالها بالمعاییر الاخلاقیة الحمیدة والسجایا الانسانیة النبیلة.
*حمید حلمی زادة