من موقع قوة وثوابت ويقطع الطريق أمام تأويل المبادرات،

الأسد يطرح مبادرة للحل السياسي

الأسد يطرح مبادرة للحل السياسي
الإثنين ٠٧ يناير ٢٠١٣ - ٠٨:٥٨ بتوقيت غرينتش

يعتقد أن خطاب الرئيس السوري هو الخطاب الأنجح والأنضج من بين جميع الخطابات التي خطبها بعد اندلاع الأزمة السورية. واشتمل الخطاب على مجموعة كبيرة من الرسائل منها ما هو موجه للداخل ومنها ما هو موجه للخارج.

وتميز الخطاب بالإعداد الجيد له ودراسته جيدا وبعدم الخروج عنه إلا في حالات يسيرة كما تميز الخطاب من الناحية المضمونية بإشارة إلى الأراضي السورية المحتلة والتي سبقتها تسريبات بأن المراد منها هو لواء اسكندرون الذي تحتله تركية وكان محل خلاف بين البلدين إلى أن تم تجميد الحديث عنه في أواخر عهد الرئيس الاسد وفي فترة الانفتاح على الحكومة التركية في عهد حزب العدالة والتنمية الاردوغاني دون أن يتنازل النظام السوري عنه.

وتميز الخطاب بالتأكيد على المواقف الرسمية للنظام السوري وخطاب ورؤية النظام للأحداث التي تمر بها سورية. وجاء الحديث خلافا لجميع التوقعات بأن يكون خطابا ضعيفا منهزما تحت وطأة ضربات المسلحين الذين وصلوا إلى مناطق واسعة في أطراف العاصمة دمشق حيث معقل النظام ورموزه ومنهم الأسد شخصيا. كما جاء الخطاب محكما ورصينا ومحافظا على الثوابت الوطنية والعربية والإسلامية عندما أشار إلى القضية الفلسطينية وأنها البوصلة والقضية الأساسية للنظام السوري كما أنها السبب الأساسي في كل الهجمة الشرسة التي تشن ضده. وأكد رأس النظام مرة أخرى على دعم المقاومة في وجه الكيان الإسرائيلي الذي يحتل أراض عربية ومنها سورية وتحديدا الجولان المحتل.

ولم ينس الأسد أن يؤسس مبادرته على أرضية صلبة وقوية تستند إلى الدعم الروسي والصيني والإيراني ودعم دول البريكس كما لم ينس توجيه التحية لهذه البلدان التي دعمت الموقف السوري طيلة الأزمة المستمرة منذ نحو العامين.

كما لفت الأسد إلى أن الأزمة طالت جميع السوريين ومنهم الرئيس نفسه الذين قدموا التضحيات والشهداء والعذابات والآلام وخص الجيش السوري بالتحية والإجلال لدوره في حماية البلاد في وجه المؤامرات التي تستهدفها.

وكان لافتا الإشادة بالتضحيات التي يقدمها الشعب في أقصى نقاط سورية كما في رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة.

كما نوه بالجهود التي أطلق عليها اسم الحل الاجتماعي التي يقوم بها أشخاص ينتمون إلى الوطن للمصالحة بين النظام وشرائح الشعب في بعض الأماكن المتوترة كما في درعا على الرغم من أن هؤلاء لا ينتمون إلى تيار سياسي محدد سوى الانتماء إلى سورية.

وكان حاضرا بشكل قوي أن الخطاب لم يكن متلفزا أو مسجلا بل حيا في قاعة ضخمة هي دار الاوبرا السورية التي غصت بالحضور الذين رددوا شعارات تمجد بثلاثية تجمع بين الله وسورية والاسد وتحيي الجيش السوري.

كما هزء الخطاب مما سمي في الإعلام الغربي ربيعا عربيا معتبرا أن فقاعته الفارغة اندثرت على مشارف سورية كما أن الربيع هو ربيع الجهات التي نظرت له وليس ربيعا بالنسبة للسوريين أو العرب.

وخلا الخطاب من التركيز على دور الإعلام والتحريض الذي تقوم به دول عربية وأسطول ضخم من الفضائيات العربية المدعومة أساسا من قطر والسعودية والغرب.

في القسم الأول من الخطاب أكد الرئيس مرة أخرى رؤيته للأمور في سورية ولم يتراجع عن الرؤية الرسمية للأمور رغم كل الضغوط الهائلة سياسيا وعسكريا واجتماعيا واقتصاديا فقد اصر الأسد في كلمته على تسمية الاشياء بأسمائها فالمعركة بين سورية والارهاب وليست القصة ربيع وإن كان ولا بد فهو فقاعة كاذبة وهي ربيعا لأولئك الذين اخترعوها. وأشار الأسد إلى أن هناك قوى اقليمية تسعي لتقسيم سورية لتحقيق أطماعها وهذه القوى تتمثل بقوتين رئيستين إحداهما هي العدو الحقيقي والبوصلة الحقيقية بالنسبة للأسد وحكومته والأخرى هي الجارة الشمالية التركية التي تطمع في تحقيق المزيد على حساب سورية وكان تقسيم الرئيس لافتا عندما تحدث عن دول عدوة بنيت على الاحتلال والعدوان وهي اسرائيل وأخرى دول جارة جارت على سورية لتهيمن عليها هي تركيا. والرئيس الأسد المدعوم بروسيا والصين ودول البريكس ترفض التدخل في شؤون الدول انطلاقا من مصالحها ومبادئها ولها كل الشكر ومن بينها إيران.
 
وفي حديثه الموجه لما يحكى عن توافقات دولية بين روسية وامريكا تحدث عن رؤيته للحل موجها حديثه للداخل والاقليم والموقف الدولي. أما الداخل فيجب أن يعرف أن الخلاف بين معارضة والموالاة إذا صح التعبير فيفترض أن يكون حول البناء وهو ما يجب أن يكون علاقة بين الداخل والداخل في إطار المصالح الوطنية الحقيقية بعيدا عن أي تدخل سياسي خارجي... ثم وضح الرئيس اللبس الحاصل في التفريق بين المعارضة الداخلية والخارجية بقوله إن المفهوم قائم على أساس الولاء وليس على أساس الجغرافية وبناء عليه فإن بعض المعارضة في الداخل تحسب خارجية بسبب ولاءاتها المحركة لها خارجيا كما أن بعض المعارضة الخارجية يمكن أن تكون داخلية لأنها لا ترضخ للخارج وتحريكاته طالما أن المقياس والمعيار هو الولاء للوطن أو الخارج ولذلك عندما يكون جزء من الداخل مسيرا ومرتبطا بالخارج فهو خارجي حتى وإن حمل الجنسية السورية وعندها يصبح الموضوع الحقيقي هو صراع بين الداخل والخارج أو بين الحرية والسيادة من جهة وبين الأطماع والاستعمار المعادي من جهة أخرى سواء كان الموضوع هو سياسة أم ميدان وهنا تتحول القضية في سورية مع الأسد ونظامه الى قضية دفاع عن الوطن ومقوماته وسيادته ووحدته ومجتمعه في مقابل من يريد إخضاعه وسلبه قراره وسيادته وإعادة استعماره.
 
وشدد الأسد هنا أن النظام امام حرب بكل معنى الكلمة وأنه وهو ونظامه يصد عدوانا خارجيا شرسا وهو اشد فتكا واكثر خطرا من أي عدوان أخرى لأنه جاء باسم المعارضة والإصلاحات والمطالب المشروعة للشعب... وأكد أن الهجمة الشرسة التي تدار وتدعم وتمول وتسلح من الخارج تستهدف سورية ودورها التاريخي والسياسي والحضاري عبر حفنة من المأجورين سياسيين كانوا أم مرتزقة وعبر كثير من الأشخاص الذين غرر بهم من قبل هؤلاء وتم خداعهم تحت عناوين براقة... وفي مثل هذه الحالة يرى الأسد أن الحرب تواجه بالدفاع عن الوطن وليس بالتخلي عنه وتركه لقمة سائغة أمام الانتهازيين والفاسدين. ولم يفت الرئيس الأسد أن ينبه إلى أن الاصلاح في سورية ضروري والحديث عن مخاطر المرتزقة والارهابيين والمتربصين الخارجيين لا يعني إلغاء الإصلاح من قاموس الأسد ونظامه.
 
ولكن في نفس الوقت أكد الأسد أن الاصلاح عامل مؤثر في الحل ولكنه ليس حلا لكل المشكلة التي تعاني منها سورية مشددا على أن الاصلاح لا يمكن أن يكتب له النجاح دون إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد لتتمكن الحكومة من القيام بمهمة الإصلاح... ورفض الأسد الاتهامات الموجهة إليه وإلى نظامه بأنه لجأ إلى الحل الأمني في معالجة الأزمة بديلا عن الحل السياسي وهو ما تناور عليه أطراف خارجية من المعارضة كثيرا قائلا إن من يتهم سورية باللجوء إلى الحل الامني لا يسمع ولا يرى الحقائق على الأرض كما هي فالحقيقة من وجهة نظر الأسد أن سورية تدافع عن نفسها وهي تقوم بهذا الواجب ليس تبرعا أو تطوعا أو اجتهادا أو استحسانا بل هي تقوم بواجب الدفاع عن الوطن من منطلق واجباتها الدستورية والقانونية والوطنية وواجب الدفاع عن الوطن ليس محلا للنقاش مطلقا عند أي جهة مهما كانت صديقة أو عدوة وهو من المواضيع التي أجمعت عليها الأنظمة السياسية والمواثيق العالمية وهو خيار وحيد كما يراه الأسد أمام الحكومة بحكم الدستور والقانون وهو واجب بجميع المعاني السياسية والقانونية والأخلاقية وشدد الأسد على أن الحل السياسي للأزمة التي تعصف بسورية لا يعني ان لا يدافع النظام السوري عن نفسه أمام الاستهداف المعقد والمركب الذي يواجهه داخليا وخارجيا إقليميا وعالميا.
 
واعتبر الأسد أن النظام السوري ليس لديه خيار آخر سوى الحل السياسي ولكن المشكلة هي غياب الشريك المؤمن بالحل السياسي والمصالح الوطنية العليا بعيدا عن الخارج ومصالحه وأجنداته. وأكد الأسد أن نظامه اختار الحل السياسي من اليوم الاول للأزمة ورفض أن يكون النظام قد اختار الحل الامني وقال لقد تبنينا الحل السياسي من اليوم الاول ومددنا ايدينا إلى الشريك ولكن لا شريك في هذا الحراك ولا قيادة معروفة وأصيلة له وكل الموجود على أرض الواقع هم اصحاب فكر متطرف يؤمنون بالدم والارهاب وعصابات تتبع للخارج وتأتمر بأمره أو أنهم في أحسن الأحوال عبارة عن دمى يحركها الخارج كما يشاء. وعندما تقضي الضرورة بمحاورة مثل هذه المعارضة الدمى فالأولى هو محاورة الاصيل أي الطرف الذي شكلها وليس هذه الدمى لأنها لا تملك خيار نفسها وهي خاضعة للطرف المشكل والممول والموجه وليس عندها القدرة على اتخاذ أي شيء خارجه. وأما المجتمع الدولي الغربي الذي يدعم هؤلاء فهو الغرب نفسه الذي هو سليل الاستعمار والذي سد باب الحوار مع النظام لانه اعتاد اعطاء الاوامر للامعات وأن يطيعه هؤلاء وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يعطي الأوامر للنظام السوري الذي يحافظ على استقلاليته في وجه الغرب ويتصرف فقط على أساس ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا وليس أجندات تلك الدول. وأكد الأسد أن النظام مستعد لمحاورة جميع من عارض النظام بالسياسة والمواقف فقط دون ان يتورط ببيع الوطن للغريب مستدركا أن الحوار أيضا يمكن أن يشمل أولئك الذين ألقوا السلاح. وبعد هذه المقدمة المطولة نسبيا تحدث الأسد عن أفكار أو مبادرة أو رؤية للحل في سورية والتي تعتمد على عدة مراحل وتتمثل بما يلي في المرحلة الأولى:
التزام بوقف تمويل وتسليح وايواء المسلحين.
وقف العمليات العسكرية مع احتفاظ السلطة بحق الرد حال اي اعتداء من قبل السلحين.
ايجاد الية للتاكد من التزام الجميع بالبند السابق أي وقف العمليات العسكرية.
تبدا الحكومة باجراء اتصالات مكثفة مع الفعاليات السورية افرادا وجماعات سياسية لعقد مؤتمر للحوار الوطني لتحديد معايير وسمات المرحلة التالية.
وفي المرحلة الثانية تدعو الحكومة القائمة الى مؤتمر حوار شامل وصولا للتوافق على ميثاق وطني يتمسك بالسيادة ورفض العنف باشكاله ويرسم المستقبل السياسي ويطرح مشروع النظام السياسي والقضائي وقوانين جديدة للاحزاب والانتخابات والادارة المحلية. ثم تعرض الميثاق الوطني على الاستفتاء الشعبي ويتم تشكيل حكومة موسعة على أساسه وربط الأسد أي خطوة أساسية كالدستور بطرحها على الاستفتاء الشعبي معتبرا أن الاستفتاء الشعبي هو ضمانة التوافق الشعبي والمصلحة الوطنية العليا لسورية.

وبعد أن تتبنى الحكومة الموسعة الدستور والقوانين الجديدة يتم الدخول في المرحلة الثالثة ويتم تشكيل حكومة جديدة وعقد مؤتمر للمصالحة كما يتم إصدار عفو عام مع الاحتفاظ بالحقوق المدنية وتاهيل البنى التحتية واعادة الاعمار ووعد الرئيس الأسد بقيام الحكومة الحالية بتقديم مبادرة تفصيلة تستند إلى الأفكار التي طرحها اليوم ولم ينس الأسد أن يطمئن الجميع إلى أنه لا تخوف من العودة إلى الوراء في سورية كما طمأن بنفس المقدار الجميع إلى أن مكافحة الارهاب مستمرة طالما بقي ارهابي واحد على الأراضي السورية وأن لا تهاون في مكافحة الإرهاب حتى تنجح الرؤية التي طرحها. وفي خطوة لقطع الطريق على الحرب النفسية التي سيشنها الخارج والمعارضة التي يرعاها أكد الرئيس الأسد أن الرؤية أو الافكار أو المبادرة التي طرحها موجهة فقط وحصريا لمن يريد الحوار ويريد حلا سياسيا مستقبليا في سورية وأنها لا تخاطب أصلا أولئك الذين اعتادوا رفض مبادرات النظام باستمرار أيا كانت نزولا عند أوامر الغرب وأجنداته.
وفي خطاب موجه إلى أصحاب المبادرات من المجتمع الدولي أكد الأسد أن اي مبادرة تطرح مهما كانت نواياها حسنة يجب ان تستند الى الرؤية السورية وأن تكون رؤية مساعدة للمبادرة السورية ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تحل محلها أو تكون بديلا عنها. ولفت أيضا إلى أن سورية ليست بحاجة إلى مبادرات سياسية لأن بلدا عمره عدة آلاف من السنين قادر على أن يجد حلا سياسيا لمشاكله ولكن سورية تحتاج إلى مساعدة صادقة وناجحة لوقف ادخال المسلحين والسلاح والتمويل وهذه رسالة من المهم للمجتمع الدولي أن يعيها جيدا إذا ما أراد حلا للأوضاع في سورية. كما رفض الأسد مسبقا لأي تأويلات وتفسيرات لما يتم الاتفاق عليه مستقبلا أو لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر جنيف حيث أن تأييد مبادرة ما من أجل الحل لا يعني القبول بتأويلاتها وتفسيراتها خصوصا على ضوء تلاعب الغرب بتأويل القرارات الدولية وأوضح الأسد أن التأويل المقبول سوريا للبند الذي يتحدث عن مرحلة انتقالية في مبادرة جنيف هو الانتقال من مرحلة اللاستقرار الى مرحلة الاستقرار.
 
*د. رياض الأخرس