الأزمة السورية غطاء لرسم خريطة جديدة للمنطقة

الأزمة السورية غطاء لرسم خريطة جديدة للمنطقة
الإثنين ٠٧ يناير ٢٠١٣ - ٠٦:٢٩ بتوقيت غرينتش

تتباكى الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربيّة الحليفة لها على ما تُسمّيه مظلوميّة الشعب السوري الذي يقتله نظامه- على حدّ ادعاءاتها- وتشير إلى الدمار الشامل الذي لحق بقرى وبلدات سورية بعينها متناسيةً، أو متجاهلةً أنها هي السبب في ذلك، وأنها هي التي خطَّطت لهذا الأمر ورعتْه بالتعاون مع دول إقليمية مثل تركيا، ومع دول عربية معروفة، في مقدمتها السعودية وقطر، ولاسيما قطر التي وقَّعتْ مؤخراً على اتفاقٍ خطرٍ مع الولايات المتحدة يُنصُّ في عدة بنودٍ من بنوده على دور أساسي تقوم به قطر في مجال خلق بؤر تطرّفٍ في عدة دول عربية والقيام بدعمها مالياً وعسكرياً وإعلامياً، لتحقيق أجندةٍ أميركية في المنطقة، وبمعنى أوضح أن قطر تلعب دور «المقاول» في المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين وهو دور مشبوه وهزيل.

ولكن من الملاحظ أنَّ قوى التآمر على سورية تعمل على تغيير خريطة سورية والمنطقة بأسرها، على أساس تقسيم الموارد الكامنة من الغاز الطبيعي في بلدان المشرق العربي وشرق المتوسط بالدرجة الأولى.
خلفيات سايكس بيكو وترتيباتها
وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، وبالتحديد إلى عام 1916، نجد أن القوى الدولية العظمى التي كانت تتنافس في مطلع القرن العشرين (أي إنكلترا وفرنسا) لم تكن إطلاقاً متعاطفةً مع شعوب المشرق في مساعيها للتخلّص من نير الاستعمار التركي (الرجل المريض)، ولاسيما بعد بروز حزب (الاتحاد والترقي) وسياسة التتريك التي اتبعها، وما أدت إليه من مظالم لحقت بأهل المنطقة بل كانت تركز قبل كل شيء على مصالحها في السيطرة على ثروات تلك المنطقة من النفط، ومن ثم، شكلت هذه المظالم غطاءً للقوى الكبرى في مساعيها لإعادة ترسيم الحدود وفقاً لمصالحها، وهكذا قسمت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 المشرق العربي جغرافياً بين الاستعمارين الغريمين المتنافسين آنذاك البريطاني والفرنسي.
لقد رسمت الاتفاقية حدوداً جديدة تضم مناطق جغرافية محددة، ثم اكتشف الباحثون فيما بعد أن الأساس الموضوعي لتقسيمات سايكس بيكو تمثل قبل كل شيء بثروات المنطقة النفطية، وبطبيعة الحال حازت بريطانيا حصة الأسد في جغرافية المنطقة الجديدة آنذاك، فقد ألحق لواء الموصل بالعراق، والقامشلي والبوكمال بسورية، على حين انضمت المدن الساحلية صور وصيدا وبيروت وطرابلس إلى جبل لبنان، لتظهر دولة لبنان بحدودها الحالية في عشرينيات القرن الماضي.
أما العراق، فقد تفننت موظفة الاستخبارات البريطانية (الآنسة دارسي) في رسم خرائطه، بأنهاره، وضفافه، وحدوده، مع جارتيه تركيا وإيران، وتخومه الداخلية مع الشمال والجنوب، فقد ظهر قوياً بإمكاناته النفطية، ولم تنس الآنسة (دارسي) أن تكبح مدخل العراق على الخليج "الفارسي" بالكويت الغنية بالنفط هي الأخرى فجاء العراق من البداية عملاقاً برياً وقزماً بحرياً، وحكم على لبنان من وقتها بالتوازن بين الجبل والساحل، والشمال والجنوب، بمعنى أن لبنان كان نتاجاً لسايكس بيكو ومن صلب ترتيباتها.
بدورها، ظهرت سورية في ذلك الظرف التاريخي نفسه مجسدة أيضاً لكل تناقضات سايكس بيكو، حيث ضمت داخل حدودها عرقيات وطوائف متعددة وفق مخطط مدروس، إلا أن هذه الطوائف والعرقيات تعايشت بينها بوئام وتعاون، وتحابب عشرات السنين.
إذاً، تركت خرائط سايكس بيكو أثرها الكبير في سياسة وديمغرافية المشرق العربي.
غاز شرق المتوسط والتوازنات
إن اللحظة الراهنة في المشرق العربي تشبه عام 1915 أي قبل اتفاقية سايكس بيكو بعام واحد، ولا يمكن لأي محلل سياسي أن يتجاهل ارتباط محاولات إذكاء النزاعات الطائفية في سورية والدول المجاورة لها (العراق- لبنان)، والحرب الإقليمية والدولية المحتدمة على أراضيها، واكتشافات الغاز في شرق المتوسط، مع المصالح الدولية..!
إن ما تغير هو حلول الولايات المتحدة الأميركية محل بريطانيا وفرنسا، أي إنها تحاول فرض هيمنتها على المنطقة، وإبعاد كل القوى الكبرى الأخرى عنها.
إن الولايات المتحدة التي تعمل جاهدة للمحافظة على انفرادها بقيادة العالم، ومنع أي منافس لها من الظهور على المسرح الدولي، تحرص على التصدي للصين كطرف دولي منافس لها، ذلك أن اليابان التي عول عليها الكثيرون بأن تكون القطب الدولي المنافس لواشنطن قد خرجت فعلياً من دائرة التنافس مع أميركا قبل عقد ونصف العقد. أما الاتحاد الأوروبي، فهو يصارع للبقاء، ولن يتمكن – حسب مؤشرات الاقتصاد والدفاع- على المدى المنظور من مزاحمة واشنطن على موقع القطب العالمي الأوحد. ولا تزال روسيا تفتقر إلى القدرة الاقتصادية والتكنولوجية لتصبح منافساً للولايات المتحدة، وإن كانت قد برزت على الصعيد السياسي الدولي مؤخراًً في عدة مواقف حالت دون انفراد واشنطن بالقرار السياسي على مستوى العالم، كما جرى في الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي، حين اتخذت مع الصين الفيتو المشترك لمنع مشروع قرار التدخل العسكري في سورية.
أما واشنطن فتتميز عن بكين بعدة أمور منها: امتلاكها احتياطياً كبيراً من موارد الطاقة داخل حدودها، علاوةً على سيطرتها على أغلبية موارد الطاقة في العالم خارج حدودها، بينما يتحكم في الصين اعتبار مهم، هو حاجتها الدائمة إلى النفط والغاز لرفد صناعاتها التي تصدرها، ذلك أن مشكلة البطالة تشكل التهديد الأول للأمن القومي الصيني، فإذا تعمقت هذه المشكلة وارتفعت نسبتها، لأصبحت الصين أمام خطر الانقسام بين شرق غني وغرب فقير ومتعدد الأعراق، ولتستطيع الصين أن تصدر بوتائر عالية فهي بحاجة إلى تأمين موارد الطاقة اللازمة لذلك.
وحسب مؤشرات القوة في العالم من المتوقع أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة الأميركية خلال عقدين من الزمن، ولذلك فإن ما يجري في المنطقة من أول أهدافه هو منع الصين من تولي هذه المكانة، أو بالأحرى من تجاوز بكين لواشنطن، من خلال منعها من الوصول إلى موارد الطاقة في المنطقة، ومثلما غطت اتفاقية سايكس بيكو مصالحها النفطية بمظالم شعوب المشرق تحت حكم العثمانيين فأخرجت خريطة جديدة للمنطقة تخدم مصالحها النفطية، تبدو في سورية الآن، بمنزلة الغطاء المناسب لخريطة جديدة للمشرق العربي يخدم مصالح أميركا وحلفائها في غاز شرق البحر المتوسط، ولاسيما في سورية ولبنان ودول أخرى معروفة.
فكرة التقسيم
إذاً، تبقى فكرة أو سيناريو تقسيم المشرق العربي قائمةً، ومن ضمنه تقسيم سورية، وهذا ما يفسر تصعيد القتال والأحداث فيها، وحرص الولايات المتحدة وحلفائها على تعطيل أي حوار جدي للتوصل إلى حل سياسي، وذلك من خلال إمداد المعارضة المسلحة بالمال والسلاح عن طريق وكلاء إقليميين وعرب معروفين (تركيا والسعودية وقطر)، وسيمتد هذا التقسيم إلى دول مجاورة، بحيث ينعكس هذا التغيير في جغرافية سورية – لو حصل حسب المخطط الأميركي- على لبنان وعلى العراق، بمعنى أن الأحداث السورية الجارية ستؤثر في لبنان والعراق «الذي تلوح فيه حالياً معالم أزمة داخلية حادة»، وفق المعادلات الداخلية والتركيبة السكانية فيهما، وبعبارة أكثر وضوحاً ودقة، ستتم هيكلة المشرق العربي وفق هيكلية غاز شرقي المتوسط باستنهاض حساسيات طائفية وتباينات جهوية ظلت حاضرة وكامنة طوال العقود الماضية منذ اتفاقية سايكس بيكو حتى هذه الأيام.
إن كل هذا يتطلب العودة إلى دروس الماضي والتعلم منها، لمواجهة مؤامرات الحاضر على العرب، ولكن من المؤسف أنه لا أحد يأخذ بالحسبان هذه الأمور، بل المؤسف أكثر، أن عدة دول عربية ضالعة حتى الثمالة في تنفيذ أجندات أميركا وحلفائها.
*صياح عزام   - الوطن