في ذکری رحيل سيد البرية (ص) وحفيده المجتبی (ع)

في ذکری رحيل سيد البرية (ص) وحفيده المجتبی (ع)
الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣ - ١٠:٣٢ بتوقيت غرينتش

الثامن والعشرون من صفر، يوم حمل في طياته ذکری اليمة علی قلوب المسلمين عامة وعشاق اهل بيت النبوة خاصة، الا وهو ذکری رحيل الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم وذکری استشهاد حفيده وريحانته وحبيبه الامام الحسن المجتبی عليه السلام .

وبهده المناسبة الاليمة، نتناول جزءا من الظروف التي رافقت رحيل الرسول (ص):
فلقد کانت اولی مهمام الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم بعد عودته من حجة الوداع، ان يغزو الروم والذين يهددون دولته من الشمال، فبدأ يجهز جيشا ضخما لغزوهم ضم عليه القوم وشيوخ المهاجرين والانصار وقد عين لقيادته الصحابي الشاب "أسامة ابن زيد بن حارثه" واثناء تجهيز الجيش تعرض الرسول المصطفی (ص) لمرض شديد .
أخذ المرض يشتد علی رسول الله (ص) وفي تلک الساعة العصيبة کان يؤکد باستمرار علی وجوب تسيير جيش "اسامة" وعدم التخلف عنه لکن البعض تخلف عن تنفذ طلب النبي الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم بحجة انهم لايرغبون مفارقة الرسول (ص). 
وفي آخر ساعاته خاطب (ص) من حضر عنده من اصحابه بقوله: ( ائتوني بدواة وکتف، لأکتب إليکم کتابا لاتضلوا بعده أبدا).
وکان في البيت رجال فقال احدهم، إن الرجل ليهجر- قد غله الوجع - وعندکم القرآن حسبنا کتاب الله.
فاختلفوا وکثر اللغط واختصموا، فمنهم من يقول قرَبوا يکتب لکم رسول الله (ص) ومنهم يقول غير ذلك، فلما أکثروا اللغط والاختلاف وغمَ رسول الله وقال: قوموا عني ولاينبغي عندي التنازع .
وکان ابن عباس يعبَر عن أساء لما حدث بقوله: الرزية کل الرزية ماحال بيننا وبين کتاب رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم - صحيح البخاري کتاب العلم .
قد أغمی علی رسول الله (ص) من شدَة المرض وبعد ان أفاق (ص) قال القوم: الا نأتيك بدواة وکتف؟ فرفض الرسول (ص) قائلا: ( أبعد الذي قلتم ؟ ولکني أوصيکم بأهل بيتي خيرا ) - بحار الانوار.
ولما قرب اجله أوصی عليا بجميع وصاياه وفاضت نفسه الطاهرة في حجر علي عليه السلام - مناقب الخوارمي عن عائشة والمحب الطبري في ذخائر العقبی والکنجي والشافعي في کفاية الطالب .
وهکذا خسرت الانسانية أعظم هاد وأجل مرب عرفته الارض والسماء.
ولم يکن حول النبي (ص) في اللحظات الاخيرة إلا علي بن ابي طالب واهل بيته وبنو هاشم ونساؤه ، وقد علم الناس بوفاته (ص) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول (ص) حزنا علی فراق الحبيب ووخفقت القلوب هلعة لرحيل اشرف خلق الله، وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم انه (ص) کان قد مهد لذلك ونعی نفسه الشريفة عدة مرات واوصی الامة بما يلزمها من طاعة وليها وخليفته من بعده، علي بن ابي طالب.
لقد کانت وفاته صدمة عنيفة هرت وجدان المسلمين فهاجت المدينة بسکانها  .
واسرع اصحابه يتسابقون إلی سقيفة بني ساعدة لعقد اجتماعا طارئا فيما يخص الخلافة بعد وفاة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم متناسين نصب علي بن ابي طالب وکذلك بيعتهم إياه بالخلافة في غدير خم، وغير مدرکين ان تصرفهم هذا يعد استخفافا بحرمة رسول الله (ص) وجسده المسجی.
وأما علي بن ابي طالب عليه السلام واهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول الاکرم (ص) ودفنه فقد غسَله (ص) علي من دون ان ينزغ قميصه واعانه علی ذلك العباس بن عبد المطلب والفضل وکان يقول عليه السلام:
بابي انت وامي ما أطيبك حيا وميتا، وکان يسکب الماء علی ذلك الجثمان المطهر وهکذا يناجيه:
بأبي أنت و أمي يا رسول الله لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة و الإنباء و أخبار السماء خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك وعممت حتى صار الناس فيك سواء و لو لا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤن و لكان الداء مماطلًا و الكمد محالفاً و قلا لك و لكنه ما لا يملك رده ولا يستطاع دفعه بأبي أنت و أمي أذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك."
ثم وضعوا جسد الرسول (ص) علی سرير وقال علي (ع) ان رسول الله (ص) إمامنا حيا وميتا فلدخل عليه فوج بعد فوج فيلصون عليه بغير إمام وينصرفون.
واول من صلی علی النبي (ص) علي واهل بيته وبنو هاشم ثم صلت الانصار من بعدهم - الارشاد .
ووقف علي عليه السلام بحيال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وهو يقول: سلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبرکاته اللهم إنا نشهد أنه قد بلَغ ما انزل اليه ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتی اعز الله دينه ووتمت کلمته اللهم فاجعلنا من يتبع ما انزل الله اليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس آمين حتی صلی عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان - الطبقات الکبری .
وحفر قبر النبي صلی الله عليه وآله وسلم في الحجرة التي توفي (ص) فيها وحين اراد علي (ع) ان ينزله في القبر نادت الانصار من خلف الجدار: ياعلي نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول  الله ان يذهب، أدخل منا رجلا يکون لنا به حظ من مواراة رسول الله (ص) فقال عليه السلام ليدخل أوس بن خولي، وکان بدريا فاضلا من بني عوف.
ونزل علي (ع) إلی القبر فکشف عن وجه رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ووضع خده علی التراب ثم .... .
ولم يحضر دفن النبي الاکرم (ص) والصلاة عليه احد من الصحابة الذين انشغلوا في السقيفة.
فسلام عليك يارسول الله سلاما دائما مع الخالدين .
کما يصادف هذا اليوم ايضا، ذکری يثير الحزن ويهييج اللوعة في نفوس المؤمنين، الا وهو ذكرى استشهاد الامام الحسن بن علي عليهما السلام، فلقد استلم الامام الحسن السلطة بعد ابيه، وقام بأفضل مايمکن القيام به في ذلک الجوَ المشحون بالفتن والمؤمرات فامر الولاة  علی اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضی علی نهج ابيه عليه السلام الذي کان امتدادا لسيرة جده المصطفی (ص).
وبالرغم مما کان يعلمه الامام الحسن عليه السلام من معاوية ونفاقه ودجله وعدائه لرسالة جده وسعيه لاحياء مظاهر الجاهلية ... بالرغم من ذلک کله لقد ابی ان يعلن الحرب الا بعد ان کتب اليه المرة بعد المرة بدعوه الی جمع الکلمة وتوحيد امر المسلمين فلم يبقی له في ذلک عذرا او حجة.
من ناحية اخری اطمأن معاوية الی ان الامور ممهمدة له باعتبار علاقته المتينة مع اکثر قادة الامام الحسن .. من هنا اعد معاوية العدة لمحاربة الامام المجتبی عليه السلام واطمأن بان المعرکة ستکون لصالحة وسيکون الحسن والمخلصون له من جنده بين قتيل واسير ولکن هذا الاستيلاء سوف يفقد الصيغة الشرعية التي کان يحاول ان يتظاهر بها لعامة المسلمين ولذلك حرص معاوية ان لايتورط  في الحرب مع الامام الحسن معتمدا المکر والخداع والتموية وشراء الضمائر- الذي كان بارعا فيه - وتفتيت جيش الامام ولم يکن للإمام بد من اختيار الصلح بعد ان تخاذل عامة جيشه واکثر قادته ولم يبقی معه الا فئة قليلة من اهل بيته والمخلصين من اصحابه، فتغاضی عن السلطة دفعا للافسد بالفاسد في ذلک الجو المحموم فکان اختياره للصلح في منتهی الحکمة والحنکة السياسية الرشيدة تحقيقا لمصالح الاسلام العليا واهدافه المثلی.  
فلقد تعرّض الإمام الحسن السبط (عليه السلام) للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرته الى تجنّب القتال واعتزال السلطة.
ولكنّ الإمام بصلحه المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية ؟ ومن هنا كان الصلح نصرا ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.
ونجحت خطّة الإمام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.
بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط علي (عليه السلام) وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه ، ومارس الإمام (عليه السلام) مسؤولية الحفاظ على سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف على قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، ممّا كلّفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام (عليه السلام) كقوة معبّرة عن عواطف الاُمّة ووعيها المتنامي، ولربّما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان تمهيدل واقعيا لثورة أخيه الامام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).
ولهذا قرّر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطّته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعت بن قيس التي دسّت السم لزوجها الإمام (ع)، واستشهد من جراء ذلك الإمام الحسن (ع).
وکان الامام عليه السلام قد أوصی ان يدفن الی جوار جده رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أن بني أمية، وعلی راسهم مروان بن الحکم منعوا من ذلک وحالوا بين ان يجمع بين رسول الله (ص) وريحانته ووحبيبه بسطه الحسن سيد شباب اهل الجنة فاضطر اهل البيت عليهم السلام لدفنه في البقع .
فسلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي مظلوما: حيَا وميتا!
محمد بسطامي
 

تصنيف :