اللعبة السهلة..

18 مارس .. من الانشقاق الى الاتفاق

18 مارس .. من الانشقاق الى الاتفاق
الأحد ١٧ مارس ٢٠١٣ - ٠٦:٢٠ بتوقيت غرينتش

"اختيار 18 مارس موعدا لبدء عقد مؤتمر الحوار دليل على ان النظام الذي انشطر في ذلك التاريخ عقب مجزرة جمعة الكرامة سيعود للالتحام في نفس التاريخ وهو يعني استمرار محاولات سرقة تاريخ الثورة وروح الثورة وتضحيات شهدائها ..تحديد هذا التاريخ ليس اعتباطيا ولم يكن قرارا فرديا بل تم بعلم وموافقة كافة الاطراف السياسية ..!! "

هكذا كتب الزميل الكاتب و الصحفي أحمد الزرقة في صفحته على الفيس بوك قبل يومين . ولم يكن يبالغ حين اعتبر اختيار ذلك التاريخ أمرا مدروسا بهدف طمس الأثر التاريخي الذي تركه يوم 18 من مارس 2011م أو ما سمي " جمعة الكرامة " في الذاكرة الجمعية وأصبح مرتبطا في الوعي المجتمعي بالحدث الثوري وانكسار النظام وارتباكه وتفككه من جهة وبين ردود فعله الانفعالية التي كان القتل دليلا عليها وشاهدا على خوف وذعر يقف وراءها .
وبصرف النظر عن الغموض الذي يكتنف القضية والريبة من تحايل شطر النظام الذي اعلن انضمامه للثورة على تلك القضية واصراره على طمس و تغطية كل الآثار ، إلا ان كل الأحداث والنتائج التي خرجت بها تلك الأحداث تقود الى حقيقة لا مفر منها وهي السعي الحثيث لترميم ما حدث بعد جمعة الكرامة من تشطير للنظام وانقسام داخل صفوفه المدنية و العسكرية .
لم أر في حياتي و لم يشهد التاريخ البشري نجاح لعبة سياسية مفضوحة وعارية كنجاح لعبة تلك العصابة التي تحكم اليمن منذ عقود ، في اخماد ثورة الشعب اليمني عليها ، واسقاطها بدلا من أن تسقطهم ، بل واستخدامها شعارا لعودتهم أقوى مما كانوا ، ومبررا لقمع الثورة وإقصاء الصوت الثوري ، وبركة يغتسل فيها عتاولتهم من كل جرائم الماضي ويصبحون محصنين من أي مساءلة أو محاكمة .
أليست هذه هي الحقيقة ..؟!!
لو راجعنا الأحداث والمواقف المتسارعة التي أعقبت جمعة الكرامة بهدوء وبحيادية وبتجرد وبعيدا عن الانفعالات والاعتبارات العاطفية والفئوية والأيديولوجية ، لوجدنا أننا كنا نعيش لعبة هزلية يديرها ويرسم سيناريوهاتها أطراف خارجية ويمثل أدوار البطولة فيها أطراف محلية شريكة ، والبقية يلعبون دور الكومبارس .. أما الجماهير الغفيرة تلعب أكثرها دور المغفل المضحوك عليه الذي يصفق ويحتشد ويصرخ ويهتف .... الخ.
كنا نكتب حينها ونحذر من تلك المؤامرة منذ اليوم الأول ، ولم يكن ذلك اختراعا او شطارة بقدر ماهو قراءة عقلانية ومحايدة ومتجردة بعيون نظيفة لما كان يجري ويحدث وما يمكن أن يؤول اليه الحال ، حيث كانت المؤامرة واضحة وجلية وعارية ، بل إن الذين كانوا يقفون وراءها ويديرونها كانوا واثقين بأنها هذا الشعب وهذه التركيبة الاجتماعية لا تحتاج الى خطة معقدة وملتوية لكي يسقطوا الثورة ويقتلوها قبل أن تحقق شيئا يمكن ان يكون خطرا عليهم.
كانت الخطوات العملية لتلك المؤامرة شفافة وتدل على ماهية النتيجة واتجاه الأحداث كان يفصح عن الوجهة التي ستنتهي اليها ، ابتداء من تنفيذ مجرزة جمعة الكرامة التي كان الغرض منها خلق مبرر قوي لانشقاق صف النظام العسكري والمدني وسيطرته على تحرك الثورة والتحكم في مسارها وتقييدها . ثم حرب الحصبة والحرب التي أحبطت فكرة التأييد للثورة وأعاقت انتشار الوعي الثوري بين الناس ، الى عسكرة الثورة في تعز وصنعاء ، وفتح جبهات قتال ضد الحوثيين في صعدة ومحاولة إبعادهم عن الثورة وإخراجهم من العمل الثوري والاصرار على اعادة الصورة التي كان يقدمها النظام عنهم عبر جرهم الى مربع العنف من جهة وإثارة النعرات الطائفية والخطاب التخويني بين صفوف الثورة لتفكيك الموقف الثوري الذي بدأ موحدا في البداية ، الأمر الذي دمر ما أحدثته الأسابيع الأولى في الوعي المجتمعي من نقاء ووطنية ووحدة وتكاتف ، ومرورا بكل محاولات التأزيم عبر قطع الخدمات الماء الكهرباء النفط الطرقات الحصار الاقتصادي للمواطن ، ثم ظهور فكرة المبادرة كمنقذ للشعب ، و محاولة ازاحة صالح عبر حادثة الرئاسة ، ثم هدوء الفعل الثوري حتى شفاء صالح وعودته ، ومن ثم توقيع المبادرة كمحطة جديدة في رحلة ارهاق الشعب و قتل ثورته .
لم تكن المبادرة الخليجية سوى اتفاقية لعودة شطري النظام الحاكم في اليمن الى الحكم كل شطر بتحالفاته و أدواته ، وبالطبع كان لتلك الاتفاقية شروط أهمها ازاحة صالح وتحصينه وتحصين جميع رجالات النظام ، وفتح صفحة جديدة بين طرفين كانا يتقاسمان الحكم والقوة العسكرية والنفوذ والثروة السيادية " النفط " بشكل غير معلن طوال عقود ، لتصبح الثورة هي الذريعة والمبرر لتكون هناك مبادرة او اتفاقية تعلن تلك التقاسمات وتعطيها شرعية وغطاء دولي وتأييد شعبي للأسف .
لم يكن مقبولا لدى الكثيرين ممن كانوا محسوبين على التيارات الليبرالية واليسارية القول بأن هناك مؤامرة تستهدف الالتفاف على المطالب وإعادة النظام واطرافه المشطرة الى الحكم ، بل كان البعض يصنف هذا القول بأنه كيديا وتقف وراءه اغراض فئوية وحقد طائفي ، وللأسف كان هذا ضمن ما يراهن عليه رعاة المؤامرة الذين يفهمون جيدا ما هي الأشياء التي يمكن استخدامها لخلط الأوراق والتشويش على كل التحذيرات وحملات التوعية الضائعة بين ضجيج الاندفاع الساذج وراء السراب الذي كان ظاهرة الثورة و باطنة العودة الى كيس النظام والوصاية وحضن الزمرة الحاكمة .
منذ توقيع المبادرة و طرفي النظام متفقون على كل تقاسم السلطة والجلوس على طاولة واحدة وآلية حكم واحدة ، ومتفقون على طريقة التعاطي مع الثورة ومفردات الثورة واستحقاقات الثورة وحتى مجرد التسمية حيث اتفقوا على تسميتها ازمة بدلا عن ثورة .
منذ توقيع المبادرة وهم متفقون على آلية واحدة في التعاطي مع تعز والصوت المدني في تعز والثورة في تعز واسكات شباب تعز ومفكري تعز وكبح جماح الحرية القادمة من تعز .
منذ توقيع المبادرة وهم متفقون على آلية التعاطي مع ملف الجنوب وصعدة وقضية الجنوب وصعدة ومظلومية الجنوب وصعدة ونتائج الحروب الظالمة على الجنوب وصعدة ، ومصرون على تجاهلها وتشويه مطالبها وتكريس النظرة السابقة والعقلية السابقة والخطاب السابق الذي كان قبل 11 من فبراير 2011م .
منذ توقيع المبادرة وهم يتقاربون أكثر واكثر ويتقاسمون اكثر وأكثر ويكرسون انفسهم اكثر و اكثر ويعيديون انتاج انفسهم اكثر فأكثر ويثبتون قوتهم ونفوذهم في السلطة والجيش اكثر فأكثر .
منذ توقيع المبادرة وهم متفقون على رئيس توافقي وحكومة توافقية والعمل بمجلس نواب منتهي الصلاحية وقوانين فاسدة ويحكمون مناصفة بوزراء وأسماء فاسدة ومجربة ويديرون البلد بالتوافق بالأدوات نفسها التي كانوا يستخدمونها في الماضي .
منذ توقيع المبادرة و هم متفقون على رهن البلد والقرار والسيادة للوصاية الأجنبية والتبرير لذلك والارتماء في احضان الخارج أكثر من السابق وفتح البر والجو والبحر للسلاح الأمريكي ليصول ويجول و يقتل وينشئ المعسكرات ويوجه القرار ... الخ .
ألا يكفي هذا لنعرف النتيجة التي أوصلتنا اليها تلك اللعبة السهلة التي بدأت يوم 18 من مارس 2011م يوم جمعة الكرامة والتي ستنتهي يوم  18 من مارس 2013م ، وهي عودة شطري النظام الى التوافق والحكم والسيطرة على السلطة والثروة من جديد تحت شعارات جديدة أهمها للأسف الثورة .
ها نحن اليوم باختصار شديد نشاهد الأمور بكل جلاء و كما ارادوا  لها ان تكون ، هاهم يطمسون  كل الآثار التي تركتها جريمة جمعة الكرامة و بكل بجاحة و صلف و ثقة يتركونها تموت في الذاكرة و تدفن في أقبية النسيان و التجاهل و المغالطة و التعتيم الإعلامي على اي فعالية تذكر بها او تسأل عنها . و هاهم اليوم يصرون على تغطيتها و حذفها من التاريخ واستبدال ذكراها يوم 18 من مارس بإعلان انطلاق الحوار في نفس اليوم ليكون ذلك اليوم يوما وطنيا يطغى على الحدث الثوري تماما و ينقل ذلك اليوم من دلالته المثيرة و المؤلمة الى دلالة جديدة هي الوفاق و الحوار و التصالح و التسامح و فتح صفحة جديدة .
كما أتمنى من كل قلبي ان ينجح الحوار في إخراج البلد الى طريق سالك ومستقبل مضمون ودولة مدنية وصفحة مشرقة في التاريخ ، أتمنى ايضا ان يعي الناس أنهم لا يزالون ضحية لعبة سهلة وأنهم لا يزالون ينظر اليهم النظام ومن يقف وراءه في الخارج بكونهم قطيعا يسمع و يطيع .

* علي أحمد جاحز