أوروبا إلى ما هو أسوأ يمنح العزاء للأميركيين

أوروبا إلى ما هو أسوأ يمنح العزاء للأميركيين
الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠١٣ - ٠٧:٢٥ بتوقيت غرينتش

تظن أن الولايات المتحدة تعاني موقفاً حرجاً، بعد أن علقت وسط الركود الاقتصادي وحالة من الجمود السياسي؟ عليك، إذن، أن تلتفت قليلاً إلى أوروبا، حيث لا يتأرجح الاقتصاد بل يتراجع، شأنه في ذلك شأن السياسة.

لا شك أن الأرقام الأوروبية باتت مألوفة لنا جميعاً اليوم، إلا أنها تبقى مريعة. في الولايات المتحدة، ساهمت رزمة الحوافز، التي أطلقها الرئيس باراك أوباما، رغم كثرة انتقادها، في إنهاء الكساد عام 2009. أما في أوروبا، فلم ينتهِ الكساد في ظل غياب حوافز مماثلة، فقد تخطت البطالة في الدول السبع عشرة التي تتشارك في اليورو نسبة 11%، وتواصل ارتفاعها. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن اقتصادات منطقة اليورو لن تعاود النمو حتى السنة المقبلة، هذا إن تحسنت الأوضاع.

منذ عام 2008، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا بنحو 10% عقب التضخم، كذلك تشير بعض التقارير إلى أن أوروبا الجنوبية تعاني أسوأ تراجع في مستوى المعيشة اختبرته منذ الحرب العالمية الثانية. ومقارنةً بكل هذه الأرقام السلبية، يبدو التعافي الأميركي إيجابياً، مع أن نمونا بنسبة 2% وتراجع معدل بطالتنا إلى 7.6% يشكّلان تقدماً محدوداً وفق المعايير العصرية.

لا تبدو الأوضاع على الأرض أفضل حالاً، سافرت أخيراً إلى ريميني، ذلك المنتجع القديم إنما الفاخر على شواطئ إيطاليا، حيث لا تبدو الحياة الحلوة حلوةً راهناً. فقد شهدت أسعار العقارات تراجعاً كبيراً، ويبدو فندق Grand Hotel المذهل، الذي يعود إلى بداية القرن الماضي والذي استخدمه فيديريكو فيلليني في أفلامه، شبه فارغ. أخبرني مالك هذا الفندق بنبرة فيها بعض الاشمئزاز: "لم نستقبل أخيراً أي سياح أجانب غير الروس".

تُعتبر إسبانيا والبرتغال واليونان أسوأ حالاً، ولا تبدو فرنسا في وضع تُحسد عليه، فقد فوجئ الفرنسيون حين علموا هذه السنة أن الكثير من ألمع مَن تخرجوا في جامعاتهم يفكرون في الهجرة إلى الولايات المتحدة أو أستراليا أو (أسوأ من ذلك) ألمانيا، الاقتصاد الأكثر ازدهاراً في أوروبا اليوم، فدفع هذا الخبر الباريسيين إلى مناظرة حماسية محزنة: هل صاروا اليوم أكثر بؤساً أم كانوا دوماً بائسين إلى هذا الحد؟
وما زاد الطين بلّة بالنسبة إلى الفرنسيين واقع أنهم ليسوا الوحيدين الذين يشعرون على هذا النحو، فيعاني الإيطاليون والإسبان الكآبة بسبب الركود، ويكره البريطانيون تدابير التقشف، في حين يشعر الألمان بالاستياء. فما زال يُطلب منهم دفع ثمن كل هذه المآسي.

نتيجة لذلك، كثرت المشاكل في عالم السياسة الأوروبية، فيشهد كل بلد تقريباً حركات احتجاج (الكثير منها بشع، قومي، ومعادٍ للغرباء) تعبّر عن الكره لبيروقراطيي الاتحاد الأوروبي والمهاجرين، الذين قلما يملكون أوراقاً شرعية ويتقاضون أجوراً متدنية. على سبيل المثال، يجوب مجرمو حركة "الفجر الذهبي"، التي تملك 18 مقعداً في البرلمان، شوارع اليونان، مبرحين العرب والأفارقة ضرباً، وفي إيطاليا، قال سيناتور من "رابطة الشمال" المناهضة للمهاجرين إن طبيباً يتحدر من أصل كونغولي في الحكومة الجديدة يذكّره بإنسان الغاب، أما في بريطانيا، فكان حزب "استقلال المملكة المتحدة" المعادي لأوروبا (لكنه يدّعي أنه غير عنصري) لفترة من الزمن الأكثر نمواً في البلد.
لكن الخبر الجيد أن اليمين المتطرف لم يسيطر على السلطة في أي دولة، حتى في اليونان، إلا أن قوته (وقوة حركات الاحتجاج اليسارية أيضاً) تعكس بوضوح استياء الناخبين من عجز الأحزاب التقليدية عن حلّ المشاكل. يعتبر معظم السياسيين الأوروبيين شعبية أوباما، التي تبلغ 46%، إنجازاً. فقد تراجعت شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى 30% ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى 38%. (تبقى ألمانيا استثناءً كالمعتاد: تتجه أنجيلا ميركل، التي يعرب لها الناخبون عن كل امتنان لأنها حمتهم من أسوأ مشاكل الدول المجاورة، نحو إعادة انتخابها مع بلوغ شعبيتها 62%).

كما في واشنطن، يوافق معظم السياسيين في أوروبا على ضرورة اتخاذ بعض التدابير لحل مشاكلهم، بيد أنهم يعجزون عن تحقيق ذلك. فيريد قادة معظم الأحزاب أن تقوم دول مثل فرنسا وإيطاليا بإصلاح بيروقراطياتها، التي تبدو معها عمليات الطرد أو الصرف من العمل مستحيلة، ما يعني أن أرباب العمل لن يوظفوا أي عمال أيضاً. في إيطاليا، مثلاً، يُعرف مَن يقومون بوظائف مؤقتة أو يعملون بدوام جزئي بـ"غير المستقرين". في الوقت عينه، تدرك ميركل نفسها أن عليها تخفيف سياسات التقشف، وأن ألمانيا مضطرة إلى تمويل اتحاد مصرفي جديد كي تبدأ الأموال بالتدفق.

وهنا تبدو حالة الجمود الأوروبية أسوأ مما تعانيه الولايات المتحدة. تقول ميركل إنها ستطلق اتحاداً مصرفياً يمتاز "بطابع أوروبي أكبر"، مقابل بدء الدول الأخرى عملية إصلاح اقتصادية واسعة، وذلك عندما يُعاد انتخابها في 22 سبتمبر، ولكن في ألمانيا، كما في واشنطن، لا يمكن إجراء إصلاحات تشمل مخاطر سياسية عالية إلا خلال فترة وجيزة بعيد الانتخابات.

ولكن في منطقة اليورو، تبدو هذه الفترة أقصر، فبما أن الاتحاد الأوروبي يضم 28 عضواً، ما من مرحلة لا نرى فيها إحدى هذه الدول تستعد لمعركة انتخابية.
سنشهد المعركة الانتخابية المقبلة عام 2014 في فرنسا، التي ستشارك في انتخاب البرلمان الأوروبي في شهر مايو وفي اختيار مجلس شيوخها في شهر سبتمبر. أخبرني المحلل السياسي الفرنسي باتريك شاموريل: "لن يقبل هولاند إجراء أي إصلاحات كبرى قبل تلك الفترة، ما يعني أن ميركل ستعجز عن تحقيق أي إنجازات تُذكر".


في عام 2015، ستُجرى على الأرجح انتخابات في بريطانيا وإسبانيا، ولا يمكننا أن نستثني إيطاليا، التي تبدو حكومتها المفككة، التي تضم الديمقراطيين اليساريين ومحافظي سيلفيو برلسكوني، مهددة بالسقوط في أي لحظة.
هل لكل معضلات هذه القارة أهمية؟ نعم، لأن الركود الأوروبي المستمر يعيق التعافي العالمي. وعندما تطلب الولايات المتحدة من حلفائها الأوروبيين مشاطرتها أعباءها، من مكافحة الإرهاب إلى الأزمة السورية، تصطدم بهذه الأزمة الاقتصادية والسياسية المتواصلة.


إلا أن تأمل حالة أوروبا يمنح الأميركيين بعض العزاء، عزاء مستمد من مآسي الآخرين، ولا شك أن طعامهم لذيذ، وثقافتهم مميزة، ونظامهم الصحي فاعل، ولكن عندما نتحدث عن الأزمات السياسية، يبدو الأوروبيون في حالة سيئة، مثلنا تماماً، علماً أن روحي الأميركية تدفعني إلى القول: ربما أسوأ أيضاً.

*الصحافي الاميركي دويل مكمانوس وهو كاتب عمود في الصحف الاميركية خاصة لوس أنجلوس تايمز