اسرائيل وعقدة عنوانها "من النيل الى الفرات"!!

اسرائيل وعقدة عنوانها
السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

ابدى المجتمع الدولي موقفا هشا الى ابعد الحدود حينما سمح لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بتحويل منصة الجمعية العامة للامم المتحدة يوم الثلاثاء 1-10- 2013 الى منبر عدواني - بامتياز- لاطلاق عبارات التهديد والوعيد ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية تحت ذريعة انها تسعى لانتاج القنبلة النووية من اجل ضرب"اسرائيل".

وحسب التقارير الاعلامية فإن السلطات السياسية والاستخبارية في الولايات المتحدة عبأت اعدادا من الموظفين الاميركيين لملء معظم المقاعد الاعلامية والاستشارية والادارية في قاعة المنظمة الدولية، من اجل حشد حضور كبير لصالح رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس الشريف، وايضا للتغطية على خلو مقاعد الجمعية العامة من ممثلي البلدان التحررية الذين تركوا القاعة احتجاجا على إلقاء "نتنياهو" كلمته السنوية بسبب شخصيته الكريهة، وكذلك لما تمارسه " الدولة العبرية" من انتهاكات مفضوحة وجرائم منافية للقانون الدولي وحقوق الانسان وسلوكيات عدوانية وفتنوية على مستوى فلسطين المحتلة والشرق الاوسط والعالم.

وهدد نتنياهو عبر لاقطة المنظمة في نيويورك باتخاذ ما اسماه إجراء "منفردا" لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، واصفا رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني بأنه "ذئب " في ثوب حمل. وكان قد التقى قبل ذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض بواشنطن، وذلك عشية إلقاء خطابه في الأمم المتحدة.

وبحسب المراقبين فإن رسالة نتنياهو من اللقاء والخطاب كانت واحدة، وهي صب الماء البارد على حماسة الإدارة الأميركية والغرب عموماً للحيلولة دون التعاون مع الرئيس روحاني في الملف النووي الايراني. فيما وصف المراقبون المهمة التي قام بها نتنياهو في الولايات المتحدة، بأنها عبارة عن بروباغندا دعائية تهدف الى تضخيم مخاوف "اسرائيل" من "الخطر الايراني" المزعوم ، وهي ايضا محاولة لتعكير صفو الاحتفاء الدولي بانخفاض نبرة قرع طبول الحرب وتراجع احتمالات العمل العسكري ، وزيادة فرص التسوية السلمية في المنطقة.

اما الرد الايراني على اراجيف "نتنياهو" فقد جاء على لسان رئيس اركان القوات المسلحة اللواء حسن فيروزآبادي الذي اعتبر تصريحاته بانها تنم عن العجز، مؤكدا علی ان استخدام "الخيار العسكري" ضد ايران لن يكون مجديا باعتباره اداة بالية ونخرة ، واصفا في تصريح له يوم الاربعاء 2-10-2013 ، كلمة "نتنياهو" في الامم المتحدة بانها تنم عن الوقاحة والاستفزاز حیال ايران، قائلا: ان رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي ثبّت اسمه في لوحة الامم المتحدة كداعية حرب.

واشار اللواء فيروزآبادي الى قدرات الشعب الايراني العظيم والموقف الذكي للجمهورية الاسلامية فی التزام مبدأ (المرونة البطولية) موضحا: ان الموقف الثوري الاسلامي في تبني المرونة البطولية سيكون هو الفائز في هذه المنازلة ، وان الشعب الايراني المقتدر مازال وفیا لمبادئه الثورية .

وعلل فیروزابادي المواقف والتصريحات التصعيدية الداعية الی الحرب ، بانها نابعة من تعاظم دور المقاومة التي اصبحت اليوم اکثر رسوخا ووعیا ، في ضوء النضالات التي خاضتها وزادت من جهوزيتها في كل ارجاء المنطقة ، ردا على الموقف الاسرائيلي المصاب بالهلع ، معلنا: ان الصهاينة الذين لا يشعرون بالامن في الاراضي المحتلة ازدادوا ذعرا ، نتيجة لموقف نتنياهو الاخیر.

اقول: من المهم هنا التأكد من حقيقة اساسية في موازين القوى ، وهي ان الكيان الصهيوني المحتل الذي يمثل المصالح الاميركية والغربية في الشرق الاوسط وتحديدا في جغرافيا ما يسمى باسرائيل الكبرى " من النيل الى الفرات"، والذي يمارس حاليا دورا وظيفيا على مستوى تكريس الفوضى والصراعات، وقيادة النهج التكفيري من وراء الكواليس، بما يؤدي الى تقوية النزعة الطائفية والنزاعات العبثية والاعمال المتطرفة في العالم الاسلامي، نجح الى حد بعيد في شرذمة الواقع الاقليمي وتأزيم العلاقات البينية بما يخدم اجندات الولايات المتحدة ، وهو ما جعل تل ابيب ذكية تماما في تطويع صناع القرار الاميركيين للتماهي مع مآرب "الدويلة العبرية" .

ولاشك في ان هذا العامل هو الذي جعل "باراك اوباما" يلوح من جديد بالعصا الغليظة وخيار الحرب ضد ايران بعد استقباله "نتنياهو" في البيت الابيض، رغم انه كان المبادر الى الاتصال الهاتفي مع الرئيس حسن روحاني قبل هذا اللقاء بثلاثة ايام.

وهذا ما يعني ان لاشيء يمكن له ان يتجاوز التلازم العضوي بين اميركا و"اسرائيل" ، الامرالذي اكده ايضا نائب رئيس الولايات المتحدة "جو بايدن" عندما قال في خطاب أمام مؤسسة "جي ستريت" الصهیونیة ، إن أي رئيس أميركي لم يفعل ما فعله "باراك أوباما" من أجل حماية "إسرائيل"، مشددا على أن دعم بلاده لأمن "إسرائيل" لا يتزعزع، موضحا: أن هذا الدعم لا يقوم على أسس أخلاقية فقط ، وإنما على مصالح الأمن القومي المشتركة أيضا، قائلا : إنه لو لم تكن هناك "إسرائيل" لكان على الولايات المتحدة أن تنشأها من أجل ضمان حماية مصالحها القومية . فيما تناول" بايدن" موضوع ملف الجمهوریة الاسلامية النووي بالقول: "ان إيران نووية تمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، وخطرا لا يمكن القبول به على الأمن والسلام العالميين" -على حد تعبيره.


بید ان السؤال المطروح في هذا المجال هو: ما مغزى استخدام نتنياهو لغة التطاول والاستفزاز مع الجمهورية الاسلامية وتحذيره لها من مغبة ما يعتقده جنوح طهران نحو صنع "قنبلة نووية" ، مع انه يعلم بان "اسرائيل" المنهارة معنويا بسبب هزائمها المذلة على ايدي حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي ، هي اتفه من ان تشكل تهديدا ميدانيا لإيران؟!

للاجابة يمكن القول ان نتنياهو الذي استهدف بخطابه التصعيدي اعطاء جرعة معنوية قوية للجمهور الصهيوني المثقل بالمهانة والانكماش والاحباط منذ عام 2000 وحتى وقتنا الحاضر ، بعدما فقد مذاقه حلاوة الانتصارات التي حققتها "الدولة العبرية " على الانظمة الرسمية سابقا ، اراد توجيه رسالة "ضمنية" لايران ودول محور الممانعة والمقاومة ، مفادها ان "اسرائيل" الضليعة بالسياسات الخبيثة والمتمرسة في فنون "الحرب الناعمة " سوف تعمل على توسيع دائرة والفوضى والتطرف والحرب التكفيرية في الشرق الاوسط ، الامرالذي قد يعني فتح شروخ جديدة وظهور فتن اكثر ظلاما في العالم الاسلامي ، ولاسيما في المنطقة المحصورة بين النيل والفرات .

ومع ان عقيدة " نتنياهو" العدوانية لا تخلو من التهويل و لغة الحرب النفسية واسلوب استعراض العضلات ، فان الواجب اخذ الحذر الشديد من الاستراتيجية الاسرائيلية الخبيثة، واعتماد الاليات المضادة القادرة على تقويض المخططات التمزيقية، وذلك باعتماد التكاتف والتضامن والتصدي بكل جهد لمؤامرة استكبارية ترمي الى اشعال المنطقة بالمزيد من الحرائق.

* حميد حلمي زادة