زيارة كيري للسعودية للطمأنة فقط

زيارة كيري للسعودية للطمأنة فقط
الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٣ - ١٢:٢١ بتوقيت غرينتش

جاءت زيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري للرياض بعد عدة اسابيع من توجيه المسؤولين السعوديين انتقادات حادة لنظرائهم الامريكيين بسبب عدم ايلائهم الاهتمام الكافي بمطالبهم، رغم العلاقات المتطورة بين البلدين واستجابة السعوديين لكل المطالب الامريكية ومنها رفع انتاجهم النفطي وشراء الاسلحة الامريكية بعشرات المليارات وايداع عشرات مليارات الدولارات في البنوك الامريكية ووضع قواعدهم العسكرية تحت تصرفهم، ورفع مستوى العلاقات التجارية بين البلدين الى اعلى مستوى.

كانت العلاقات الامريكية السعودية منذ سنوات على مستوى عال وتوقع السعوديون أن يلبي الامريكيون ما يطرحونه عليهم من مطالب خاصة وان السعوديين اصيبوا بهزيمة منكرة خلال السنتين الماضيتين سواء في سوريا أو في العراق او في لبنان .

كانت للسعوديين  مطلبين اثنين  الاول عدم فتح حوار مع ايران لان ذلك سيقوى موقف الجمهورية الاسلامية ، والثاني ، اطلاق ايديهم في سوريا ، ولكن الامريكيين رفضوا المطلبين معا ، وعملوا خلافا لما يراه السعوديون لان الامريكيين لهم اجنداتهم في المنطقة لا تتطابق مع مصالح السعوديين الذين يفكرون بتوسيع نفوذهم في المنطقةعلى حساب ايران .

الامريكيون فتحوا حوارا مع ايران ، وتحدث الرئيس الامريكي باراك اوباما هاتفيا مع الرئيس الايراني حسن روحاني واتفقا على مواصلة الحوار بين الجانبين خاصة وان وزيري خارجية البلدين التقيا في نيويورك وتحدثا عن الحوار الثنائي ،وهذا ما اغضب السعوديين الذين لم يكونوا يتوقعوا  وصول الحوار الى نتائج ايجابية ونجاح المحادثات بين ايران ومجموعة 5+1 واعلان الجانبين عن نتائج ايجابية لهذه المحادثات.

وهكذا تحول الغضب السعودي من الامريكيين  الى تهديد بتقليص مستوى العلاقات بين البلدين ، بعد أن رفض السعوديون قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الامن الدولي ، وصدرت من الرياض اشارات عديدة نحو الامريكيين بان عليهم ان يخطو خطوات قبل ان يتخذ السعوديون قرارهم النهائي ضدهم .

ولكن الامريكيين ، الذين يعرفون خواء التهديدات السعودية  ، وضعف السياسة الخارجية السعودية في المنطقة ، وعدم جدوى الدعم المالي والسياسي والعسكري السعودي لمعارضي النظام في سوريا خلال اكثر من عامين ، لم يأبهوا بتصريحات المسؤولين السعوديين  ولا سيما تصريحات سعود الفيصل ، بل واصلوا الحوار مع الجانب الايراني ، واستمروا في التشاور مع الروس حول موتمر جنيف 2 ، لانهم يدركون جيدا بأن الجانب السعودي يطلق تهديداته بسبب ما يعانيه من تداعيات هزائمه المتتالية في المنطقة  ، وهو لا يطيق ايران التي يعتبرها  منافسا له في قيادة المنطقة ، ويخشى أن تتكلل المحادثات الايرانية الامريكية بالنجاح ويقوى نفوذ ايران وعندها يخسر السعوديون ما راهنوا عليه في سوريا والعراق وما قدموه من أموال لتغيير مسار الاوضاع في المنطقة.

وهنا ، نلاحظ أن وزير الخارجية الامريكي يقرر زيارة دول المنطقة للوقوف على آخر تطورات الاوضاع فيها ، وهذه الزيارة لم تكن مخصصة للسعودية فقط حتى يظن البعض ان كيري جاء معتذرا للسعوديين . فتصريحات جون كيري خلال محادثاته مع المسؤولين السعوديين  تشير الى انه لم يقل شيئا جديدا بل كرر ما قاله في مناسبات متعددة عن ان العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية استراتيجية ، وان الخلافات تكتيكية ، وليست خلافات على الاهداف في شأن ما يجري في سورية .

كما كرر موقف بلاده من  سوريا مؤكدا" ان هناك حلا واحدا للازمة وهو التفاوض ونحن جميعاً نؤمن أنه يتوجب علينا عقد اجتماع جنيف 2، والانتقال لسورية جديدة ".  بينما  يعتقد الجانب السعودي بان دعم المقاتلين بالاسلحة الحديثة  في سوريا هو الحل وان الدعم العسكري للمعارضة هو الذي سينهي الصراع ، وانه اذا لم تحضر المعارضة مؤتمر جنيف فلن ينجح المؤتمر.

فالجانب السعودي ، لم يداهن ولم يماطل ولم يخف موقفه الصريح من ايران ، بل اظهر وزير الخارجية السعودي ما يضمره في داخله  تجاه ايران لانه يعتقد ان على ايران ان تترك المنطقة وتفسح المجال للسعوديين بأن يقوموا بما يحلو لهم .

سعود الفيصل غاضب من توسع النفوذ الايراني وهو يطلق التصريحات تلو التصريحات ضد ايران لانه يدرك مدى القوة الايرانية في المنطقة وحاجة الكبار الى ايران وتوددهم اليها وبالعكس ان الموقف الضعيف للسعوديين جعلهم موضع سخرية الكبار والصغار .

وزير الخارجية السعودي يبرر هزيمة بلاده في المنطقة بتوسع نفوذ ايران في دول المنطقة ومنها سوريا    ويقول  " سورية اليوم هي أرض محتلة من إيران، وهي تشارك فيها مع طرف ضد آخر، وإيران حالياً في مكان اختبار لحسن نواياها مع العالم، ويجب أن تخرج من سورية وحليفها حزب الله اللبناني كذلك".

السعوديون حانقون على ايران بسبب دورها  المتنامي في المنطقة ، كما أنهم وحلفاءهم في لبنان غاضبون من حزب الله لانها اللاعب الاساسي فيه ، وهي التي تنغص على السعوديين أحلامهم  واجنداتهم ، لذلك فانهم يوعزون لانصارهم في لبنان ، أن يطالبوا بنزع سلاح الحزب والتخويف منه ، علهم يضعفونه ويصبح لبنان لقمة سائغة بأيديهم .

المزاعم السعودية ضد ايران وحزب الله ، تظهر بوضوح أنها  تريد أن تكون اللاعب الاساسي في سوريا ولكنها عاجزة عن ذلك رغم صرفها مليارات الدولارات ورغم دعمها للارهابيين ، وهي التي جلبت الالاف منهم  من جميع انحاء العالم لاسقاط نظام الاسد وهي تريد بالضغط على الامريكيين ان يدعوها تفعل ما تشاء في سوريا .ولكن الامريكيين لهم رأيهم في الاوضاع في سوريا ومستقبل سوريا ولا يقبلون للسعودية دورا يتعدى قدراتها وحدودها .

تصريحات كيري في السعودية  مطمئنة للسعوديين كما في السابق ولا تجاوب مع مطالبهم بشان سوريا وايران .فوزير الخارجية الامريكي يقول : «نحن ممتنون لخادم الحرمين على نقاشاتنا معه حول أوضاع البلدين، والعلاقة بين الرياض وواشنطن استراتيجية وكبيرة وطويلة الأمد، وأذكر بخطاب الرئيس باراك أوباما الذي تعهد فيه حماية حلفاء أميركا وتدمير الشبكات الإرهابية حول العالم، واستمرار تدفق النفط من الخليج للعالم، ولن نسمح بالإضرار بحلفائنا».

ولفت إلى «أن العلاقات مع السعودية شاملة، وتتعلق بالتخطيط العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب وغيرها من المجالات العلمية والطبية، وعلاقاتنا التي استمرت نحو 70 عاماً أثبتت أن السعودية شريك لا يمكن الاستغناء عنه».

وشدد كيري على أن زيارته للسعودية، جاءت «لإعطاء تطمينات وتأكيدات باستعداد الولايات المتحدة الدفاع عن حلفائها والعمل بالطريقة نفسها السابقة، ولن تكون هناك أية مفاجآت أو أمور سلبية على الحلفاء ».

لا جديد في تصريحان كيري ، ولا رد على مطالب السعوديين ، فوزير الخارجية الامريكي جاء الى السعودية  لطمأنه المسؤولين فيها بمواصلة دعمهم لهم  دون الانصياع لمطالبهم ودون الاشارة اليها.

انها سياسة الرئيس الامريكي اوباما ، فهو قد قرر ان يدخل في حوار مع ايران وها هو ينفذ ما قرره ولم تعد تهديدات السعودية واخواتها الخليجيات مجدية ، خاصة وأنها ترى بأن مصلحتها تقتضى إنهاء القطيعة مع ايران ، سواء رضي السعوديون أم غضبوا .

*شاكر كسرائي