لهذه الأسباب سيقر الغرب لإيران بحقوقها النووية..؟!

لهذه الأسباب سيقر الغرب لإيران بحقوقها النووية..؟!
الإثنين ١١ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٧:٣٩ بتوقيت غرينتش

بات من المؤكد بان الملف النووي الإيراني رغم المماطلة والعرقلة الغربية سيسلك طريقه الى الحل سلميا، واذا كانت جولة المفاوضات التي انعقدت في الشهر الماضي شكلت فرصة للاطراف للتحقق من الجدية ومحاولة بناء قاعدة من الثقة يبنى عليها، فان جولة المفاوضات التي اسدل الستار عليها أمس احدثت الخرق الاول في الجدار المانع لاي مسعى او طريق للتفاهم او التفاوض.

وهنا يطرح السؤال حول الاسباب والخلفية التي دفعت بالامور الى هذا المشهد خاصة وان الغرب الذي كان يتذرع بظنه ان إيران تسعى الى امتلاك السلاح النووي، يعلم في اعماقه بان هذا الظن لم يكن مبنيا على قاعدة معلومات او وقائع صحيحة او سليمة، فمالذي تغير الان حتى يظهر الغرب استعداده للقبول بمعظم ما كانت تطرحه إيران حلاً للشأن منذ ان اثير الموضوع وفرضت العقوبات والحصار عليها.‏

لقد مارس الغرب بقيادة اميركية وعلى مدى عقد من الزمن كل ما يمكن من ضغوط سياسية واقتصادية ومالية ضد إيران وصولا الى التهديد بالحرب لتدمير منشآتها النووية من اجل منعها من ممارسة حقها المشروع بامتلاك التقنية النووية واستعمال الذرة من اجل اهداف سلمية في قطاعات الطب والزراعة والطاقة، وهو استعمال سيوفر لشعبها امكانات اضافية تدفع به الى مزيد من الارتقاء الحضاري والانتماء الى العصر، دون ان يكون فيه اي خرق لقاعدة من قواعد في القانون الدولي.‏

لقد تذرع الغرب بظنه غير المستند الى دليل، وخشيته من وصول إيران الى مستوى يمكنها من تصنيع القنبلة الذرية وامتلاكها السلاح النووي الذي في حال تحققه قد يخل بزعمهم بالتوازنات الاقليمية والدولية ويؤثر على مصالح الدول الكبرى واستأثرت بحق امتلاك السلاح النووي ليكون السلاح الاستراتيجي الحاسم الذي يحمي مكتسبات المنتصرين في الحرب الثانية الذين امتلكوا حق الفيتو في مجلس الامن حتى لا يكون في المجلس قرار دولي يعارض مصلحة اي منهم المباشرة او مصلحة حلفائه الاستراتيجيين.‏

لقد تصور الغرب ان فرض الحصار والعقوبات المتنوعة والمؤذية سيؤدي الى تركيع إيران، ويجعلها تستسلم للارداة الغربية، واذا تطلب الامر عملا عسكريا، فان الهجوم يكون اسهل بعد ان يكون الجسم الإيراني اصيب بالضعف والوهن والترهل اما إيران وحيال تلك الضغوط الشديدة والمؤلمة في كثير من الجوانب فقد صمدت ووضعت لنفسها استراتيجية مضادة للمواجهة بنتها على اتجاهات ثلاثة في الداخل فضلا عن سياستها الخارجية وهي:‏

في المجال العسكري الدفاعي، طورت إيران قدراتها العسكرية رغم الحصار وتمكنت من امتلاك التقنية العسكرية العالية في مجال التصنيع العسكري خاصة في مجال القدرة الصاروخية والدفاع الجوي، والميدان البحري حيث تمكنت من ان تقتحم اعالي البحر واهلت نفسها لتكون دولة اقليمية كبرى على طريق امتلاك مرتبة الدولة الكبرى عالميا، هذا فضلا عن قدرات عسكرية برية هامة تمكنها من الدفاع عن اليابسة بشكل يركن اليه بطماأنينة، وقطعت بذلك الطريق على اي عدوان عسكري يشن عليها.‏

في المجال الاقتصادي: رفعت إيران شعار الاكتفاء الذاتي وحققت الكثير على طريقه وجعلت قسما كبيرا من العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها فرصة للعمل والانتاج بالقدرات الذاتية و لم تجمد امامها وتتخذ منها حواجز وعوائق تمنعها من توفير احتياجات شعبها وتقودها الى الخضوع.‏

في المجال النووي التقني وهذا هو المهم في هذا السياق، فقد ركزت جهودها على هذا الخط اذ رغم كل انواع الحصار والعقوبات والتهديد تمكنت إيران من تحقيق التقدم المذهل للغرب وتوصلت الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وضاعفت عدد اجهزة الطرد المركزي الاف المرات، وادخلت الى الخدمة مفاعلين نووين جديدين وتمكنت من تصنيع الوقود النووي الذي يلزمها للاستعمال الاني في القطاعات الطبية ذات الحاجة اليه حاضرا.‏

اما على الصعيد الاقليمي والدولي، فقد حافظت إيران على موقعها الجيوسياسي وفعاليتها في محور المقاومة ولم تثنها الضغوط والعقوبات والحصار عن القيام بالتزاماتها حيال هذا المحور، لا بل انها في كثير من الحالات زادت من وتيرة دعمها للمقاومة وتحملت اعباء اضافية في سبيل ذلك.

وقد استمرت في توسيع فضائها الاستراتيجي الى ان جاء الاختبار الصعب لها والمتمثل في العدوان الصهيو -غربي -تكفيري بقيادة اميركية على سورية، حيث ظن المعتدون ان إيران ستضطر للانكفاء وتمتنع عن الوقوف الى جانب سورية في مواجتهها الدفاعية، او ان إيران لن تستطيع اصلا ان تقدم شيئا لسورية في معركتها الدفاعية تلك.‏

و لكن ذهل المعتدون عندما تحققوا من فشل رهاناتهم ولمسوا يقينا بان إيران جاهزة لاي ظرف واحتمال دفاعا عن سورية لانها كانت ومنذ اللحظة الاولى على يقين بان العدوان على سورية لا يستهدف الدولة السورية وموقعها فحسب بل يستهدف محور المقاومة بكافة مكوناته، وبالتالي رأت ان الوقوف مع سورية انما هو دفاع عن النفس، وجاهرت بهذه المواقف الدفاعية وارسلت بذلك للمعتدين خاصة اميركا الرسائل الواضحة القاطعة حول مخاطر المواجهات في المنطقة في حال نفذت اميركا تهديدها بالعدوان على سورية.‏

لقد ظن الغرب الصهيو اميركي بالقيادة الاميركية، ان بامكانه ترويض إيران ومحور المقاومة معها من البوابة السورية، واعتقدوا بان اسقاط سورية سيفكك هذا المحور بعد اقتلاعه قلعته الوسطى، ويليها احتواء مزودج لإيران وحزب الله، ثم منع العراق من التفكير بالتنسيق مع هذه القوى او التحالف معها.

لكن النجاح الدفاعي لسورية خيب هذا الظن واسقط الاوهام حول امكانية تفكيك محور المقاومة، خاصة وان مستجدات سجلت على صعيد هذ المحور تجلت باستعداد مكوناته للعمل خارج حدودها الوطنية الاساسية من اجل الدفاع عن ذاتها على اي ارض تفرض مواجهة دفاعية، وارتسم مشهد الميدان الواحد الذي تخوض المعارك فيه قوى من مكونات محور المقاومة كلها.‏

في ظل هذه الوقائع والحقائق وجد الغرب عامة واميركا خاصة (وهي الاصل في موضوع حصار إيران ومعاقبتها لاخضاعها) وجدوا ان الاستمرار في سياسة المواجهة مع إيران لن تجدي، وهي رغم انها تنتج بعض الالم والضرر لإيران في مجالات محددة خاصة على الصعيد المالي والتجاري فانها قاصرة عن اخضاع إيران لارادة اميركا،و بالمقابل فان إيران قادرة على المضي قدما في مسار التقدم والتطوير الذاتي رغم كل بعض المصاعب والضيق احيانا ، اضافة الى ذلك تاكد الغرب بان العدوان على سورية لن يحقق اهدافه وان محور المقاومة لن يتفكك.‏

ومن جهة اخرى بدأت اميركا تتلمس مخاطر الخروج من افغانستان دون ان يكون هناك تفاهم مع إيران، ومع يقينها بان إيران لم ولن تسعى اصلا لامتلاك السلاح النووي وهي تعلم ان اثارة الملف اصلا لم تكن الا من اجل الهيمنة على إيران واستتباعها ومنعها من امتلاك مصادر القوة الاضافية، ثم جاءت وبدعم من إيران موافقة سورية على التخلي الطوعي عن برنامج الاسلحة الكيماوية واتلاف ما لديها منها والانضمام الى معاهدة منع انتشار السلاح الكيماوي، جاء ذلك ليؤكد لكافة اقطاب العالم بان محور المقاومة لا يريد امتلاك اسلحة الدمار الشامل.

كل ذلك حمل الغرب وعلى رأسه اميركا الى اختيار طريق التفاهم والاتفاق مع إيران لانه الطريق الممكن الافضل. اما إيران فقد رأت مصلحتها ايضا ان تكرس حقها بالتقنية النووية وتستحصل على اعتراف دولي بهذا الحق مقرونا بالتراجع عن كل التدابير الكيدية والعدوانية من عقوبات وحصار عبر مجلس الامن او بشكل منفرد خارجه.‏

هذه هي القناعة التي وصل اليها الغرب وارتاحت اليها إيران، هي التي فتحت الطريق امام الفرصة التاريخية - على حد قول الرئيس روحاني - للوصول الى اتفاق يناسب إيران ويغضب اعداءها (خاصة اسرائيل السعودية) ولئن تعثر هذا الاتفاق في الجولة الاخيرة فانه سيوقع بعد ايام لانه الحل الوحيد المتاح للغرب والا سيكون أول من سيندم اذا رضخ لضغوط اسرائيل والخليجيين.‏

و على اي حال ومع اعتقادنا بان الاتفاق سيوقع رغم بعض التأخير فاننا نرى ان نتائج هامة ستترتب عليه من شأنها ان تؤثر على مسار العلاقات الدولية واحداث المنطقة حيث سيؤكد على:‏

انتصار إيران في معركة امتلاك التقنية النووية، ما يعني انتصاراً آخر لمحور المقاومة يراكم انتصاراته التي بدأت في العام 2000 في لبنان وتكررت في العام 2006 ثم هي الأن تكتب في سورية.‏

امتلاك محور المقاومة مناعة اضافية في الدفاع والردع مع فشل كل محاولات اسقاطه او تفكيكه.‏

رسم الخريطة الجيوسياسة في المنطقة على ضوء نتائج الصراع هذه، خريطة سيكون لمحور المقاومة الدور الاساس في ترسيم خطوطها وتحديد وجهات المكونات فيها.

وأخيراً سيكون له انعكاس ايجابي مؤكد على حل سلمي للازمة السوري يحفظ لسورية ما دافعت عنه من وحدة وقرار مستقل وسيادة.‏

* د. أمين حطيط / موقع سورية الآن