طرابلس على خط التوتر بين دمشق والرياض

طرابلس على خط التوتر بين دمشق والرياض
الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٢٦ بتوقيت غرينتش

استفاقت طرابلس على أمل أن تطوى صفحة مهرجان «إحقاق الحق» الذي نظمه «اللقاء التشاوري الطرابلسي» في «معرض رشيد كرامي الدولي» للمطالبة بالاقتصاص من منفذي تفجيري مسجدي «التقوى» و«السلام»، بعد أن اضطرت الى حبس أنفاسها طيلة ليل أمس الأول بعد المواقف التصعيدية التي أطلقت فيه وكانت بمثابة «إعلان حرب» على مختلف الجبهات، وما تلاه من استنفار وتجمعات شعبية في جبل محسن والبلدات العكارية المحاذية لبلدة حكر الضاهري حيث منزل النائب السابق علي عيد.

وإذا كانت طرابلس شهدت أمس، حركة طبيعية لم تتأثر بتداعيات الخطابات النارية في المهرجان وقبله بمضمون مؤتمر مسؤول العلاقات السياسية في «الحزب العربي الديموقراطي» رفعت عيد الذي «حلّل دم شعبة المعلومات»، فان الطرابلسيين باتوا على يقين أنهم تحولوا الى رهائن لتجاذبات إقليمية سورية ـ سعودية تترجم بين أحياء التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن، بغض النظر عن قضية التفجيرين التي باتت تستخدم في زيادة الشحن والتحريض على الموالين للنظام في سوريا.

وكان واضحاً أن بعض ما قيل في المهرجان كشف عن هذا التجاذب وحدّد بوضوح الأطراف الخارجيين للصراع في المدينة، فالإشارة إلى أحمد الأسير كـ«ممثّل للسنّة» جاء ترجمة لموقف قطري، و«رفض وجود مؤيدين للنظام السوري» جاء ترجمة للموقف السعودي، والحملة على المفتي مالك الشعار جاءت وسط هذا التجاذب، فضلاً عن بعض المزايدات المحلّية التي تخدم بطريقة مباشرة ذلك الصراع السعودي ـ السوري، وإن شهد إطلالة متجدّدة للموقف القطري الذي كان انكفأ منذ أشهر، وتحديداً منذ التغييرات التي حصلت على مستوى الحكم في قطر.

ثمة نقاشات واسعة في طرابلس حول مهرجان «إحقاق الحق» وما تضمنه من مواقف تصعيدية ومن رسائل حاول البعض إيصالها من خلاله لأهداف سياسية وشخصية، فضلا عن الصورة التي أظهرها المهرجان عن المدينة.

وإذا كانت النظرة العامة في طرابلس تشير الى أن رفعت عيد وقع في بحر من الأخطاء في المواقف التي أطلقها خلال مؤتمره الصحافي كونها لا تخدم قضيته ولا تحمي طائفته ولا تفتح له أبواب التواصل مع طرابلس، فان نقاشات أبناء المدينة ركزت على كثير من المواقف التي لم يكن متفقاً عليها بين المنظمين ولا تصب في إنصاف أولياء الدم، وفي «إحقاق الحق» للشهداء في قضية التفجيرين ، وأبرزها:

أولا: محاولة عزل طرابلس عن محيطها، وضرب تنوعها السياسي الذي لا تزال تتغنى به، وذلك من خلال الاعلان بأن المدينة هي ضد النظام السوري وضد من يواليه، والتأكيد أنها لن ترضى بأن يكون فيها أي فئة تخالف هذا التوجه، ما يعني استمرار الحرب على جبل محسن الى ما لا نهاية، وشن حرب إلغاء ضمن المدينة على كل من يحمل رأيا سياسيا مغايرا لبعض خطباء المهرجان.

ثانيا: إحياء قضية الشيخ أحمد الأسير وتنصيبه «ممثلا شرعيا» للسنّة في لبنان، في وقت تخشى فيه طرابلس من أن يؤدي جنوح بعض مسؤولي المجموعات المسلحة نحو سلوك الأسير الى تحويل عدد من مناطق المدينة الى عبرا ثانية.

ثالثا: التهديد بالاستعانة بثوار سوريا، إذا ما شن النظام السوري هجوما على المدينة، الأمر الذي يُدخل طرابلس في آتون الصراع القائم هناك، ويؤكد الاتهامات بحقها بأنها تؤوي مجموعات من الثوار، وهذا يؤدي الى ضرب كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية للنأي بالمدينة عن البركان السوري.

رابعا: رفع أعلام «داعش» و«جبهة النصرة» في المهرجان، ما أعطى صورة غير صحيحة عن واقع المدينة وتوجهاتها.

خامسا: الخروج عن كل مؤسسات الدولة، فكانت الحكومة والقضاء والجيش والقوى الأمنية هدفا واضحا لأكثرية الخطباء.

سادسا: الهجوم العنيف على المفتي مالك الشعار الذي يقوم بمساع منذ عودته من فرنسا مع قيادات المدينة للتوصل الى حل يحافظ على استقرار وأمن طرابلس، وكان آخرها الاجتماع الذي عقد في منزله بحضور وزير الداخلية وساهم في تجميد الوضع الأمني بعدما بلغ حافة الانفجار.

هذه المواقف وغيرها ضاعفت من حجم المخاوف، خصوصا أنها جاءت بعيدة كل البعد عن توجهات الأكثرية الطرابلسية الساحقة الرافضة لكل أنواع التوترات، وبالتالي فان ما صدر عن رفعت عيد في المؤتمر الصحافي، وما تضمنه مهرجان «إحقاق الحق» من مواقف، يضع المدينة بكاملها على فوهة بركان قد ينفجر عند أي لحظة.

في حين رأت بعض الأوساط الطرابلسية أن المهرجان كان عبارة عن فرصة لتنفيس، الاحتقان الذي بلغ ذروته في المدينة خلال الفترة الماضية.

في غضون ذلك، تتجه الأنظار الى طرابلس وعكار اليوم الثلاثاء، موعد مثول النائب السابق علي عيد أمام قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا للاستماع الى إفادته في ما أدلى به سائقه أحمد العلي من اعترافات لدى مخابرات الجيش، والى التداعيات التي ستنتج عن موقف عيد في حال قرر الذهاب أو الامتناع، وردات الفعل المفترضة سواء في طرابلس وعكار.

في غضون ذلك، علمت «السفير» أن الجيش اللبناني يضع نفسه في جهوزية تامة تحسبا لأي طارئ يمكن أن يحصل، وتؤكد مصادر عسكرية أن مهمة الجيش الأساسية هي حفظ الأمن والاستقرار وسلامة المواطنين، وأنه انتقل من مرحلة الفصل بين المتنازعين الى مرحلة الرد بالنار على كل من يحمل السلاح أو يحاول العبث مجددا بالأمن.

السفير- غسان ريفي