الإمام السجاد.. قدوة الزاهدين وسيد المتقين وإمام المؤمنين

الإمام السجاد.. قدوة الزاهدين وسيد المتقين وإمام المؤمنين
الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٥:١٠ بتوقيت غرينتش

لحکمة الهية بالغة، بقي الامام علي بن الحسين عليه السلام حيا بعد المجزرة الدموية الاموية التي حلت ببيت الرسالة في کربلاء، في وضع مأساوي وصفه الامام السجاد (عليه السلام) ذاته في جوابه (للمنهال بن عمر) حين سأله، کيف أمسيت يابن رسول الله؟

قال (عليه السلام): (أمسينا کمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبَحون أبنائهم ويستحيون نساءهم). 
لقد نجا بقدر الله تعالی، في حين کان عمره يومها ثلاثا وعشرين سنة، فقد کان المرض الذي استبدَ به اثناء المعرکة المبرر المظور لاسقاط واجب الجهاد بالسيف عنه.
وبعد حوادث الطف مباشرة بدأ السجاد (عليه السلام) يقود الحرکة الاصلاحية وبمقدور المتبع أن يلمح في قيادة الامام السجاد (عليه السلام) ظاهرتين اثنتين:
الاولی: استکمال الشوط الرسالي الذي بدأه الحسين عليه السلام.
کان بنو أمية والضالعون في رکابهم مدرکين تماما ما للحسين عليه السلام وآل البيت من مکانة لا تضاهيها مکانة في نفوس المسلمين وکانوا يعلمون ان قتل الحسين (عليه السلام) واصحابه في کربلاء سيثير سخط المسلمين عليهم، ومن أجل ذلك خططوا للتعميمه وبذلوا کل وسعهم لإثارة الضباب، لکي يمتصوا أيَ رد فعل متوقع، لاسيما في بلاد الشام حصنهم القوي.
وهکذا سخروا أجهزة إعلامهم المتاحة يومذاك حتی اوصلوا الناس الی حد القناعة بأن الحسين عليه السلام وصحبه انما هم من الخوارج.
وقد کان مقدرا لتلك الدعاية ان تنجح في الشام الی اقصی حد ممکن، مما کان يفرض القيام بما من شأنه ان يفشل الدعاية الاموية واهدافها المسعورة ويکشف بحزم عن اهداف ثورة الحسين عليه السلام وعن مکانته بالذات في دنيا المسلمين وهکذا کان.
تبنی الامام السجاد عليه السلام وکرائم اهل البيت کزينب وام کلثوم وغيرهما، سياسة إسقاط الأقنعة التي يغطي الامويون وجوه سياستهم الکالحة الخطيرة بها وتحميل الامة کذلك مسؤوليتها التأريخية أمام الله والرسالة.
ومن أجل کسر التعتيم الاعلامي الأموي وفضح جرائم يزيد وقف الامام السجاد عليه السلام في الحکم الاموي وبحضور يزيد بن معاوية وکل معاونيه من رؤوس التحريف والضلال وألقی ببيانه الخالد معريا سياسة الامويين الضالة الدموية ومبينا من هم السبايا واي مقام رفيع يمثلون في دنيا الاسلام وقد جاء في بيانه:   
(ايها الناس، اعطينا ستا وفضلنا بسبع، اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا: بأن منا النبي المختار والصديق والطيار واسد الله واسد رسوله ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول وسبطا هذه الامة.
ايها الناس، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. 
ايها الناس، أنا ابن مکة ومنی، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الرکن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدی وخير من طاف وسعی وحج ولَبی، أنا ابن من حمل علی البراق وبلغ به جبريل سدرة المنتهی، فکان قاب قوسين او أدنی، أنا من صلی بملائکة السماء، أنا ابن من أوحی اليه الجليل ما أوحی. أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، وابن خديجة الکبری، انا ابن المرمل بالدماء أنا ابن ذبيح کربلاء).
وحين بلغ هذا الموضع من خطابه استولی الذعر علی الحاضرين وضج اغلبهم بالبکاء حين فوجئوا بالحقيقة مما اضطر يزيد أن يأمر المؤذن للصلاة ليقطع علی الامام عليه السلام خطبته، غير ان الامام عليه السلام سکت حتی قال المؤذن (اشهد ان محمدا رسول لله) التفت الامام السجاد عليه السلام الی يزيد قائلا: (هذا الرسول العزيز الکريم جدك ام جدَي ؟) فان قلت جدَك، علم الحاضرون والناس کلهم انك کاذب، وان قلت جدي، فلم قتلت ابي ظلما وعدوانا وانتهبت ماله وسبيت نساءه؟ فويل لك يوم القيامة إذا کان جدَي خصمك).
اما عقائل آل الرسول صلی الله عليه وآله وسلم فقد مرَغن أنوف بني أمية في الوحل واسقطن کبرياءهم عمليا امام الامة التي يحکمونها، تجد ذلك في خطبة زينب الکبری التي ألقتها في مجلس يزيد في دمشق وفي المناقشات الحادة التي دارت هناك.

الثانية: تبني منعطف جديد للحرکة الاصلاحية في الامة.
ان المتتبع لطبيعة دور الامام السجاد عليه السلام في الحياة الاسلامية بعد عودته يلمح انه عليه السلام قد رسم منهجه العملي بناء علی دراسة الاوضاع العامة للامة بعد ثورة الامام الحسين عليه السلام وتشخيص نقاط ضعفها ومقومات نهوضها.
مارس الامام عليه السلام دوره من خلال العلم علی إنماء التيار الاسلامي الرسالي الاصيل في الامة وتوسيع دائرته في الساحة وقد ساعد في إنجاح عمله عاملان اساسيان هما: الاضطراب السياسي والاجتماعي الذي تفجر في اکثر مراکز العالم الاسلامي اهمية وتاثيرا بعد مأساة الطف مباشرة والثانية التجاوب مع أهل البيت عليهم السلام من قبل قطاعات واسعة من الامة وذلك نتيجة لشعور اسلامي عام بمظلومية اهل البيت عليهم السلام خصوصا بعد استشهاد الامام الحسين (عليه السلام).
هذا وقد التزم الامام عليه السلام منهجا محدد المعالم والغايات في دوره القيادي وکان من أبرز حقوله:
1- المهمة التعليمية: اتخذ الامام السجاد عليه السلام من المسجد النبوي الشريف وداره المبارکة مجالا خصبا لنشر المعرفة الاسلامية فشهدت طوال خمسة وثلاثين عاما -وهي فترة امامته- نشاطا فکريا من الطراز الاول.
استقطب عليه السلام خلال تلك الفترة طلاب المعرفة الاسلامية في جميع حقولها واستطاع ان يخلق نواة مدرسة فکرية لها طابعها ومعالمها المميزة وتخرج فيها قمم فکرية وقادة رأي ورواة محدثون وفقهاء.
2- تبنی مشاکل الجماهير: أبدی الامام السجاد عليه السلام کسواه من ائمة اهل البيت عليهم السلام اهتماما متزايدا بالامة فرسخ علاقته بها وعمق تعامله مع أوسع قطاعاتها فکان الاب الرحيم والقائد الحکيم الحريص علی علاج أدواتها طوال ايام امامته.
3- احياء ذکری الحسين عليه السلام: أقام الامام السجاد عليه السلام مأتما دائما في داره لاعطاء الذکری حرارة دائمة ولتبقی حيَة في ضمير الامة وتأريخها وهي تذکر بالمبادیء والقيم الاسلامية التي ثار الامام من اجلها وضحی بأهل بيته واصحابه في سبيلها.
4- الدعاء: حفظت لنا سيرة الامام السجاد عليه السلام نمطا من الادعية بلغ الذروة في الکمال والنضج والشموخ فقد کانت ذات وجهين غاية في الارتباط والتکامل وجها عباديا وآخر اجتماعيا يتسق مع مسار الحرکة الاصلاحية التي يقودها عليه السلام.
وقد جمع ذلك التراث السجادي الخالد، فحمل عنوان (الصحيفة السجادية) المتداولة اليوم بين ايدي المؤمنين وکان هذا التراث يحظی باهتمام متزايد من ائمة اهل البيت عليهم السلام. 
من ناحية أخری وکرد فعل سياسي اموي تبنی الحکم الاموي بقيادة عبد الملك شعار التصفية للوجود الرسالي ونفذت تلك الخطة من خلال تعيين الجزَار الرهيب الحجاج بن يوسف الثقفي واليا علی الکوفة -عاصمة اهل البيت عليهم السلام-  فنشر الحجاج في ربوع الکوفة الدمار وأشاع الرعب والموت، فقتل المؤمنين علی التهمة والظنة وحسبنا وصفا لتلك المأساة الرهيبة تحديد الامام الباقر عليه السلام لحجمها الدامي بقوله: (ثم جاء الحجاج فقتلهم -يعني اتباع اهل البيت- کل قتلة، واخذهم بکل ظنَة وتهمة حتی ان الرجل ليقال له زنديق او کافر أحب اليه من أن يقال له: شيعة علي).
لقد أشار بعض المؤرخين الی ان عدد الذين قتلهم الحجاج عبر عشرين سنة التي کان فيها واليا عشرات الألوف وقد مات الجزار الرهيب وفي سجنه خمسون الف رجل وثلاثون الف امراة -الشيعة والحاکمون /محمد جواد مغنية/- مما يجسد حجم المأساة التي عانی منها اتباع اهل البيت.
علی ان الموقف قد تأزم بعد موت عبد الملك حيث تسلم الوليد ابنه الامر بعده، في وقت صفيت فيه المعارضة او کادت، ولم يبق غير الامام السجاد عليه السلام متابعا خطواته الاصلاحية في الامة تثقيفا وارشادا وامرا بمعروف ونهيا عن منکر.
کان الامر يؤرق قادة الحکم الاموي ذي الاهداف التحريفية للرسالة الالهية ويثير مخاوفهم وقد ادرکوا ان ايقاف مسيرة الامام عليه السلام تلك لا تتم بإرهابه. 
من هنا فان خططهم اتجهت لتصفية الامام عليه السلام ذاته، وهکذا کان فقد اغتاله سليمان بن عبد الملك في عهد الوليد من خلال سم دسه اليه، وبذلك اسدل الستار علی عصر ذلك الامام العظيم عليه السلام بيد ان افکاره واهدافه بقيت حيَة نابضة بالحياة متدفقة بالخير والخصب والنماء تسيَر التاريخ الانساني، حاملة المشعل التفجر بالفضيلة والهدی.
فسلام عليه وعلی الائمة الهداة الميامين من آبائه وأبنائه، سلاما دائما مع الخالدين.