طبيخ قدور ديار بكر

طبيخ قدور ديار بكر
الإثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٧:١٨ بتوقيت غرينتش

في زيارة وصفت بالتاريخية من قبل أكثر من طرف ، ومريبة من قبل أطراف أخرى ، وصفقة سيئة من قبل جهات غير مرتاحة للتواصل البرزاني – الأوردغاني ، وصل مسعود البرزاني يوم السبت 16/11/2013 إلى مدينة ديار بكر التركية ، التي توصف بعاصمة أكراد تركيا ، وقد حملت زيارته حزمة من الرموز والدلالات المقصودة والمكثفة.

فمسعود قرر المسير إلى ديار بكر عبر منفذ الخليل الحدودي برا ليمر بمجموعة من مناطق ما يسمى بـ (كردستان تركيا) ، واصطحب في زيارته ، وهو يرتدي زيه الكردي المميز ، الفنان التركي الكردي الأصل شيفان برفر، الذي يمثل رمزا من رموز المعارضة الكردية في تركيا ، والذي لم يزر ديار بكر منذ أكثر من 37 سنة بعد أن منعت أغانيه في تركيا . كما أن البرزاني حضر حفل زواج جماعي لـ (300) من الشباب الأكراد ، وقد التقى أوردغان هناك ، حيث ألقى كل منهما كلمة تمحورت حول المصالحة والسلام ووقف الصراع بين الدولة التركية ومتمردي الأكراد والسعي لدمج حقيقي للأكراد في الدولة التركية .

تتضمن الزيارة بحسب ما هو معلن عنه نقاشات مهمة حول مصير الاتفاقية التي تراوح مكانها بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ، كما تناقش وضع أكراد سورية ، ومشاركتهم في أية ترتيبات تقوم بها المعارضة العربية ، ودراسة موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية ، الذي يتحدث عن قيام حكومة حكم ذاتي في مناطق الأكراد في سورية .

إن هذه الجردة هي المعلن عما تحويه قدور (برزاني – أوردغان) في ديار بكر ، ولكن التأمل والنظر العميق ، يظهر أن هناك أكثر من طبخة مخفية تتضمنها قدور ديار بكر ، ربما ستفوح رائحتها قريبا أو بعيدا .

والسؤال الافتتاحي لهذا النظر : أين تقع تلك الزيارة في خارطة التوجهات التركية الأخيرة حول العلاقات العراقية – التركية ، والتي تشهد تطورا ملحوظا منذ لقاء خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية للرئيس عبد الله غول في الولايات المتحدة ، والتفاهمات التي سبقتها ، والترتيبات التي لحقتها ، لتتضمن زيارة أحمد أوغلو إلى العراق ، ولقاءه القيادات العراقية ، وتأكيد دعوته للسيد المالكي ليزور تركيا ، والتي ستكون مسبوقة بزيارة لوزير الخارجية العراقي إلى تركيا أيضا ؟ وكيف يمكن فهم حالة التوازي بين رغبة تركية واضحة وأكيدة بفتح صفحة جديدة من العلاقة مع العراق ، وتحديدا مع حكومة المالكي ، وأخرى تتحرك لتقوية جسور العلاقة مع إقليم كردستان العراق ، وتحديدا مع مسعود البرزاني ، والحديث عن إمكانية تصدير النفط باستقلالية إلى تركيا ، وفتح صندوق إيداع للأموال في مصرف تركي حكومي ؟ هل يمكن الحديث عن حالة توافق واتساق بين علاقة تركيا بالمركز والإقليم (في العراق) ، أم أن الأمر لعب بأوراق الضغط بالتبادل في كلا العلاقتين ، بحيث يضمن ذلك لتركيا أقل الخسائر وأكثر المنافع في جولة صراع المصالح ؟ وهل أن زيارة البارزاني من قبيل الضربة الاستباقية لأي ترتيبات محتملة يقوم بها أوردغان مع المالكي ، والتي تعني بالمحصلة تقوية جبهة المالكي ، مقابل ضعف جبهتي المعارضة له الكردية والسنية ؟ ماذا يمكن للبرزاني أن يعطي الأتراك في لحظتهم الحاضرة التي يشهد فيها الشارع التركي توترا كبيرا ، ويتراجع فيها الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط عقيب هزيمة الأخوان في مصر ، وتراجع الدور القطري ، وتعذر الحسم العسكري لملف سورية ، فهل يعزل البارزاني أكراد تركيا عن أي توترات أو انتفاضات داخلية ، ضامنا عدم اشتراكهم فيها من جهة ، والضغط على أكراد سورية بحيث يندمجون في التسويات التي يقودها الأتراك للمشهد السوري ، وعدم انفصالهم أو مطالبتهم بإقليم مستقل ، وكذلك الالتزام بتدفق نفطي منتظم عبر الأنبوب العراقي – التركي بترتيبات لاتمر من خلال حكومة المركز في بغداد ؟ وإذا ما كانت هذه حصة البرزاني من طبيخ قدور ديار بكر ، فهل هو قادر فعلا على توفيرها ، وهل سيذعن حزب العمال الكردستاني لهذه الصفقة ، وهو يرى أن بساط قيادة المشهد الكردي في تركيا وسورية ينسحب تدريجيا من تحت قدميه لصالح آل البرزاني في العراق ، مع كل التضحيات التي قدمها خلال عشرات السنين؟ وماذا يمكن لأوردغان أن يقدم للبرزاني بحيث لايكون ذلك المقدم مدعاة لهيجان التوجهات القومية في تركيا ، فهل سيقوم بتسوية حقيقية للقضية الكردية في تركيا ، ويقبل بمشاركة فعالة ومتوازنة لهم في الحكم والسلطة ؟ وهل سيقبل بارتفاع نجم الخصوصية الكردية في مناطق كردستان تركيا ، ومنها اللغة والشعارات والكثير من المطالب الكردية المرفوضة عبر عشرات المفاوضات؟ وهل سيكون لدى أوردغان حزمة من المنافع الاقتصادية الكبيرة التي يقدمها لإقليم كردستان العراق تقوية لاستقلالهم الذاتي في مسألة القدرات الاقتصادية ؟ كيف سيوازن أوردغان بين المسؤولية القومية والأخلاقية لتركيا تجاه تركمان العراق ، الذين يعانون من معاملة كردية سيئة لهم ، خصوصا في كركوك ، وبين علاقاته الاستراتيجية الجديدة مع البارزاني ، فهل قرر أوردغان التخلي عن التركمان ، بوصفهم صفقة خاسرة لصالح الصفقة الرابحة مع الأكراد ؟ وماهو موقف تركمان العراق من هذه الترتيبات الجديدة ، فهل ستكون وجهتهم (قهرا) إلى تحالف مع العرب وانصياع وذوبان في حكومة المركز ، أم إلى برغماتية تتماهى مع الند الكردي ؟ أين تقف أمريكا وإسرائيل من العلاقة الجديدة التي تؤسس لها قدور ديار بكر ، هل أن الطباخ هو العم سام ، وتل أبيب المتبرع بالحطب ، أم أن هذه الجهات تراقب المشهد دون أن تكون جزءا منه ؟ وإذا ما كانت تلك الترتيبات تتحرك بمباركة أمريكية ، فهل تمت بصلة إلى ما يجري في هذه اللحظات من ترتيبات توصف بالحاسمة حول الملف النووي الإيراني ، وإنهاء حالة الصراع في المنطقة ، والحديث عن ترتيبات جيوسياسية جديدة لخارطة القوى في المنطقة ؟ كيف ينبغي للحكومة العراقية أن تتصرف بإزاء هذه الترتيبات التي تعد من سياق “ترتيبات البوابات الخلفية” ، والتي يمكن أن تشكل أداة ضغط في ملف العلاقات التركية – العراقية المتعافي للتو؟

لا شك في أن حزمة الأسئلة المطروحة تفتح احتمالات متعددة ، تكون تلك الاحتمالات أكثر من سيناريو ومشهد لقادم الأيام من مستقبل المنطقة عموما ، والعلاقات التركية – العراقية خصوصا ، ولايمكن لنا أن نقف في هذه العجالة ، وقبل التثبت من حقيقة طبيخ قدور ديار بكر ، على نوع تلك المحتملات وكيفياتها ، فلعل موقف حزب العمال الكردستاني غير المرتاح للترتيبات البرزانية يقلب الطاولة رأسا على عقب من خلال الرجوع إلى العمل المسلح ، وتوأد كل تلك التريبات لعدم قدرة البرزاني على ضبط الطرف الكردي .

إننا في الوقت الذي نؤكد فيه حق الأكراد في العيش الآمن المطمئن في العراق وتركيا وسورية وإيران ، وأية بقعة من الأرض ، وكذلك حق الدولة التركية في البحث عن مخارج وحلول لمشكلاتها والتحديات التي تواجه دولتها ، نرفض أن تكون المصالح العراقية ، وحقوق العراقيين ، أو أي مجموعة أخرى جسرا للوصول إلى تلك النتائج ، ويبقى حق كل مكون عراقي محفوظا بقدر حرص ذلك المكون على انتمائه الوطني ودفاعه عن مصالح العراقيين كافة .

* د.نعمه العبادي - مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات - بانوراما الشرق الاوسط