لغــز إستهـداف السفـارة الإيرانيـة فـي لبنــان

لغــز إستهـداف السفـارة الإيرانيـة فـي لبنــان
الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٣٤ بتوقيت غرينتش

من الحرب غير المباشرة إلى الإستهداف المباشر.. دخل الصراع السعودي الإيراني مرحلة جديدة من المواجهة بعد أن قررت المملكة الوهابية إعلان الحرب مباشرة على إيران من خلال زعزعة إستقرارها في الداخل واستهداف مصالحها في الخارج بشكل مباشر، بعد أن كانت الحرب تتم بشكل غير مباشر من خلال إستهداف حلفائها في العراق وسورية والضاحية الجنوبية في لبنان.

وإذا كانت المواجهة قد إنتقلت من الإستهداف غير المباشر إلى الإستهداف المباشر، إلا أن الأسوب الجبان الذي يعتمد على الإرهاب الدموي الوحشي البربري التخريبي لم يتغير، لأن النظام الرجعي الظلامي في السعودية لا يملك من أوراق قوة غير الإرهاب الذي يستهدف به المدنيين الآمنين لإيصال رسائله الغبية إلى من يهمهم الأمر.

الإرهاب سلاح الضعيف والجبان المتخلف عقليا، الذي لا يملك المقدرات الفكرية والعلمية المنتجة للقوة المادية، التي تمكنه من مواجهة خصومه بالمنافسة الشريفة في المجال السياسي والمعرفي العلمي وغيره من مجالات التكنولوجيا الحديثة، التي تؤسس لتنمية حقيقية ونهضة حضارية ترفع من شأن مشيخته الرجعية الظلامية إلى مصاف الدول المتقدمة التي تنعم بنور الحداثة.

إنه صراع الظلام ضد النور، صراع الجهل ضد العلم والمعرفة، صراع العاجز اليائس، الذي يحاول فرض خياراته البئيسة الفاشلة على القوي، من خلال الفعل الجبان المنتج للقتل والدم والأشلاء والخراب.. هذا أسلوب غير منتج ولا يغير من الواقع شيئا لا في السياسة ولا في الإستراتيجيا، بقدر ما يسيىء لصاحبه من الناحية الدينية والإخلاقية والإنسانية، ويجعله منبوذا ومعزولا في المجتمعات المدنية المتحضرة.

السعودية تحارب بالوكالة عن إسرائيل..
الأمر لا يحتاج لإنتظار نتائج التحقيق فيما حصل من تفجير إيرهابي مزدوج استهدف السفارة الإيرانية مباشرة في لبنان صبيحة الثلاثاء من هذا الأسبوع، وذلك لسببين:

الأول، أن العالم أجمع، أصبح يعلم علم اليقين أن النظام الوحيد في العالم الذي يصنع الإرهاب ويجند الإرهابيين ويدربهم ويسلحهم ويمولهم هو النظام السعودي الوهابي الظلامي القروسطي المجرم، والشواهد في هذا المجال أكثر من أن تتسع لها آلاف الصفحات، من نيويورك إلى لبنان مرورا بافغانسان وباكستان وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والهند وروسيا والصين والعراق وسورية ومصر والأردن وليبيا والجزائر والمغرب والصومال ومالي وغيرها من الدول التي لا يسمح المقام هنا بجرد قائمة الأحداث الإرهابية التي وقعت فيها بتفصيل وأعلنت القاعدة وجماعات تكفيرية أخرى ممولة من قبل السعودية مسؤوليتها عن تلك الجرائم التي اعتبرها العالم في حينه جرائم ضد الإنسانية.

الثاني، أن تقارير إستخبارية غربية نشر موقع (Intelligence online) الفرنسي بداية هذا الأسبوع مقتطفات منها، تفيد ان الأمير المجرم عدو الله والدين والإنسانية المدعو ‘بندر بن سلطان’ رئيس جهاز الاستخبارات الوهابي، بدأ يكثف نشاطه في منطقة بلوشستان السنية الواقعة في شرق ايران من خلال دعم تنظيم سلفي أصولي معادي لطهران بهدف زعزعة استقرارها من الداخل.

ومعلوم أنه يوم 25 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، قامت مجموعة سلفية صغيرة تدعى “جيش العدالة” النشطة في اقليم ‘سيستان’ بمنطقة ‘بلوشستان’ بقيادة ‘عبد الرحيم زاده’ بقتل 16 من حرس الحدود الايرانيين لتستأنف بذلك نشاط مجموعة “جند الله” التي كان يتزعمها عبد ‘الملك ريغي’، الذي اعتقلته طهران وأعدمته بعد أن أجبرت طائرة مدنية صغيرة كانت تقله من باكستان إلى الإمارات بالنزول في إيران، وذلك على ضوء معلومات سرّية حصلت عليها المخابرات الإيرانية في حينه.

هذا وجه من أوجه الإستهداف الإجرامي الفتنوي الذي يعتمد شن حرب عصابات على إيران. وحسب الموقع المذكور، فقد طلب الأمير ‘بندر’ من المخابرات الباكستانية (ISI) تدريب عناصر ‘جيش العدالة’ على اعمال حرب العصابات، وتقديم السلاح اللازم لها لشن غاراتها داخل ايران.

ويبدو أن هدف السعودية من خلال هذه الحرب المعلنة هو الرد في الساحة الداخلية الإيرانية على تدخل الأخيرة في سورية من خلال حرسها الثوري، ما ساهم في هزيمة فلول الإرهابيين الذين جندتهم السعودية لإسقاط نظام الأسد، وقد رصد لهذا المشروع مبلغ 500 مليون دولار لتمويل هذه الجماعات التكفيرية بهدف تثوير الاقليات العرقية داخل ايران، لإشعال فتنة مذهبية لم تنجح في إضرام نارها بالعراق، رغم عشرات السيارات المفخخة ومئات الجرحى الذين يسقطون كل شهر منذ الإنسحاب الأمريكي من بلاد الرافدين، ويعود سبب فشل السعودية في إضرام نار الفتنة المذهبية في العارق إلى أن شعب ما بين النهرين له منسوب مرتفع من الوعي والشعور الوطني والإنفتاح على الآخر.

ومعلوم أن طهران من جهتها، نفت في أكثر من مناسبة ما تروجه السعودية حول تدخلها في سورية، وأكدت على لسان مسؤولين كبار أنها لا تبعث بمقاتلين أو سلاح إلى بلاد الشام، بل لديها فقد أطر لتدريب الجيش السوري على حرب العصابات في إطار إتفاقية التعاون في المجال الفني العسكري.

وذكرت تقارير استخبارية اخرى نقلت فحواها صحيفة (المنــار) المقدسية، ان المخابرات السعودية تقف خلف عملية اغتيال الشهيد ‘سفدار رحمت أبادي’ نائب وزير الصناعة والتجارة الايراني يوم الاحد قبل الماضي اثناء محاولة استقلال سيارته من أمام بيته بطهران. ومعلوم أن هذا الفعل الإجرامي البشع جاء كردة فعل سعودية مباشرة على إجتماع السداسية مع إيران في جنيف وتسريب معلومات تفيد بقرب التوصل إلى إتفاق إطار بين الجانبين في الملف النووي.

ماذا يعني إستهداف السفارة الإيرانية في لبنان؟..
اليوم يختلف الأمر جملة وتفصيلا، لأن إستهداف السفارة الإيرانية في لبنان تحديدا، والتي تمثل رمز سيادة الجمهورية الإسلامية، لا علاقة له بالحرب في سورية، بل بمسودة إتفاق سري توصلت إليه الإدارة الأمريكية مع إيران على هامش مناقشة الملف النووي الذي سيشرع في مناقشة تفاصيل الإتفاق النهائي بشأنه الأربعاء من هذا الأسبوع في جنيف، وعنوان الصراع هذه المرة هو لبنان بالذات والصفات، أما الرسالة فموجهة للإدارة الأمريكية مباشرة من قبل السعودية وإسرائيل، ومفادها أن إيران التي تم إستهداف سفارتها ببيروت لن تظفر بلبنان لتضمه لمحورها الإقليمي حتى لو أدى الأمر لعرقنة هذا البلد.

ومن قراءة مشهد التفجير المزدوج الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت وذهب ضحيته 24 شهيدا مدنيا بريئا بينهم الملحق الثقافي الإيراني وأكثر من 150 جريح، يتبين بوضوح لا لبس فيه أن المستهدف هو إيران، وأن الفاعل هو السعودية بتحالف مع الكيان الصهيوني الذي تتقاطع مصالحه وأهدافه مع مصالح وأهداف مملكة الشر الوهابية، والغاية كما يتبين من خلال المعطيات التي بني عليها هذا التحليل هي إشعال لبنان كي لا تظفر به إيران حتى لو تطلب الأمر حرق اليابس والأخضر في هذا البلد الجيوستراتيجي الصغير الذي يوجد على حدود التماس مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، من هنا، على أمريكا أن تفكر ألف مرة ومرة قبل أن تسمح لإيران بوضع قدمها على الحدود مع فلسطين المحتلة، الأمر الذي يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل..

وهذا هو معنى أن تسارع إيران وسورية وحزب الله لإتهام إسرائيل ووكلائها وأدواتها في إشارة ضمنية إلى السعودية وأدواتها في لبنان من ساسة وأمنيين ورجال دين، يشكلون البيئة الحاضنة للإرهاب، ويعتاشون على المال الحرام خدمة للأجندة الصهيو – وهابية في هذا البلد الصغير. باعتبار أن صاحب الرسالة هي إسرائيل، والمنفذ هو السعودية من خلال أدواتها المحليين في لبنان بالوكالة، أما المعني بالأمر فهي الولايات المتحدة عشية إجتماع جنيف لثنيها عن إدراج لبنان ضمن المحور الإيراني في المنطقة.

ويشار إلى أن السعودية لم تحاول مطلقا التدخل في شؤون ايران لزعزعة استقرارها بشكل مباشر، بل كانت دائما تحاربها من خلال إستهداف حلفائها، لكن بعد الحوار الايراني الامريكي وقرب التوصل الى اتفاق حول برنامج ايران النووي بما يؤدي الى رفع الحصار تدريجيا، تغير الامر، وقررت السعودية واجهزة مخابراتها بالتنسيق مع المخابرات الصهيونية على وجه التحديد، العمل داخل لبنان من خلال حرب استنزاف أمنية لخلط أوراق الأمريكي والروسي في المنطقة بعد أن تقرر إلحاق سورية والعراق ولبنان واليمن بالمحور الإيراني.

بنود الإتفاق السري الأمريكي الإيراني..
وفي هذا الصدد ذكر مصدر رسمي عربي لمدير قناة الميادين ‘غسان بن جدو’ أن المباحثات في جنيف بين السداسية وإيران لا تتناول فقط الملف الإيراني الظاهر للعيان، بل هناك ملفا ضخما بعنوان “الأمن الإقليمي”، ويتضمن بنودا تفصيلية حول قضية الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بنفس الضمانات التي حصلت عليها الإدارة الأمريكية قبيل إنسحابها من العراق.. وملف العراق بتعقيداته السياسية حيث ستتولى إيران معالجتها بما يضمن حقوق جميع الطوائف وفق أحجامها.. وملف الأمن الخليجي الذي تقول إيران أنها مكون من مكونات منطقة الخليج وأنها لا تهدد مصالح أية دولة عربية بالمنطقة ولا تتدخل في شؤونها.. وملف تركيا الذي حصل توافق وتقاطع بين الأمريكي والإيراني على أن تحيد تركيا من الحلف الإيراني، باعتبارها دولة أطلسية بغض النظر عن النظام الحاكم، إسلامي أو علماني، في حين أن إيران دولة إسلامية شيعية، وبالتالي، تعتزم أمريكيا وضع مشيخات الخليج ومصر تحت المضلة الأمنية التركية، وهو ما ترفضه السعودية ومصر بالمطلق، لكن إدارة أوباما تصر على فرض رؤيتها الجديدة في المنطقة.. وملف الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة، حيث تم التوافق على أن تشكل إيران المضلة الأمنية للعراق وسورية ولبنان، ولا يعرف بعد مصير اليمن الذي ترفض السعودية أن يكون حزءا من دول الخليج بسبب كثافة سكانه وما يمكن أن يشكل ذلك من مخاطر على أمن السعودية.

وعلى ضوء هذه المعلومات الأولية، يتبين أننا اليوم أمام إتفاق إستراتيجي كبير، تحدثنا في المقالة السابقة عن بعض معالم التحولات الكبرى المقبلة في المنطقة قبل الحصول على هذه المعلومات التي جائت لتؤكد صحة ما ذهبنا إليه بالتحليل.. وهذا ما أثار غضب وهستيريا السعودية وإسرائيل، ليتبين أن خلفيات حنونهما لا علاقة لها بالملف النووي الإيراني، بل بدور إيران الإقليمي تحديدا.

فرئيس الوزراء نتنياهو من منطلق رؤية إستراتيجية تتعلق بوجود إسرائيل ومصيرها أعلن على الملأ وأمام العالم بان الصفقة المتبلورة هي خطأ تاريخي. واسرائيل لن تكون ملزمة بها، ليس لانها جيدة أو سيئة، بل لأنها تمثل خطرا وجوديا على الكيان الصهيوني. لقد أودعت اسرائيل مصيرها في المفاوضات التي تعرفها هي بانها تتعلق بموضوع “وجودي” في ايدي وصي، وافترضت انه سيعمل حسب توجيهاتها، لكن الوصي الأمريكي رفض التوجيهات الإسرائيلية وعمل وفق مصاله وما يخدم أمنه القومي وترك إسرائيل تواجه قدرها لوحدها، هكذا يقول ‘نتنياهو’ لوزراء حكومته.

خلاصــة..
من الواضح أن خوف إسرائيل من إيران ليس سببه النووي كما تروج لذلك علنا بمعية السعودية، لأن الدول لا يزيد نفوذها بفضل تسلحها النووي، بدليل أن القنبلة التي لدى باكستان لم تغير مكانتها في كشمير وفي افغانستان. والصين نفسها لم تصبح قوة عظمى بسبب ترسانتها النووية بل بسبب قدرتها على الانتاج، وفرنسا التي تمتلك سلاح نووي منذ الخمسينيات لا تستطيع أن تأثر على جيرانها الأوروبيين أكثر من ألمانيا الغنية والقوية بصناعاتها وإنتاجها وليس لها مثل هذا السلاح.

ويتسائل الكاتب ‘يرون لندن’ في مقالة له حول السلاح النووي الإيراني نشرتها صحيفة يدعوت أحرموت الإثنين: هل حزب الله سيتعاظم لأن لدى الدولة التي ترعاه سلاحا نوويا؟ وهل عدوانيته ستزداد لهذا السبب أم ان ايران ستفرض عليه حذرا أكبر؟..

هذا هو السؤال الحقيقي الذي لا يطرحه الإعلام الصهيوني ليفضح حقيقة نوايا رئيس حكومته من الحملة المجنونة على إيران، والتي تتمثل في رفضه أن تضع طهران قدمها في لبنان على حدود كيانه المصطنع، وهي الدولة التي تهدد وجوده بالزوال.

‘افرايم هليفي’ رئيس الموساد الأسبق يقول في هذا الصدد: “لقد نشأ وضع تدير فيه ايران مفاوضات مع ست قوى عظمى على موضوع مصيري لكل دول الشرق الاوسط بغياب تلك الدول. ولا تْدعى أي دولة، ولا تحضر أي دولة، ولا تلتزم أي دولة بالنتائج. هذه وصفة لسلسلة مواجهات لا تنتهي بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.

من هنا كان لزاما على إسرائيل التحالف مع مملكة الشر الوهابية للتصعيد ضد إدارة ‘أوباما’ ولتخريب الإتفاق الإمريكي الإيراني السرّي، من خلال معارضة ما أصبح يعرف بالنووي الإيراني عبر الوكيل الفرنسي. ومن الواضح أن الأمر لا يعلق بتوزيع أدوار، بل بخلاف جدي يتعلق بقضايا مصيرية تتعلق بمستقبل إسرائيل ومصير مملكة الشر الوهابية.

وليس صدفة أن يتزامن الهجوم الإرهابي على السفارة الإيرانية في لبنان لبعث رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها، أن لبنان لن يكون موقع قدم للإيراني على الحدود الفلسطينية المحتلة مهما كلف الأمر، وفي حال أصر ‘أوباما’ على الإتفاق السري وتم توقيعه مع الإيراني، فمعنى ذلك أن لبنان سينفجر بالتأكيد..

إيران وحزب الله يعرفان هذه الحقيقة، ولهما حسابات قد لا يكون الأمريكي والروسي بعيدين عن تفاصيلها.. ومهما يكن من أمر، فالتغييرات الكبرى في تاريخ الشعوب تولد دائما من رحم المعاناة.
*أحمد الشرقاوي - بانوراما الشرق الاوسط