إيران قوة إقليمية.. على حقول ألغام متفجرة

إيران قوة إقليمية.. على حقول ألغام متفجرة
الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٢:٢٨ بتوقيت غرينتش

إذا كان الإتفاق النووي الغربي – الإيراني الذي تمّ بهندسة روسية – أمريكية قد توّج إيران قوّة إقليمية “نظريّا”، شريطة أن تُتبث حسن نيّتها “عمليّا” في الملف النووي وتُعدّل من سياساتها تجاه دول المنطقة في مدة إختبار حُدّدت بستة أشهر، فإن نجاحها في تكريس هذا الدور الجديد تواجهه تحديات أمنية كبيرة مرتبطة بالإرهاب ومخاطر إندلاع فتنة مذهبية من ناحية، وعقبات سياسية مُركّبة لجهة بلورة رؤية إستراتيجية براغماتية تكون جذابة لدول المنطقة من دون أن تصطدم بالإديولوجية السلفية القائمة، والمرتبطة ارتباطاً عضوياً بمفهومي المجتمع والتاريخ من ناحية أخرى.

هذا يعني أننا أمام معادلة صعبة إن لم تكن مُستحيلة التفكيك إقليميا من دون تدخل الإدارة الأمريكية و روسيا لضبط إيقاع الصراع المرشح للتفاقم في المرحلة المقبلة، ما يُصعّب من عمليّة توقُّع نجاح إيران لوحدها في إدارة ملف الأمن الإقليمي في بيئة مُعادية ومُتفجّرة في أكثر من بلد (العراق، سورية، لبنان، البحرين، اليمن، فلسطين، الأردن)، ما يُحتّم عليها تقديم تنازلات مُؤلمة للسعودية، تُشعر هذه الأخيرة بأنها ليست مهزومة كما يُعتقد وفق معادلة (ربح – ربح).

وبالتالي، فالحديث عن إنتصار إيران لن يكتمل إلا إذا نجحت طهران في تبديد الهواجس المرتبطة بالإديولوجيا الدينية “الشيعيّة – السُنيّة”، وتفكيك الألغام التي زرعها الغرب في المنطقة منذ “سايس – بيكو” إلى الإعتراف بدولة إسرائيل وما نتج عن ذلك من وقائع جديدة على الأرض فرضتها نتائج الحروب التي عرفتها المنطقة خلال العقود الستة الماضية.
رهان التوفيق بين الاستراتيجيا و الايديولوجيا..

ما من شك أن إيران اليوم أمام هدية مسمومة قد تكون أمريكا والغرب أرادوا من ورائها حفظ التوازن في المنطقة لضمان أمن إسرائيل وحماية السعودية ومشيخات الخليج بمقاربة مغايرة من خلال تطبيق نظرية قديمة جديدة أصبحت تعرف بإسم “الضد النوعي” أو “إسلام ضد الإسلام”، لتضرب الشيعة بالسنة بعد أن فشل الإرهاب في تعديل موازين القوى على الأرض سواء في العراق أو سورية، لكن هذه المرة وفق لعبة الكلمات المتقاطعة باستبدال كلمة “الإرهاب” بكلمة “الجهاد”، في منطقة أرادها الله أن تكون منبع الرسالات ومهد الحضارات وبؤرة الحروب والصراعات التي عرفها العالم منذ بداية الخلق وإلى أن تتبدل السماوات غير السماوات والأرض غير الأرض.

الهدف من المقاربة الأمريكية الجديدة التي توقعناها وتحدثنا عنها بإسهاب قبل تنفيذها في مقالة سابقة بعنوان “الإستراتيجية السعودية الجديدة: من الإرهاب إلى الجهاد”، هو إلتفاف مكشوف على الإتفاق الروسي الإمريكي في الشأن السوري فيما له علاقة بالإستراتيجية الدولية المجمع تدارسها في مؤتمر “جنيف 2″ تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، وإعتبار “الجهاد” أمر مختلف عن “الإرهاب” بالتعريف.. هذا لعب بالنار من خلال استبدال مصطلح بآخر من دون أن يكون للأمر معنى مغاير على الأرض.

وقد تبيّن صحّة ما ذهبنا إليه من خلال تصريح السفير الأمريكي ‘ روبرت فورد’، المكلف بالملف السوري، حيث التقى الأسبوع الماضي في تركيا مسؤولين من “لواء التوحيد” وجماعة “أحرار الشام”، لبحث عملية ضم ممثلين عن هذه المجموعات إلى العملية السياسية، من منطلق أن الجماعات “الجهادية” المسلحة التي لا تندرج علناً في خط تنظيم “القاعدة”، والتي تؤدي دوراً ميدانياً كبيراً في المعارك ضد الجيش السوري، ينبغي تأطيرها سياسياً عبر “الائتلاف”، وإعادتها تحت إمرة “هيئة الأركان” التي يقودها المدعو ‘سليم إدريس’.

هذا، علما أن “لواء التوحيد” يعتبر الدراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين. أما “أحرار الشام” التي يقاتل تحت لوائها ما يقارب 15 ألف إرهابي بقيادة ‘أبو عبد الله الحموي’، فهي حليفة لـ”جبهة النصرة” الموضوعة على لائحة الإرهاب الأميركية. وبهذا، تصبح هذه الجماعات الإرهابية تمثل العمود الفقري لما يسمى بـ “جيش الإسلام” الذي أسّسته السعودية وأوكلت إمرته للإرهابي ‘زهران علوش’ تحت مسمى “الجهاد” في سورية ضد الإحتلال “الشيعي”.

ووفق آخر المعطيات فإن عدد التكفيريين الذين يقاتلون اليوم في سورية بلغ 60 ألف مقاتل، كلما سقط عدد منهم إلا وعُوّض بآخر ضعفه إنطلاقا من معسكرات التدريب بالأردن. ومعلوم أن الأردن لا يقوم بذلك بطلا، بل مُكرها بعد أن تم تهديده بتحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين في حال رفضه، ما جعله يُضيّع الدور والبوصلة، ويتحوّل إلى لعبة تتقاذفها أهواء الساسة ورياح السياسة في المنطقة.

كما وأن السعودية وفق آخر المعلومات التي تحدثت عنها جريدة ‘الأخبار’، قد أسست جيشا قوامه 15 ألف إرهابي من ‘جبهة النصرة’ و ‘داعش’، متواجد اليوم بالشمال اللبناني (عرسال، عكار، طرابلس)، مدججا بالأسلحة والمتفجرات في إنتظار الأوامر ‘البندريّة’ لتفجير الساحة اللبنانية، ناهيك عن عشرات السيارات المفخخة التي يحاول أصحابها من حين لأخر إختراق الإجراءات الأمنية للتفجير في هذا المكان أو ذاك للقول “نحن هنا”. وما يؤكد نية السعودية الخبيثة والمُبيّتة ضد حزب الله، هو ما سرّبه الإعلام اللبناني مؤخرا عن زيارة الرئيس ‘ميشال سليمان’ للرياض، حيث بدل أن يجد تفهُّما لدى الملك ‘عبد الله بن عبد العزيز’ لجهة تشكيل حكومة سياسية جامعة تنقذ لبنان من الكارثة، إذ به يقول له: “اطلب من الجيش اللبناني أن يُهاجم حزب الله وينزع سلاحه” (؟؟؟).

أما العراق فحدّث ولا حرج، فلم تعد التفجيرات اليومية التي تهز هذا البلد العربي العريق وتُخلّف عشرات الضحايا بين شهيد وجريح تُثير شهيّة الإعلام، بعد أن أصبحت عناوين فرعية عادية، قد تثير الإستغراب إن لم تتحدث عنها الصحف كل صباح.

وها هي الحكومة اليمينة، وخصوصا وزير داخليتها وقيادة الجيش، يعلون الحرب على الحوثيين بالوكالة، فيحرضون السلفيين ضدهم ثم يتّهمون إيران بإثارة المشاكل وعدم الإستقرار في اليمن، ويقيمون حواجز في الطرقات لمراقبة السلاح، وقد يعتقلون حوثيا يحمل مسدسا للدفاع عن نفسه، لكنهم يغضون الطرف عن مرور عشرات السيارات المُحمّلة بالإرهابيين والسلاح، القادمين من خارج اليمن والمُتوجّهين لمحاربة الحوثيين في الشمال.

وحتى لا نختبأ وراء أصبعنا، علينا الإعتراف بأن الصراع اليوم هو بين السعودية وإيران بالوكالة، وأن الساحات المشتعلة هي تلك التي تدخل ضمن إطار حلفاء طهران، في حين أن حلفاء السعودية ينعمون بالأمن والإستقرار، ما يؤكد عدوانية مملكة الشر الوهابية وإصرارها بتحريض من إسرائيل على تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة بالعنف والإرهاب بعد أن خسرت كل رهاناتها بالمال وبالتحريض على العدوان وبالسياسية.

ومع ذلك، يُصرُّ الإعلام على تسمية السعودية وادواتها بمحور “الإعتدال” وإيران وحلفائها بمحور “التطرف” و “الإرهاب”. هذا في الوقت الذي يعلم الجميع أن الإديولوجية الوهابية الدينية تتقاطع مع الإديولوجية الصهيونية العنصرية في العقيدة الفاشية التي تقوم على كره الآخر والعمل على إلغائه بالعنف الدموي.

التحالف الجديد الذي عملت على إقامته الرياض بتخطيط من إسرائيل وعززته بانضمام مصر، أصبح يمثل اليوم القوة الضاربة ضد المحور الإيراني. وقد كان لافتا تصريح المسؤولين في مصر أن القاهرة تعتبر أمن الخليج من أمن مصر، بل وذهب وزير الخارجية المصري حد القول مؤخرا، أن مصر مستعدة للدفاع عن النظام في البحرين.. لكن ضد من؟.. ضد الشعب المظلوم، المقهور، المسالم الذي يواجه آلة القمع البحرينية والسعودية بصبر وثبات للحصول على حقوقه المشروعة في العيش الكريم والحرية الدينية والمشاركة السياسية باعتباره يمثل أغلبية السكان في الجزيرة (أكثر من 70%).

مصر لم تعد مصر التي كنا نعرفها زمن الزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله، و’السيسي’ ليس سوى أداة سعودية تُسوّق لها إسرائيل باعتبارها نسخة طبق الأصل من “ناصر” الزعيم، لتوصلها إلى سدة الحكم من خلال صناديق الإقتراع في الرئاسيات المقبلة، وسط هتافات الشعب الحماسية “تسلم الأيادي” من دون أن يفهم الشعب المصري الطيب أن الأيادي التي تحضر له الطبخة هذه المرة هي أيادي صهيو – وهابية، بدليل أن من مول حركة تمرد ووقف ورائها وخطط لها ثورتها المزعومة هو عميل كبير لإسرائيل أصبح معروفا بالإسم والصفة والعنوان.. وعندما قلنا قبل فترة، في عز حماسة المصريين بما بدى لهم أنه “ثورة”، بأن السعودية تتعاون مع إسرائيل لإعادة إنتاج حكم جديد في أرض الكنانة لا يختلف في شيىء عن حكم المخلوع ‘مبارك’، سيكون عنوانا لمرحلة جديدة من الإستبداد والفساد والعمالة، تعرضنا للهجوم الشرش والشتيمة اللاذعة من قبل بعض المثقفين المصريين، واتهمنا بالخيانة للعروبة والعمالة لإسرائيل..(سامحهم الله إلى يوم الدين).

لم يكن من قبيل الصدفة ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط الثلاثاء، برغم إعتراف السعودية بتحفظ على الإتفاق المبدئي الغربي الإيراني حول الملف النووي من باب إبداء الليونة الخبيثة لعدم الظهور بمظهر الدولة الخارجة عن الإجماع الدولي، لأن لا ثقة بالسعودية كما بإسرائيل، لأنهم يعلنون شيئا ويضمرون شيئا آخر، وهو ما كشفت عنه الصحيفة السعودية بالقول: أن “الرياض تعتبر أن الإتفاق الغربي الإيراني يمثل تهديدا خطيرا لنفوذها ووجودها معا”، في حين إعتبرت إسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها أن: “الإتفاق يمثل خطئا تاريخيا وتهديدا وجوديا لإسرائيل”.

ويلاحظ أن السعودية كما إسرائيل يتحدثان عن “خطر وجودي”، خصوصا بعد أن بدأ الشعور بالعزلة ينتاب هاتين الدولتين المنبوذتين، بسبب تحالف “السرطان” مع “الكوليرا”، ما أدى إلى إنتشار الشر المسمى “إرهابا” وتفشي القتل والخراب من اليمن إلى روسيا والصين مرورا بلبنان وسورية والعراق ومصر وليبيا وتونس وقريبا الجزائر، من دون أن يطال إسرائيل أو أوروبا عبر تركيا أو أمريكا، لأسباب لا يعلمها سوى بندر بن سلطان ورهطه في مخابرات واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الغربية.

وهنا أود أن أعتذر من أصحاب “الفكر القومي” الذين يعتبرون أن الصراع بين السعودية وإيران هو صراع بين محور عربي تمثله السعودية ومصر، ضد محور فارسي تمثله إيران وآخر عثماني تمثله تركيا، بالإضافة إلى أنه صراع إديولوجي شيعي – سني ثم إخواني – وهابي.. هذه معادلات كثيرة متداخلة ومعقدة، يتطلب التعاطي معها لتفكيك مفاهيمها من وجهة نظر معرفية الكثير من النقد لسبر أغوار إشكالاتها الدينية والسياسية وفهم المآزق التي أدخلت الأمة “عربا ومسلمين” فيها، وتفسير الإخفاقات والنكبات التي أنتجتها في دنيا الناس، قبل الحديث عن الإمكانات المتاحة للخروج منها.

لأن ما يهمنا هنا اليوم تحديدا، هو معرفة كيف ستتعاطى إيران مع هذه الهدية المسمومة، لإدارة ملف “الإرهاب” المرتبط بالإديولوجيا، وملف “المصالح” المرتبط بالإستراتيجيا، علما أن إيران لا تملك عصى سحرية، ولا تتمتع بتفويض دولي لتغيير مثل هذا الواقع بالقوة المادية، بالرغم من خروج تركيا كقوة أطلسية من حلبة الصراع الإديولوجي في المنطقة، وتركيزها على مصالحها الإقتصادية.

فبالنسبة لملف “الإرهاب’ الذي يتهدد المنطقة اليوم والعالم غدا، يتطلب الأمر كما هو معلوم معالجة أمنية بالتوازي مع المعالجة السياسية. بمعنى، أن المعالجة الأمنية لضرب التجمعات الإرهابية لا تكفي للقضاء على هذا الشر من دون تجفيف منابعه الفكرية والتمويلية ومقرها السعودية بالأساس.

وإذا كانت إيران وحلفائها في العراق وسورية ولبنان يستطيعون مواجهة الإرهاب بالتصدي له أمنيا ومحاربته عسكريا، فمن الواضح للجميع أن هذه المقاربة وإن كانت ضرورية إلا أنها غير ناجعة ويستحيل أن تنجح في القضاء على هذه الظاهرة الشيطانية من دون القضاء على من يصنع الإرهاب بالإديولوجيا ويموله ويدعمه بالمال والسلاح والتدريب، وهذا مستوى حساس يصعب التعامل معه بمنطق العنف المادي من خلال استهداف السعودية مثلا، لما يمكن أن يترتب على مثل هذه المغامرة الخطيرة من تفجير للمنطقة برمتها.

هذا يعني، مبدئيا، أن على الغرب صانع السعودية وإسرائيل وحاميهما، التدخل لوضع حد لنهجهما الإنتحاري الهادف إلى زعزعة أمن المنطقة واستقرارها وعمل المستحيل لإفشال الإتفاق الغربي الإيراني بعد أن أعلنتا عدم الإلتزام بنتائجه.. لأنه وبرغم تصريح وزير خارجية بريطانيا ‘وليام هيغ’ الإثنين أمام البرلمان والذي قال فيه: “يجب ان نثبط أي أحد في العالم بما في ذلك اسرائيل عن اتخاذ أي خطوات تقوض هذا الاتفاق وسنجعل ذلك واضحا جدا لكل المعنيين” في إشارة ضمنية إلى السعودية، فمن غير الوارد أن تقوم أمريكا وحلفائها بذلك لتقدم لإيران وروسيا منطقة آمنة من دون مشاكل على طابق من ذهب.. خصوصا وأنها قررت الخروج منها بعد أن أنهكتها حروبها العبثية مع الإرهاب، ولا ترغب في إستعداء السعودية لرمزيتها الدينية حتى لا تحصد عداء السنة في العالم بسبب الجهل المستشري لدى عامة المسلمين الذي لا يفرقون بين الدين والفهم الديني، بين الحقائق القرآنية والتفسيرات التأويلية التي تستبدُّ بالمعنى خدمة لإهداف سياسية.. هذا أمر يتجاوز حدود الممكن لإنه يتعلق بمناهج التربية والتعليم وإعادة تركيب المفاهيم وصياغة وسائل جديدة لبناء العقول بشكل سليم.

كما أن علماء الأمة أنفسهم عجزوا عن التوصل إلى فهم مشترك للتقريب بين المذاهب الإسلامية بسبب الخلاف الضارب جذوره في التاريخ من جهة، وهيمنة السياسي على الديني وحاجة الأنظمة التيوقراطية الفاسدة المستبدة للإديولوجيا الدينية لضبط الجماهير وإخضاعها لسلطانها الدهري، أي تكريس منهج التجهيل، من جهة أخرى.

اليوم نحن أمام حائط الإديولوجيا المنيع، الذي يبدوا عائقا حقيقيا أمام أي تقارب إيراني سعودي فيما تسميه إيران بـ”الوحدة الإسلامية”، والتي تعتبر السعودية نفسها ممثلة لـ 90% من “السنة” في العالم العربي مقابل 10% من الشيعة الذين تمثلهم إيران، فقط لأنها تعتبر مفسها المهيمنة على الأماكن المقدسة التي يحج إليها ملايين المسلمين كل سنة.. كما أن مفهوم “الإسلام” بالنسبة للسعودية مفهوم ضيق لا يسع إلا أتباع المذهب الوهابي من السعوديين حصريا دون سواهم، مستبعدا ما عداه إلى دائرة البدعة والضلال بالنسبة لغير الوهابيين، وإلى دائرة شرذمة البشر بالنسبة لغير السعوديين حتى لو كانوا وهابيين.. فعلى أي أساس ستقبل السعودية بالوحدة الإسلامية التي ترى فيها بابا تتسلل منه إيران لنشر إديولوجيتها؟.. هكذا تفكر الفاشية الوهابية.

كما أنه من غير الوارد أن تقبل السعودية بترتيبات أمنية وسياسية في المنطقة من دون أن ترضى عنها إسرائيل، خصوصا وأن السعودية هي الحليف المخلص للكيان الصهيوني في المنطقة، وقد كان فاضحا ما أوردته صحيفة ‘يدعوت أحرنوت’ أمس من أن “السعودية هي الصديق الوفي والمخلص الوحيد الذي لدى إسرائيل في المنطقة بعد أن تخلت عنها أمريكا”، مضيفة: “إن السعودية هي مشعل النور الوحيد الباقي في ظلمات الشرق الأوسط”. وبالتالي، يعتبر من سابع المستحيلات أن تقبل إيران بأي شرط سعودي يتعلق بأمن إسرائيل وهي التي واجهت أمريكا والغرب لأزيد من 30 سنة بسبب فلسطين تحديدا، وعانت ما عانته من حروب ظالمة وحصار شديد أضعفها لكنه لم يقصم ظهرها ولم يعطلها في سباقها المحموم للحاق بقطار المعرفة والعلوم والتكنولوجيا، ما جعلها اليوم في مصاف أرقى الأمم.

أما المقاربة الإستراتيجية التي تعتمد تغليب لغة المصالح والقبول بتوازنات جديدة تضمن للسعودية نفوذها السياسي ومصالحها الإقتصادية، فقطعا ستكون إيران هي الخاسرة الأكبر والسعودية هي المنتصرة بعد أن كانت مهزومة.. لماذا؟…

لأن السعودية لا تثق في إيران، وتتهمها بأنها تتدخل في شؤون دول الخليج "الفارسي" (البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية مثالا)، وشؤون العرب (فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق نموذجا)، وتعتقد أنها تلجأ لمبدأ “التقية” لإخفاء نواياها الحقيقية حتى لو قدّمت عمليا بعض التنازلات الشكلية لطمأنة الجانب السعودي في بعض الملفات السياسية في بلدان المنطقة. وبالتالي، فشرط عدم تدخل إيران في سؤون المنطقة في الوقت الذي يحق للسعودية العبث بشؤونها كما تريد وتشاء أهواء أمرائها خدمة لمصالح أبناء عمومتها الصهاينة، تجعل من كل مقاربة سياسية تصطدم بحائط ثاني مسدود.

هذا يعني أن السعودية سترفض أي حل يجعل من إيران قوة إقليمية على حساب نفوذها القديم.. قد تقبل الرياض بالحوار، وقد تستقبل الرئيس ‘نبيه بري’، والرئيس ‘هاشمي رفسنجاني’، وكل من يرغب في زيارتها للحديث عن التوافق السياسي والمصالح المشتركة باسم “الإسلام” و العروبة” و “الأخوة” وكل الشعارات الجميلة التي يسوقها الإعلام للشارع العربي المسحور.. لكن هناك قضايا من المستحيل أن تقبل بها إيران وحلفائها، وهي القضايا التي تصر عليها السعودية لعلمها أن إيران لن تقبل بها، وبالتالي، فطهران ستبدو هي من ترفض التسوية على أساس الحلول السياسية والمصالح المشتركة لا الرياض.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- هل ستقبل إيران بـ”الجربا” رئيسا لسورية بديلا عن الأسد، لأن السعودية ترفض مجرد الحديث عن إسمه فأحرى بقائه في السلطة؟
- هل ستقبل إيران بحكومة عراقية يرئسها زعيم سني في بلاد غالبية مكونها شيعي؟
- هل ستقبل إيران بنزع سلاح حزب الله حتى لو قبلت بعودة الحريري رئيسا للحكومة وضمان مصالح السعودية في لبنان؟
- هل ستقبل إيران بالتخلي عن قضية فلسطين، ودعم المقاومة، وعدم عرقلة التسوية السياسية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني باعتبارها قضية عربية تهم العرب دون سواهم، وفق ما تزعم السعودية؟
- هل ستقبل إيران بترك شيعة البحرين والسعودية واليمن لقدرهم فلا تتدخل في شؤونهم ولا تدعمهم سياسيا بإعتبارهم مواطنين عرب وقضيتهم شأن عربي خاص تستغله إيران لبسط نفوذها في المنطقة كما تقول السعودية؟

هذه هي أهم الملفات المستعصية على الحل في المنطقة اليوم، بالإضافة لقضايا إقتصادية لها علاقة بتأمين ممرات النفط والغاز.. والمشكلة تكمن في إيران التي عليها أن تقرر أولا ما هي عناصر معادلة “ربح – ربح” بالنسبة لكل ملف على حدة قبل الذهاب إلى الرياض لإجراء مباحثات بشأنها.

وخلاصة القول، أن أمام الرياض وتل أبيب ستة اشهر كمجال كاف من أجل العمل على تخريب هذه الإتفاقية من خلال الضغوط السياسية الدولية والإرهاب الميداني.. وبموازات ذلك، تستطيع الرياض القبول بالتفاوض مع طهران لمحاولة كسب بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه بالإرهاب.

كما أن أمام إيران نفس الفترة لإستعاب الضربات والصبر والتحمل وإبداء حسن النية والإستعداد للحوار، وبعد أن يصبح الإتفاق النووي نهائيا، ليديها الوقت الكافي لإعادة ترتيب الأوراق مع حلفائها بما يعيد رسم السياسة والأمن وموازين القوى في المنطقة.

حينها، نستطيع الحديث عن الرابح والخاسر، وهذه هي الربع ساعة الأخيرة التي تحدث عنها سماحة السيد، والتي سيتم في نهايتها إعلان الإنتصار التاريخي الإستراتيجي الكبير.. ساعتها سيكون لكل حادث حديث.
* أحمد الشرقاوي - بانوراما الشرق الاوسط