الولايات المتحدة وحرب الباسيفيكي الجديدة

الولايات المتحدة وحرب الباسيفيكي الجديدة
الإثنين ٠٩ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٣٢ بتوقيت غرينتش

هذه المرة ليست كوريا الشمالية هي التي رفعت منسوب حالة التوتر التي تشهدها منطقة شرق آسيا. بل إن بكين هي ما جعل العديد من المراقبين يتساءلون عما إذا كان ما يجري هناك يحمل نذر المواجهة العسكرية بين العملاقين الأميركي والصيني.

فقد عمدت الصين في 23 تشرين الثاني /نوفمبر، إلى إقامة "منطقة دفاع جوي" تغطي قسماً كبيراً من بحر الصين حول مجموعة من الجزر التي تديرها اليابان وتطلق عليها اسم سينكاكو، بينما تعتبرها الصين جزأً من أراضيها وتطلق عليها اسم دياويو. إضافة إلى تايوان التي تعتبرها تابعة لها.
لا شك أن المعطيات الجغرافية تذهب باتجاه تابعية الجزر لتايوان لأنها لا تبعد عن شواطئها إلا 170 كم في حين تبعد حوالي 300 كم عن البر الصيني و400 كم عن شواطيء جزيرة آكيناوا اليابانية. لكن المشكلة تأخذ بعداً أكثر تعقيداً من الناحية السياسية لأن الصين تعتبر تايوان نفسها أرضاً صينية.
من الناحية التاريخية تشير أقدم الوثائق إلى كون هذه الجزر الثماني التي لا تزيد مساحتها معاً عن 6 كلم مربع هي صينية منذ القدم. لكنها سقطت مع تايوان وغيرها من بلدان المنطقة تحت الاحتلال الياباني عام 1895. وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية قام الأميركيون بإعادة تايوان إلى الصين لكنهم احتفظوا بالجزر حتى العام 1972، ثم وضعوها تحت الإدارة اليابانية زارعين بذلك بذرة شقاق جديدة بين البلدين الجارين.
والجزر غير مأهولة، لكن تقريراً للأمم المتحدة أشار عام 1969، ربما بهدف تغذية بذرة الشقاق، إلى احتمال وجود حقول نفط في المنطقة، ومن يومها نشب نزاع غير مسلح وإن تخللته بعض الحوادث المحدودة بين الصين واليابان وتايوان.
ومهما يكن من أمر فإن القرار الصيني قوبل بردود فعل قوية من قبل الجانبين الياباني والأميركي، ما يدلل على أن الولايات المتحدة التي تعمل حالياً على تعزيز وجودها العسكري في منطقة الباسيفيكي غير مستعدة للتراجع عند أول اختبار عن منطقة تعتبرها فائقة الحيوية بالنسبة لمصالحها بعد التراجع الذي منيت به في الشرق الأوسط. 
لذا، أعلنت واشنطن أنها ستدافع عن الجزر موضع الخلاف بموجب معاهدة أمنية سبق وأبرمتها مع اليابان. وبهذا المعنى، أكد نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي زار كلاً من طوكيو وبكين وسيول وسط هذا الجو المشحون بالتوتر على وجود بلاده الدائم والقوي في منطقة الباسيفيكي.
ولم تكتف واشنطن بتوجيه التحذيرات بل أرسلت طائرات وسفناً حربية، وهو الأمر الذي ردت عليه بكين بالمثل. لكن أية صدامات لم تحدث حتى عندما قامت طائرات مدنية وعسكرية أميركية ويابانية بالتحليق فوق منطقة الحظر دون أن تحترم التهديد الصيني بإمكانية تعرضها لهجوم عسكري.
والحقيقة أن التهديد الصيني لم يكن صارماً بما فيه الكفاية بقدر ما وضع الرد في إطار الممكن لا أكثر. كما أن رد الفعل الأميركي لم يكن أكثر صرامة حيث أن طائرات بـ 52 التي حلقت فوق الجزر لم تكن مجهزة بأية أسلحة.
وبالطبع، لم يتوقع أحد أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، لكن الجميع يعرفون أن المنطقة مفتوحة على المزيد من التوترات. فالقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة غير بعيد عن الشواطيء الصينية في الفيليبين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، ونشر ما لا يقل عن 40 بالمئة من القدرات العسكرية الأميركية في المنطقة المحاذية للصين، يدلل على القلق الذي تشعر به واشنطن إزاء تصاعد القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، وإزاء الرغبة الصينية في توسيع مناطق نفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما أن البحر الأصفر الذي يشكل الطرف الشمالي لبحر الصين هو مسرح يومي للمناورات والاحتكاكات بين كوريا الشمالية من جهة وكوريا الجنوبية وحليفيها الأميركي والياباني من جهة أخرى. أما منطقة جزر الكوريل التي تسيطر عليها اليابان وتطالب بها موسكو فتجعل من روسيا -الطامحة أيضاً إلى الاستفادة من حالة التراجع التي تعاني منها الولايات المتحدة- لاعباً أساسياً في التنافس على منطقة الباسيفيكي.
في الماضي، انتصرت الولايات المتحدة في حرب الباسيفيكي التي توجت بإلقاء القنابل النووية على المدن اليابانية. في الحاضر، يبدو أن الأمور تتجه نحو حرب باسيفيكي جديدة من المبكر التكهن بمآلاتها، وإن كان القول ممكناً أن موازين القوى لم تعد اليوم راجحة لصالح واشنطن بالشكل الذي كانت عليه خلال حرب الباسيفيكي القديمة.

*العهد-ترجمة :عقيل الشيخ حسين