مجرمون عجلوا بأنفسهم إلى نار جهنم!

مجرمون عجلوا بأنفسهم إلى نار جهنم!
الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٢٨ بتوقيت غرينتش

للمرة الأُولى، وعلى خلاف كلّ مواقفه السابقة والمعتادة أصدر الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي السعودية، فتوى جديدة، رأى فيها أن مرتكبي الهجمات الانتحارية الذين أقدموا على قتل الناس من خلال تفجير أنفسهم استنادا إلى فتاوى كان أصدرها لهم مشايخ الوهابية ومفتوها، رأى فيها أن هؤلاء الانتحاريين هم مجرمون، ويستحقون ورود النار بسبب جرائمهم هذه.

هذه هي مقدمة لمقال بقلم سيد مهدي نوراني نشرته وكالة انباء اسيا تعليقا على تصريحات مفتي السعودية، حيث جاء فيه:

خلال محاضرة كان قد ألقاها في جامعة الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، قال المفتي ـ ردا على سؤال وجهه إليه طلبة جامعيون حول العمليات الانتحارية، وعن حكم أشخاص من المسلمين يقدمون على تفجير أنفسهم وقتل الآخرين بأحزمة ناسفة يلفون بها أنفسهم، ويزعمون أنهم بذلك مقبلون على الشهادة :

إن قتل النفس يعد جريمة كبيرة من كبائر الذنوب، وإن الذين يقتلون أنفسهم بهذه الأحزمة الناسفة هم قوم مجرمون عجلوا بأنفسهم إلى نار جهنم؛ لأنهم بذلك قتلوا أنفسهم وقتلوا غيرهم.

الملفت في الأمر أن المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وعلى العكس تماما من تصريحات سابقة له كان قد أدلى بها سابقا في مواقف ومناسبات مختلفة كان قد أشار إلى نقاط أخرى ترتبط بإدانة وتجريم الأشخاص الذين يقدمون على ارتكاب العمليات الانتحارية، معتبرا أن هذا الموضوع هو من المواضيع الحساسة جدا التي تتمتع بأهمية فائقة.

حيث كان قد أضاف في جوابه عن السؤال الذي طرح عليه في جامع الإمام تركي بن عبد الله: أن هؤلاء قد ضلوا عن سواء السبيل، وجرى تغيير أفكارهم، وأنهم قد أعطوا من المواد ما أوجب سلب عقولهم، ولم يعودوا قادرين على معرفة وتمييز الحق من الباطل.

وتابع أيضا: إن العمليات الانتحارية هي من الوسائل والأدوات التي استخدمها أعداء الإسلام من أجل أن يفتكوا بها في شباب الإسلام، وأن من أقدموا على هذه العمليات هم أشخاص تم استخدامهم لهلاك أنفسهم وهلاك المجتمع، وأنهم بذلك تحولوا إلى مجرد أدوات ووسائل يستغلها أعداء هذا الدين لتحقيق أغراضهم ومآربهم التي منها استهداف مجموعة جديدة من الناس يوما بعد يوم. كما أشار إلى أن مثل هذه الأفكار هي أفكار تحارب العقيدة والمجتمع المسلم المستهدف دوما من أعدائه.

هذه الفتوى المفاجئة وغير المتوقعة التي صدرت عن مفتي المملكة السعودية، بالرغم من أنها تأخرت كثيرا حتى صدرت، لكنها ـ مع ذلك ـ تعد خطوة جديرة بالاعتناء والملاحظة، وهي في الوقت نفسه تطرح هذا السؤال المهم، وهو أنه ما الذي دفع المفتي السعودي اليوم إلى أن يبادر لإصدار مثل هذه الفتوى؟

هذا السؤال يكتسب أهمية أكثر في هذه المرحلة عندما نلاحظ سابقة وتاريخ الفتاوى التي تحدثت عن العمليات الانتحارية، وأنواع وأقسام جرائم القتل والاعتداءات والانتهاكات وعمليات التخريب والترويع التي ارتكبت خلال السنوات الأخيرة ضد المسلمين في غير واحد من البلدان الإسلامية، من العراق إلى سوريا إلى أفغانستان إلى باكستان إلى غيرها من بلدان المسلمين، وكذلك عندما نستذكر أن ٢٦ من مفتي السلفية وشيوخها كانوا قد اجتمعوا في العام ٢٠٠٥ ليصدروا فتوى شرعوا من خلالها ما أسموه بـ وجوب الجهاد في أرض العراق، داعين بذلك كل أنصارهم ومؤيديهم ومقلديهم إلى قتل، بل وإبادة الناس في هذا البلد، وحاثين إياهم على تدمير وتخريب الأماكن الدينية المقدسة الموجودة هناك.

وخلال الأعوام ٢٠١٣، و ٢٠١٢، و ٢٠١٠، أباح عدد من شيوخ السلفية الوهابية السعوديين، ومن خلال عدد من الفتاوى التي أصدروها، أباحوا قتل وإبادة العلويين في سوريا، والاعتداء على أعراضهم ونسائهم، وأعلنوا أموالهم مهدورة ويجوز انتهابها، كما أصدروا العشرات من الفتاوى التي حللوا فيها ـ بتعبيرات وكيفيات مختلفة ـ البدعة التي أسموها بـ جهاد النكاح، ومختلف أنواع وأشكال وأقسام الفساد والخيانة ضد الشعوب الإسلامية، وكان أن أسفرت تلك الفتاوى المسفة والجاهلة عن مقتل عشرات الآلاف من المسلمين في بلدان عديدة ومختلفة، وجرى تهجير الآلاف من بيوتهم وأوطانهم، وفقد الكثيرون منهم أهاليهم وأحبتهم وعائلاتهم، وارتكب الكثير من الظلم والخيانة والفساد والجرائم المخجلة والمخزية التي يندى لها الجبين!

واليوم أيضا حيث نجد الانتحاريين ينشطون في العراق لاستهداف أرواح زوار الحسين بن علي سبط رسول الله بعملياتهم الانتحارية، ويسقط في كل يوم العشرات من الشهداء من هؤلاء الزوار.

ولعل الأهم من ذلك كله هو أن هؤلاء قدموا صورة مشوهة عن الإسلام في أعين العالم والرأي العام العالمي، ولا سيما مع ما روج له الإعلام الغربي من نسبة أفعالهم وجرائهم هذه إلى الدين الإسلامي الحنيف.

وخلال هذه الفترة كلها، وفي مقابل هذا السيل من الفتاوى المخالفة للحق، وسيل الجرائم والجنايات التي نشأت عن هذه الفتاوى، لم يصدر عن مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أي فتوى مضادة، بل ظل ساكتا، بل إنه في كثير من الأحيان كان يجاري هؤلاء المفتين.

فهذا السكوت، وهذه المجاراة، يستدعيان منا أن نطرح الآن هذا السؤال، أنه ما هو الأمر الجديد الذي طرأ وأدى بمفتي المملكة العربية السعودية أن يصدر فتوى بتحريم العمليات الانتحارية واعتبار فاعليها ومرتكبيها مجرمين يستحقون دخول جهنم؟!

النقطة الهامة جدا التي يمكن أن ترشدنا إلى جواب عن هذا السؤال هي أن الفتاوى التي تصدر في المملكة العربية السعودية، ولا سيما تلك التي ترتبط بالمسائل والأوضاع والأحداث السياسية، لا يمكن لها أن تصدر في المملكة من دون إجازة مباشرة من رأس السلطة الحاكمة.

ذلك أن وجود المفتي في السعودية ما هو سوى أمر تشريفاتي، ولطالما كان المفتون وشيوخ الفتوى في المملكة تبعا في فتاواهم لما يمليه عليهم قانون البلاد، ولطالما كانوا مطيعين لأوامر حكامهم.

وعلى هذا الأساس، ليس هناك شك أصلا في أن هذه الفتوى الأخيرة التي صدرت عن المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ضد العمليات الانتحارية والقائمين بها، وبالرغم من تأخرها لسنوات طويلة، إلا أنها إنما صدرت بأمر من حكومة المملكة السعودية، وأنها بدعم وتغطية من الدولة السعودية نفسها.

ولكن، ما هي الدواعي التي دفعت المملكة السعودية إلى دفع مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إلى إصدار مثل هذه الفتوى؟
الدواعي الدافعة إلى ذلك يمكن الوقوف عليها من خلال تحليل الأوضاع التي تمر بها المملكة السعودية في هذه الأيام.

وفي هذه الأيام، يعلن محللون غربيون، وبكل صراحة، أن آل سعود سرعان ما سيجدون أنفسهم مضطرين إلى أن يدفعوا الأثمان الباهظة جراء دعمهم للإرهابيين وجماعاتهم المسلحة في سوريا، حيث يمكن القول: إن الأمر السعودي الذي صدر هو المسؤول عن أية دماء سقطت، وعن أي إنسان قتل، وعن أي بيت أو كنيسة أو مسجد أو مكان إداري وعام دمر.

وفي الوقت الحالي، نستطيع القول: إن حكام السعودية قد توصلوا إلى النتيجة التالية، وهي أن الإرهاب الذي هو صنيعة أيديهم سرعان ما سيرونه يطرق أبواب المملكة السعودية نفسها، وهذا كما أن الأوروبيين أنفسهم يعيشون اليوم هذا القلق وهذا الهاجس، قلق أن يباغتهم الإرهاب الموجود في سوريا ويروه قادما إليهم على أراضيهم في القارة الأوروبية البيضاء، وأن ترتكب أيدي هذا الإرهاب المجرم بحق الشعوب الأوروبية نفس ما ارتكبه ويرتكبه بحق الشعب السوري على الأراضي السورية.

ومن هنا نستطيع أن نفهم بعض خلفيات هذه الفتوى المتأخرة بتحريم العمليات الانتحارية، وهي أن آل سعود أرادوا أن يفكروا بحل مشكلتهم السعودية الخاصة، وأن يتخلصوا من هذا الهاجس الذي يتملكهم، ويحولوا دون دخول أجنحة الإرهاب تحت غطاء شرعي إلى الأراضي السعودية، وهي الأراضي التي تعد بالنسبة إلى هذا الإرهاب محل الولادة ومسقط الرأس!

ومن غير البعيد أيضا أن يكون للضغوطات التي يمارسها الأوروبيون على آل سعود دور ونصيب في صدور مثل هذا القرار، ومثل هذه الفتاوى.

وبالتأكيد أيضا، إن الهزيمة السياسية الكبيرة التي مني بها الغرب والسعودية وقطر في سوريا يمكن أيضا أن تكون واحدة من أهم العوامل التي لعبت دورا في صدور هذا القرار، وهذه الفتوى.

والآن، ومع وضوح الأهداف الحقيقية والخلفيات الكامنة وراء صدور فتوى سعودية بتحريم العمليات الانتحارية وعلى لسان المفتي الأعظم للمملكة العربية السعودية، ثمة سؤال آخر يطرح نفسه هنا، سؤال يوجه مباشرة إلى حكام السعودية والقيمين على السلطة فيها:

السؤال هو التالي: مع الالتفات إلى ما أشرنا إليه من أن الفتاوى التي تصدر عن الشيوخ والمفتين في المملكة السعودية هي فتاوى غب الطلب، تأتي استجابة لأوامر السلطة الحاكمة في المملكة، وهي مغطاة ومدعومة وممولة بالكامل من دولارات النفط السعودي، فالآن، من هو ذاك الذي استعجل دخول نيران جهنم؟! الشباب المتحمسون المنفعلون الجاهلون الذين وضعت لهم الأحزمة الناسفة، تلك الأحزمة التي مولت وتم شراؤها أيضا من دولارات النفط السعودي، وأدت إلى مقتل العديد العديد من الناس الأبرياء، أم حكام السعودية أنفسهم الذين هم الصناع الحقيقيون لهذا المشهد الإرهابي، والمفتون الذين ارتكبت هذه العمليات الانتحارية الإجرامية بسبب فتاواهم ومفتي السعودية الذي تسبب بسكوته ومجاراته لكل هذه الجرائم، ولهذا السيل من الدماء النازفة؟!