مدمع الحزن تفجر في ذکری رحيل سيد البرية وحفيده المجتبی

مدمع الحزن تفجر في ذکری رحيل سيد البرية وحفيده المجتبی
الإثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ - ١٠:٤٩ بتوقيت غرينتش

الثامن والعشرون من صفر، يوم حمل في طياته ذکری اليمة علی قلوب المسلمين عامة وعشاق اهل بيت النبوة خاصة، الا وهو ذکری رحيل الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم وذکری استشهاد حفيدة وريحانته وحبيبه الامام الحسن المجتبی عليه السلام.

فبعد ان تحقق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من دنو أجله قدم الذكرَ به لأمته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصايتهم بالتمسك بسنته والاجماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الخلاف والارتداد.

وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة على الاتفاق والاجتماع من قوله صلى الله عليه وآله: ايها الناس أني فرطكم وانتم واردون علي الحوض، ألا وأني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقاني وسألت ربي ذلك فأعطانيه. ألا وانّي قد تركتمها فيكم، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم. ايها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كبحر السيل الجرار الا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله وكان صلى الله عليه وآله يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.

فلقد کانت اولی مهمام الرسول الاکرم صلی الله عليه واله وسلم بعد عودته من حجة الوداع، ان يغزو الروم والذين يهددون دولته من الشمال، فبدأ يجهز جيشا ضخما لغزوهم ضمَ عليَه القوم وشيوخ المهاجرين والانصار كأبي بكر وعمر وعثمان وسواهم، وقد عين لقيادته الصحابي الشاب "أسامة ابن زيد بن حارثه" واثناء تجهيز الجيش تعرض الرسول المصطفی (ص) لمرض شديد .

أخذ المرض يشتد علی رسول الله (ص) وفي تلك الساعة العصيبة کان يؤکد باستمرار علی وجوب تسيير جيش اسامة وعدم التخلَف عنه لکن البعض تخلف عن تنفيذ طلب النبي الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم بحجة انهم لايرغبون مفارقة الرسول (ص). 
وفي آخر ساعاته خاطب (ص) من حضر عنده من اصحابه بقوله: (ائتوني بدواة وکتف، لاکتب إليکم کتابا لاتضلَوا بعده أبدا) .
وکان في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال عمر إن الرجل ليهجر- قد غله الوجع - وعندکم القرآن حسبنا کتاب الله .

فاختلفوا وکثر اللغط واختصموا، فمنهم من يقول قرَبوا يکتب لکم رسول الله (ص) ومنهم يقول ماقال عمر، فلما أکثروا اللغط والاختلاف وغمَ رسول الله وقال: قوموا عني ولاينبغي عندي التنازع.
وکان ابن عباس يعبَر عن أساء لما حدث بقوله: الرزية کل الرزية ماحال بيننا وبين کتاب رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم.  صحيح البخاري کتاب العلم .
قد أغمی علی رسول الله (ص) من شدَة المرض وبعد ان أفاق (ص) قال القوم: الا نأتيك بدواة وکتف؟ فرفض الرسول (ص) قائلا: (أبعد الذي قلتم؟ ولکني أوصيکم بأهل بيتي خيرا). بحار الانوار

ولما قرب اجله أوصی عليا بجميع وصاياه وفاضت نفسه الطاهرة في حجر علي عليه السلام. مناقب الخوارمي عن عائشة والمحب الطبري في ذخائر العقبی والکنجي والشافعي في کفاية الطالب .
وهکذا خسرت الانسانية أعظم هاد وأجل مرب عرفته الارض والسماء .

ولم يکن حول النبي (ص) في اللحظات الاخيرة إلا علي بن ابي طالب واهل بيته وبنو هاشم ونساؤه، وقد علم الناس بوفاته (ص) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول (ص) حزنا علی فراق الحبيب ووخفقت القلوب هلعة لرحيل اشرف خلق الله، وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم انه (ص) کان قد مهد لذلك ونعی نفسه الشريفة عدة مرات واوصی الامة بما يلزمها من طاعة وليها وخليفته من بعده، علي بن ابي طالب.

لقد کانت وفاته صدمة عنيفة هرت وجدان المسلمين فهاجت المدينة بسکانها. واسرع اصحابه الی سقيفة بني ساعدة لعقد اجتماعا طارئا فيا يخص الخلافة بعد وفاة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم متناسين نصب علي بن ابي طالب وکذلك بيعتهم إياه بالخلافة في غدير خم، وغير مدرکين ان تصرفهم هذا يعد استخفافا بحرمة رسول الله (ص) وجسده المسجی .

أما  علي بن ابي طالب عليه السلام واهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول الاکرم (ص) ودفنه فقد غسَله علي من دون ان ينزغ قميصه واعانه علی ذلك العباس بن عبد المطلب والفضل وکان يقول عليه السلام :بابي انت وامي ماأطيبك حيا وميتا. وکان يسکب الماء علی ذلك الجثمان المطهر وهکذا يناجيه :بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء وأخبار السماء خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك وعممت حتى صار الناس فيك سواءً ولو لا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤن ولكان الداء مماطلًا و الكمد محالفاً و قلا لك و لكنه ما لا يملك رده و لا يستطاع دفعه بأبي أنت و أمي أذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك."

ثم وضعوا جسد الرسول (ص) علی سرير وقال علي (ع) ان رسول الله (ص) امامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج فيلصون عليه بغير امام وينصرفون. واول من صلی علی النبي (ص) علي واهل بيته وبنو هاشم ثم صلت الانصار من بعدهم. الارشاد .

ووقف علي عليه السلام بحيال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وهو يقول: سلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبرکاته، اللهم إنا نشهد أنه قد بلَغ ما انزل اليه ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتی اعز الله دينه ووتمت کلمته اللهم فاجعلنا من يتبع ما انزل الله اليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس آمين حتی صلی عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. الطبقات الکبری .

وحفر قبر النبي صلی الله عليه وآله وسلم في الحجرة التي توفي فيها وحين اراد علي عليه السلام ان ينزله في القبر نادت الانصار من خلف الجدار: ياعلي نذکرك الله وحقنا اليوم من رسول  الله ان يذهب، أدخل منا رجلا يکون لنا به حظ من مواراة رسول الله (ص) فقال عليه السلام ليدخل أوس بن خولي، وکان بدريا فاضلا من بني عوف .
ونزل علي عليه السلام الی القبر فکشف عن وجه رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ووضع خده علی التراب ثم أهال عليه التراب .
ولم يحضر دفن النبي الاکرم (ص) والصلاة عليه احد من الصحابة الذين انشغلوا في السقيفة .
فسلام عليك يارسول الله يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا .

کما يصادف هذا اليوم ايضا، ذکری استشهاد الامام الحسن بن علي عليهما السلام، لقد تعرّض الإمام الحسن السبط (عليه السلام) للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرّته الى تجنّب القتال واعتزال السلطة، كما أحسّ الكثير من أعيان المسلمين وقادتهم بصدمة عنيفة لهذا الحادث لِما تنطوي عليه نفوس الاُمويّين من حقد على الإسلام ودعاته الأوفياء، وحرص على إحياء ما أماته الإسلام من مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها .

ولكنّ الإمام بصلحه المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية؟ ومن هنا كان الصلح نصراً ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.

نجحت خطّة الإمام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح .

بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط عليٍّ (عليه السلام) وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه، ومارس الإمام (عليه السلام) مسؤولية الحفاظ على سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف على قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، مما كلفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام (عليه السلام) كقوة معبّرة عن عواطف الامة ووعيها المتنامي، ولربما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صح ما يقال من أن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان تمهيدا واقعيا لثورة أخيه الامام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).

لهذا قرّر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطّته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعت بن قيس التي دسّت السم لزوجها الإمام (ع)، واستشهد من جراء ذلك الإمام الحسن (ع).

وکان الامام عليه السلام قد أوصی ان يدفن الی جوار جده رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أن بني أمية، وعلی راسهم مروان بن الحکم منعوا من ذلك وحالوا بين ان يجمع بين رسول الله (ص) وريحانته ووحبيبه بسطه الحسن سيد شباب اهل الجنة فاضطر اهل البيت عليهم السلام لدفنه في البقيع .
فسلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي مظلوما: حيَا وشهيدا  .


 

تصنيف :