ثلاثة مليارات سعودية لفرنسا .. عبر الجيش

ثلاثة مليارات سعودية لفرنسا .. عبر الجيش
الإثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٠٢ بتوقيت غرينتش

كاد إعلان الرئيس ميشال سليمان عن قرار الملك السعودي عبدالله تقديم مساعدة للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مجيّرة مسبقاً للفرنسيين، يخطف الأضواء من الأحداث التي تسارعت يوم أمس، من تشييع الوزير الأسبق الشهيد محمد شطح وما رافقه من مواقف خطيرة للرئيس فؤاد السنيورة، وصولا الى محاصرة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في مسجد الخاشقجي ومحاولة الاعتداء عليه، في «محاكاة» لسيناريو الهجوم على السرايا الحكومية بعد اغتيال اللواء وسام الحسن الذي أدى يومها، كما البارحة، الى حرف الأنظار عن الجريمة والمجرمين.

ويبدو ان ما بدأه سليمان أمس ستكون له تتمة في النصف الاول من كانون الثاني المقبل، وعلى الأرجح في السادس منه، حيث توقعت أوساط واسعة الاطلاع ان تولد في هذا اليوم حكومة حيادية، يسمي وزراءها الرئيس المكلف تمام سلام بالتشاور مع رئيس الجمهورية، الأمر الذي من شأنه، إذا صح، ان يفتح باب التداعيات على كل الاحتمالات.
وإذا كانت أي مساعدة للجيش خصوصاً في هذه الظروف مشكورة، وإذا كان الجهد الذي بذله رئيس الجمهورية على هذا الصعيد موضع تقدير، إلا أن المبادرة السعودية لا تعفي من طرح بعض الأسئلة الاستيضاحية حول حجمها وتوقيتها وآلية تنفيذها وكيفية التعاطي معها:
أولاً، من حيث الشكل:
- ألا يفترض بمجلس الوزراء أن يكون صاحب الصلاحية في قبول أو رفض مساعدة بهذا الحجم؟
- ألم يكن من الأفضل لسليمان أن يتفادى القول في نهاية خطابه: «عاشت المملكة العربية السعودية»، كونه رئيس الجمهورية اللبنانية، مع ما يمثله هذا الموقع من رمز للسيادة والكرامة، لا سيما أن هذه العبارة تخدش «الكبرياء الوطني»، وقد أثارت ردود فعل حادة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ثانياً، من حيث المضمون:
- ما هي الوظيفة السياسية لهذه المساعدة العسكرية التي تجاوزت بكثير البرنامج الذي كان قد وضعه الجيش لتعزيز قدراته، على مدى خمس سنوات؟
- وفق أي عقيدة قتالية سيجري منح الجيش سلاحاً فرنسياً بتمويل سعودي؟
- هل تندرج هذه المساعدة في إطار تقوية الجيش لمواجهة إسرائيل والإرهاب، أم ان لها غاية أخرى مضمرة، وبالتالي أين ستكون المليارات الثلاثة من معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»؟
- ماذا عن طبيعة الأسلحة الحديثة والجديدة التي سيحصل عليها الجيش، كما أكد سليمان؟ هل ستمنح فرنسا المؤسسة العسكرية سلاحاً متطوراً للدفاع الجوي وصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ بعيدة المدى كتلك التي حرمت منها طائرات «الغازيل»، بحيث يصبح قادراً على مواجهة أية اعتداءات او خروق اسرائيلية، أم ان هناك قيوداً ضمنية ستفرض على نوعية التسليح؟
- لماذا اعتبرت القناة الأولى الإسرائيلية أن «هبة السعودية للجيش اللبناني تطور مؤثر جداً قد تستفيد إسرائيل من ثماره في المستقبل»، علماً أن العدو كان يعارض بشدة في السابق مد الجيش بسلاح نوعي، خشية أن يستخدم ضده او يقع بحوزة «حزب الله»؟
- لماذا تقرر ان تكون باريس ممراً إلزامياً لصفقة المليارات الثلاثة ومصدراً وحيداً لصفقة التسلح هذه، في حين رُفضت سابقاً عروض للمســاعدة من إيران وروسيا؟
- هل تأتي هذه الصفقة في سياق تعبير ضمني عن صراع فرنسي - أميركي، يترافق مع ابتعاد الرياض عن واشنطن واقترابها من باريس؟
- لماذا جاءت «المساعدة العسكرية» في هذا التوقيت بالذات؟
- هل هناك من يفترض أن «صفقة المليارات» للجيش ستؤدي الى «إحراج» «حزب الله»، بعد حملته الاخيرة على السعودية، وصولا الى «إخراجه» لاحقاً تحت شعار انه لم يعد يوجد أي مبرر للإبقاء على سلاح المقاومة ما دام ان الجيش أصبح قوياً وقادراً على الدفاع عن لبنان، كما كان يطلب الحزب في أدبياته.
- هل ان «إغراق» الجيش بهذا الكرم يهدف الى وضع اليد عليه، وتحويله مع الوقت الى نسخة عن «فرع المعلومات» من حيث الولاء السياسي، أم من شأن هذه المساعدة السعودية ان تمنح المؤسسة العسكرية غطاءً سنياً، إقليمياً ومحلياً، هي بأشد الحاجة اليه في هذه المرحلة لمواجهة الإرهاب الوافد والمجموعات المتطرفة؟
- أين السعودية من «المساعدة السياسية» التي لا تقل إلحاحاً عن تلك العسكرية، بعدما وصل الانقسام الداخلي الى حافة الفتنة الموصوفة؟ وهل هي على استعداد للدفع في اتجاه تشكيل حكومة توافقية وتجنيب لبنان مخاطر المغامرات غير المحسوبة، وماذا عن تعامل السعودية مع الملف السوري واحتمالات تسوية جنيف 2؟
وإلى حين ان تحصل هذه الاسئلة على الأجوبة الشافية، قال مرجع سياسي بارز لـ«السفير» إنه يجب التعاطي بإيجابية مع المساعدة السعودية التي تأتي في وقت يواجه الجيش تحديات كبرى، تتطلب أفضل جهوزية ممكنة، مشدداً على ضرورة تحييدها عن التجاذبات الداخلية.
وكان سليمان قد أعلن في خطاب ألقاه مساء أمس عن «ان الملك عبد الله بن عبد العزيز، قرر تقديم مساعدة سخية مشكورة للبنان بمقدار ثلاثة مليارات دولار، مخصصة للجيش اللبناني، لتقوية قدراته»، مشيراً الى انها ستسمح له بالاستحصال على اسلحة حديثة وجديدة، تتناسب وحاجاته وتطلعاته، وأن شراء الاسلحة، سيتم من الدولة الفرنسية وبسرعة، نظراً للعلاقات التاريخية التي تربطها بلبنان، ولعمق علاقات التعاون العسكري بين البلدين.
وأوضح ان هذه المبادرة كانت مدار بحث واتفاق، أمس، بين الملك عبدالله والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال القمة الفرنسية - السعودية في الرياض.
وألقى الملف اللبناني بثقله على المحادثات بين الملك السعودي وهولاند الذي التقى أيضاً الرئيس سعد الحريري، بحضور وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. وأفاد المكتب الاعلامي للحريري ان الأخير عبّر عن شكره لدعم فرنسا المستمر للمحكمة الدولية، وشدد على أهمية موقفها الداعم للدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية، لا سيما منها الجيش اللبناني الذي يشكل العمود الفقري للاستقرار الداخلي.
كما نوه الحريري بالتوجهات الفرنسية للإسراع في ترجمة الدعم الذي أعلنته المملكة العربية السعودية لتسليح الجيش اللبناني.
وتعهد الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي عقده في الرياض بـ«تلبية» طلبات تسليح الجيش اللبناني. وقال «تربطني علاقات بالرئيس سليمان (...) واذا وجهت الينا طلبات فسنلبيها».
ورداً على سؤال حول تصريحات الرئيس اللبناني بهذا الشأن (شراء الأسلحة من فرنسا) أجاب هولاند «لست ملزماً بإعطاء معلومات في هذا المجال». وتابع «ما اعرفه ان فرنسا منذ وقت طويل وحتى المرحلة الاخيرة، كانت تجهز الجيش اللبناني وتنوي تلبية كل الطلبات التي توجه إليها لأن لبنان يجب ان يبقى موحداً ويجب ان تحترم سيادته وأمنه».
وشدد على أن «الهدف هو التوصل إلى لبنان المستقر فيما يشكّل موضوع النازحين السوريين في لبنان خطراً يهدد بتدهور الأمور في هذا البلد الصديق».
واستطرد قائلاً «لبنان يعيش أزمة مع وصول أفواج من النازحين السوريين».
وأعلن الرئيس الفرنسي عن تلاقٍ في المواقف مع الرياض وخصوصاً في الملفين السوري واللبناني.
وأكد ضرورة أن يكون لبنان مستقراً وموحداً، وقال «نطمئن الشعب اللبناني بأن بلدهم سيبقى موحداً»، مشيراً إلى أن التشديد على وحدة لبنان سيكون خلال اجتماع دولي.
تشييع شطح وبدر والشعار
وقبل ساعات قليلة من تولي سليمان تظهير المبادرة السعودية، كانت مناسبة تشييع الوزير السابق الشهيد محمد شطح في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت تتحول الى منبر إضافي للانفعال السياسي والمذهبي، ما يتعارض كلياً مع منطق الاعتدال الذي راح شطح ضحيته، كما تؤكد قوى «14آذار» نفسها، وكأن هذه القوى بما ذهبت اليه من تصعيد وتعبئة بعد جريمة الاغتيال، تخدم أهداف القتلة من حيث تدري او لا تدري.
وقد بلغ التصعيد أقصاه مع كلمة الرئيس فؤاد السنيورة الذي أعلن عن إطلاق المقاومة المدنية السلمية الديموقراطية «لتحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي»، وأكد ان ما كان قبل اغتيال «الشهيد البطل محمد شطح لن يكون بعده».
وقبل ان يجف حبر خطاب السنيورة، كان مسجد الخاشقجي في محلة قصقص على موعد مع هجمة تعرض لها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، من قبل مناصرين لـ«المستقبل»، عند حضوره للصلاة على جثمان الشاب الفتى الشهيد محمد الشعار بالتنسيق مع عائلة الشعار.
وبدا ان ما حصل أساء أولا الى الشهيد شطح وتياره السياسي، ذلك ان محاولة الاعتداء على المفتي ومحاصرته داخل المسجد أديا عملياً الى صرف الأنظار عن الحدث الاساس متمثلا في جريمة الاغتيال، وانعكسا سلباً على صورة «المستقبل».

*صحيفة السفير اللبنانية