متى يفهم آل سعود ان نجمهم على وشك الافول؟ (4)

متى يفهم آل سعود ان نجمهم على وشك الافول؟ (4)
الخميس ٠٩ يناير ٢٠١٤ - ٠٩:٥٩ بتوقيت غرينتش

قال لي صديق امريكي من المهتمين بالوضع الاقليمي بحكم عمله السابق والحالي وبحكم ارتباطاته "نظام آل سعود سوف يغير سلوكه كجزء من حل شامل لأزمات المنطقة التي حلت مع الربيع العربي وإلا". كان ردي واضح وصريح "وإلا هي الحل الاوحد مع نظام قاتل بطبيعته - نظام مجرم وحاقد - وحقده اسود، فلا بد من "حرب كونية على الارهاب الوهابي" تحت عنوان "العدو المشترك". جرى هذا الحديث على الغداء في مطعم خليفة في حارة حريك في اواخر 2012.

استندت في ردي على طبيعة النظام الوهابي ولماذا هذا النظام واتباعه من رجال الوهابية قتلة بطبيعتهم Killers by nature، ولا يمكن ان يتم التعاطي مع هذه الطبيعة القاتلة من خلال الحوار او التسويات او انصاف الحلول او جوائز الترضية - اما نحن واما هم.
في احدى الجلسات طرحنا تعريف "الاخر" لدى الوهابية ورأي الاسلام بـ"الاخر". الحقيقة ان الدهشة اصابته عندما شرحت له ان "الاخر" في الفكر الاسلامي هو "النظير/المساوي" بقول الامام علي عليه السلام، بينما في الفكر الوهابي هو "كافر" ومعنى ذلك ان دمه وعرضه وماله حلال وان حربهم المقدسة على "الاخر" مستمرة. بدأنا نقارن الفكر الوهابي مع ما يجري في سوريا من "غزو وقتل وسبي".
في احدى الجلسات تساءلنا ما الذي يجمع ابو مصعب الزرقاوي بأبو محمد الجولاني وابو محمد العدناني والشيشاني والقوقازي والداغستاني وماجد الماجد السعودي وابو محمد المقدسي وابو قتادة الاردني وعمر بكري اللبناني وابو بصير الطرطوسي؟ الجواب كان سهل جدا، يجمعهم "الفكر الوهابي والمال السعودي".
وبعد جلسات من الحوار والنقاش الودي على امتداد اكثر من سنة، دامت الجلسة الواحدة احيانا لعدة ساعات. تباينت اراءنا احيانا وتطابقت احيانا اخرى الا اننا توصلنا في نهاية الامر الى ان "الحرب الكونية على الارهاب Global War on Terror" واجب انساني واخلاقي، ولا بد من استئصال هذا الفكر الدموي من خلال عمل جماعي يضم كل القوى المتحالفة والمتناقضة والمتنافسة ايضا وحتى المتخاصمة فتولدت فكرة "العدو المشترك".
بعد هجمات القاعدة على نيويورك، اطلق بوش عقيدته العسكرية "الحرب على الارهاب" هذا نصها "سوف نحشد العالم لهذه القضية عن طريق جهودنا، من خلال شجاعتنا، لن نكل ولن نتعثر ولن نفشل"." ثم اعلن بكل وضوح ان الولايات المتحدة لن تميز بين الارهابيين والدول التي تأويهم في اشارة الى توسيع نطاق حروبها "سوف نحرم الإرهابيين من التمويل، نحولهم ضد بعضهم البعض، وسنلاحقهم من مكان إلى آخر حتى لا يجدوا ملجأ. وسوف نلاحق الدول التي تقدم المعونة أو الملاذ الآمن للإرهاب. كل دولة، في كل منطقة يجب ان تتخذ قرارها. إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين. من هذا اليوم فصاعدا، كل دولة تأوي ارهابيين او تدعم الارهاب سنعتبرها معادية للولايات المتحدة." لكن ما شهدناه كانت حرباً على ذيل الافعى (نظام طالبان الظلامي) بينما الرأس في مكان اخر، والولايات المتحدة كانت يومها تدرك ان رأس الافعى في مكان اخر وان رجال الدين السعوديين الذين يطلقون فتاوى القتل والذبح وشق الصدور واكل القلوب يغذون هذه الوحوش البشرية.
كانت حرب بوش جيوسياسية اسست لها عصابة المحافظون الجدد وعلى رأسهم ديك تشيني، اليوم اختلف المشهد السياسي والعسكري، واختلفت الصورة الجيوسياسية ومعها البتروسياسية وتغيرت الالويات ومعها النوايا فصار استئصال "الارهاب الوهابي متعدد الجنسيات" حاجة ملحة قبل ان يتحول من "ظاهرة" الى "حالة". لو قامت الحكومة اللبنانية بواجباتها يوم حذر وزير الدفاع من وجود القاعدة في لبنان ما وصل عدد ارهابيي "جبهة النصرة" الى 2000 ارهابي في مخيم عين الحلوة بحسب تقرير مخابراتي امريكي.
بعد الهجوم الارهابي على السفارة الايرانية اصر وزير الخارجية جون كيري على ان يعبر بنفسه عن غضب بلاده، لكن مشهد السفير البريطاني "تيم فلتشر" يتبرع بالدم للمصابين كان ملفتاً للغاية، ثم وقوفه في صف طويل ليقدم واجب العزاء في شهداء لا ذنب لهم سوى انهم ينتمون الى "الاخر". التفجير الارهابي الذي استهدف شارع العريض في حارة حريك وصفه السفير البريطاني بـ "الاعتداء اللإنساني"، وهنا مربط الفرس. "العدو المشترك" يشكل تهديد للجميع – لا يستثني احد.
عندما وصل الوضع الى مرحلة حرجة، ادرك العالم ان ايران القوية عامل استقرار وانها بجدارة دولة كبرى وعامل ايجابي فاعل على الساحة الاقليمية وتدخل كل مشهد سياسي من ابوابه الواسعة. في المقابل، السعودية الحاقدة على "الاخر" وبالاخص ايران عامل تخريبي والفكر الارهابي الوهابي منتج لهذا الحقد الاسود.
المؤشرات القادمة من موسكو وبكين وطهران ولندن ودول الخليج (الفارسي) ايضاً وصولا الى واشنطن تؤكد ان جبهة موحدة تتشكل لمواجهة "الارهاب متعدد الجنسيات".
روسيا اليوم في حالة غضب شديد وتعد العدة لدخول الحرب بشكل مباشر ضد مملكة الكراهية – مملكة التكفيريين. بعد التفجير الارهابي الذي استهدف فولغوغراد، نقلت تقارير عن الرئيس الروسي بوتين انه تعهد لابناء روسيا بأن رده على الهجوم الارهابي سيغير خريطة الشرق الاوسط. الملفت انه وجه اصابع الاتهام الى السعودية من دون ان يسميها ما اعاد الى الاذهان قصة اللقاء الذي جمع بين بوتين وأمير الجهاديين بندر بن سلطان في منتصف العام الماضي (قصة اغراء بوتين بضمان سلامة الالعاب الاولمبية الشتوية). الصين في حالة حرب مع انفصاليي الاويغور والمئات منهم يحملون الفكر الوهابي وتدربوا على يد طالبان ويشكل وادي فارغانا بيئة حاضنة تهدد الامن القومي الصيني. اوروبا تعيش حالة رعب من انتقال الحرب الى شوارعها بعد انتهاء الازمة السورية. الولايات المتحدة صاحبة مشروع "الفوضى الخلاقة" اضحت اليوم في حالة حرب مع مشروع المحافظين الجدد. بحسب معلومات موثوقة وموثقة فان البنتاغون وستة عشر جهاز مخابرات كانوا على مدى الاشهر الستة الماضية يضغطون في اتجاه اتخاذ قرار الحرب الشاملة على الارهاب السعودي الذي يتمدد والذي لم ولن يوفر احد. اخيراً فقد اوباما الامل رغم زيارات كيري المكوكية للرياض. انطلقت الاشارات من واشنطن بفتح ملفات السعودية ليتطابق ذلك مع توجه دولي شامل.
مع ان التباينات في المواقف حول سوريا بين ايران وروسيا والصين وحزب الله من جهة وواشنطن من جهة اخرى تدعو لبعض الشك حول انخراط امريكي مباشر، وربما كانت مؤشر لبعض المحللين تدعوهم للتشكيك في انخراط عملياتي فعلي لواشنطن، وهذا ما تراهن عليه السعودية، الا ان المعلومات القادمة من واشنطن تقول ان جنرالات البنتاغون ارسلوا رسائل تؤكد استعداد واشنطن للانخراط المباشر.
وفي سياق متواز، لدول المنطقة حسابات مع نظام آل سعود. حقل شيبة الاماراتي، اراضي قطر المحتلة والجزء اليمني المسلوب ودماء الجزائريين في التسعينات من القرن الماضي ودماء السوريين واللبنانيين والعراقيين والبحرينيين والتونسيين والليبيين والمصريين و.... الخ .
ملفات السعودية كثيرة وفتحها يفتح ابواب جهنم على هذا النظام المافياوي. الديموقراطية وحرية التعبير والتمييز المذهبي بين المواطنين وسلب ثرواتهم والانتهاكات المريعة لحقوق الانسان وفوق كل ذلك يأتي ملف "صناعة الارهاب" الذي يدفع باتجاه "الحرب الكونية على الارهاب".
في اخر لقاء مع صديقي قبل سفري بساعات قلت له "يريدون الذهاب الى الجنة على جثث الابرياء، يجب ان يرسلهم "المجتمع الانساني" الى جهنم وفي مقدمتهم اميرهم".
 

* رضا حرب - باحث في الجغرافيا السياسية