صديقة العرب ، أمريكا

صديقة العرب ، أمريكا
الخميس ٠٩ يناير ٢٠١٤ - ٠٣:٠٦ بتوقيت غرينتش

سئلت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ، على فداحة الجريمة ضد أطفال العراق ، هل تقبلون ثمن نجاح الحصار موت أكثر من مليون طفل عراقي ؟ كانت الإجابة واضحة لا لبس فيها ” إذا كان في الأمر ضرورة فلا بأس أن يكون موتهم ثمنا لذلك ” ، الضرورة بلغة هذه العجوز القاحلة الأمريكية الشمطاء تعنى في قاموس السياسة الأمريكية هو ما يسمى بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ، و الضرورة تعنى أن الضرورات تبيح المحظورات كما نقول في المثل العربي المعروف ، و الضرورة أيضا أن يقتل الأمريكي غيره مهما كانت الأسباب المعلنة فقط ليعيش و تبقى الراية الأمريكية .

من ليس معنا فهو ضدنا ، لا عجب ، فالرئيس جورج بوش الابن لم ينطق بهذه المقولة الشهيرة و ما تبعها من زلة لسان مقصودة بأن حربه ضد الإرهاب هي في الواقع حرب صليبية ضد العرب ، إلا بعدما أحس بأن العالم طوع بنانه و أن روسيا الاتحادية في تلك الفترة كانت منشغلة بهمومها الداخلية و غير قادرة على الوقوف ضد سياسة الهيمنة و الغطرسة الأمريكية في العالم ، و عندما تأهبت قوات الغزو العسكرية الأمريكية و قوات الغزو السياسية الأمريكية لقتل الحضارة العراقية كانت الساحة الدولية قابلة غصبا و تماما بهذا الغزو الدموي بل هناك من هذه الدول “الديمقراطية ” الغربية من لم يحرك ساكنا أمام ما أرتكبه الجيش الأمريكي من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان و جرائم ضد الإنسانية ، أعنى هنا فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و غيرها من الدول الأوروبية .

لم يقدر العرب على إسرائيل ، ليس فقط بسبب ضعفهم و قلة استعدادهم و عمالة بعضهم ، بل لان الولايات المتحدة الأمريكية قد فتحت أبواب ترسانتها العسكرية لفرض الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية ، و عندما تقف دولة استعمارية كبرى إلى جانب دولة استعمارية “ناشئة ” فهذا الزواج الدولي من شأنه أن يعطى العالم فكرة عن منطق القوة الذي تسوس به الإدارة الأمريكية المنطقة العربية لانتزاع ثرواتها و فرض هيمنتها عليها و العمل على تعطيل كل آليات التفاهم بين هذه البلدان العربية التي تفتت مع الوقت كقطع الشطرنج ، الغريب العجيب أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع بالقول أنها تفعل كل هذه الجرائم القذرة باسم نشر الديمقراطية و حقوق الإنسان ، الغريب أيضا أن هناك من يدعو إلى صداقة عربية أمريكية دون أن يلتفت إطلاقا لما حدث في أبو غريب أو في غزة أو في سوريا الآن معتبرا ما حصل مجرد أخطاء جانبية و فواصل في كتاب تاريخ العلاقات العربية الأمريكية المضطرب.

في علم النفس ، هناك مرض يجعل المريض يتلذذ التعذيب و الضرب ، و في علم السياسة الدولية هناك مكان لهذا المرض الخبيث ، فبعض الدول العربية – الخليجية تحديدا – تتلذذ الإذلال و الهوان الأمريكي ، و هناك من هو مستعد من قادة العرب لمجرد صورة في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأمريكي لنزع كل الملابس الأخلاقية التي جعلته رئيسا في دولة عربية ، المصيبة أن الولايات المتحدة التي ترعى نشر الديمقراطية هي من تزرع هذه القيادات العربية الفاسدة و هي من تسقى عروق نموها و من تحمى عروشها حتى صار أغلب قادة العرب نسخا مستنسخة بلا لون أو طعم أو رائحة ، و لان الولايات المتحدة لها عشق خاص للثروات العربية فقد جندت جيشها و عقولها و إعلامها و طابورها الخليجي الخامس كل ذلك لتصفية العقل العربي من عروقه و من تاريخه و من مستقبله ، كل ذلك أيضا باسم الوقوف مع الشعوب العربية ضد…الطغيان .

على مدار سنوات عديدة ، لم يقبض محمود عباس إلا الخيبات و الرياح ، و على مدار سنوات من حوار الطرشان لم يتسلم أبو مازن من الولايات المتحدة الأمريكية إلا الوعود الزائفة ، مع أن كل رئيس يأتي إلى البيت الأبيض لا يبدأ خطابه إلا بذكر القضية الفلسطينية و حل الدولتين، ولا ينتهي خطابه إلا بمطالبة الشعب و القيادة الفلسطينية بضبط النفس و تقديم مزيد من التنازلات ” المؤلمة” ، كأن ضياع القدس و ضياع الأرض ليس ألما ، كأن التغريبة الفلسطينية ليست معاناة ، كان المجازر الصهيونية و اعتقال اللاجئين ليست خطايا موجعة ، كان استشهاد محمد الدرة ليست وجيعة تاريخية .

أوباما كان مختلفا … لما كان مرشحا ، أوباما قبل دخوله المكتب البيضاوي لممارسة الحكم شيء ، وعضو كونغرس شيء ، ورئيس لأكبر دولة في العالم شيء آخر ، الوعود الرئاسية كثيرة ، تحقيقها هو المشكلة ، فهو الذي وعد بغلق معتقل قوانتنامو المدرسة الأمريكية المثالية لتعليم و ممارسة التعذيب و انتهاك حقوق الإنسان الأولى في العالم ، قال أنه سيحترم العالم الإسلامي و سينادى بحوار الحضارات و التسامح بين الأديان ، ما يحدث في سوريا من رعاية أمريكية لمنظومة الإرهاب الوهابية هو التعبير الأمين الصادق على تنفيذه الوعود تجاه الدول العربية ،قال : سأمنع التعذيب وسأنشر صور التعذيب ، مع ذلك ما زالت الولايات المتحدة تنكل بالأسرى العرب في معتقلاتها و تسمح بانتهاك أعراضهم ، و لم نسمع عنها مجرد التنديد بالجرائم الوحشية التي يرتكبها النظام السعودي و البحريني ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية و الديمقراطية ، ولان الدولة التي محت الهنود الحمر أصحاب الأرض الشرعيين في أمريكا من خريطة التاريخ و الجغرافيا هي نفس الدولة التي حاولت مسح اليابان من على وجه الأرض و تدمير الحياة بالكامل في فيتنام ، فمن المؤكد أن وقوفها مع ” الثورة” السورية القذرة هو تواصل كريه للفكر الأمريكي الاستعماري .
* أحمد الحباسى تونس- بانوراما الشرق الاوسط