الدعوة الى جنيف 2 : افخاخ دولية و ثوابت سورية!

الدعوة الى جنيف 2 : افخاخ دولية و ثوابت سورية!
الخميس ٠٩ يناير ٢٠١٤ - ٠٣:١٢ بتوقيت غرينتش

بعد تفاهم القطبين الراعين لمؤتمر جنيف 2 (اميركا و روسيا ) بادر الامين العام للامم المتحدة الى توجيه الدعوات ل 30 طرف دولي من دول و هيئات دولية و اقليمية و كيانات سياسية متابعة او تزعم انها معنية بما يجري في سورية و تترقب النتائج التي ستسفر عنها المواجهات على ارضها ، و تاليا ما سيترجم من هذه النتائج على طاولة التفاوض في سويسرا .

و قد كان منطقيا ان يدعى من ستتأثر مصالحه بنتيجة المواجهات او يؤثر بالحراك القائم اصلا ، سواء كانت هذه المصالح و التأثير ذو طابع شخصي فردي او كانت ذات طابع جماعي تحالفي . و بالتالي فان قواعد المنطق تفرض ان يكون حاضرا في المؤتمر الدولي هذا ، سورية الدولة و من يعارضها من السوريين معارضة ديمقراطية ، دونما استبعاد لاحد او فرض ممثلين مصنعين من قبل احد ، ثم الجوار السوري اي من يشترك مع سورية بحدود برية او بحرية ممن تعترف به سورية و يعترف بها كدولة قائمة ، و يضاف من ترتبط به الاطراف السورية من نظام و معارضة بعلاقات تحالفية او حتى ابعد من ذلك فضلا عن القوى الدولية التي تعتبر نفسها ممسكة بالقرار الدولي عبر مجلس الامن ( ال5 الكبرى الدائمة العضوية ) و يضاف اليها و الدول الصاعدة مثل المانيا و دول البريكس .

لكن الدعوات التي وجهت لم تشمل كما يبدو هذه الاطراف بل اسقطت بعضها بشكل متعمد و اضيف الى المجموعة المدعوة بعض الكيانات التي لا مبرر لوجودها سوى انها انتظمت يوما في مجموعة اعداء سورية او انها اظهرت سخاءً في دعم الجماعات المسلحة العاملة على تدمير سورية و قتل شعبها . و بالتالي فاننا نسجل بداية ملاحظة سلبية اساسية على لائحة المدعويين الى المؤتمر لجهة النزعة القائمة لدى الجهة الداعية لمحاصرة سورية او استفرتدها على طاولة المفاوضات و السعي للاملاء عليها بما لا يناسب قرارها الوطني المستقل .

و يبدو ان سورية التقطت هذه الاشارة سريعا و سارعت للرد عليها بما يناسب المقام و جاء تكرار الموقف السوري من المؤتمر و ربط كل ما يتم التوصل اليه فيه بقرار من الشعب السوري يعبر عنه عبر استفتاء حر يسقط اي نوع من انواع الفرض و الاملاء الذي تسعى اليها الجهات الغربية و الاقليمية التي فشلت في الميدان في تحقيق اهداف عدوانها على سورية عبر السنوات ال 3 الماضية . و على هذا فقد كانت حركة سياسة في موضعها الصحيح و المناسب قيام وزير الاعلام السوري بالتأكيد على مواقف سورية مباشرة بعد صدور الدعوات وفقا للائحة بتراء عرجاء قد يكون القصد منها احراج سورية و استدارجها الى موقف سلبي من المؤتمر ، فتتساوى في ذلك مع المعارضة المفككة المشتتة المتناحرة التي لم تقو حتى الان على تشكيل وفديمثلها فاختارت الموقف السلبي من المؤتمر مع رفض المشاركة فيه حتى اللحظة بانتظار الاوامر الاميركية .

واضافة الى لائحة الدعوات و التي تعتبر عثرة او ثغرة اساسية في التحضير لالمؤتمر ، يبدو ان جدول اعمال المؤتمر و دور الاطراف يشوبه شيء من الغموض رغم توزيع العمل تحت عناوين دولي افتتاحي و سوري تفاوضي . و هذا ما ينبئ بامر سيء جدا على اكثر من صعيد .

وهنا نناقش الامر من جوانبه الممكنة و نقول اذا كانت الجهة المنظمة قد رات في غموض جدول الاعمال فرصة لمفاجأة سورية و محاصرتها بما ليس من اختصاصات المؤتمر و يتجاوز القرار السوري المستقل والسيادة السورية التامة ، فان المؤتمر سينقلب الى محل لاذكاء الصراع و تسعير النار مع مبرارات جديدة تشهد عليها مجموعة دولية اكثريتها من اعداء سورية و ممن انتظم اصلا في جبهة العدوان عليها . اما اذا كان الامر متصل بقواعد المنطق و ان يكون البند الاول في جدول الاعمال هو التصدي للعمل المسلح غير المشروع على الارض السورية و هو ما بات يصطلح على تسميته بمحاربة الارهاب فان الامر يقتضي التزام مسبق من الدول الحاضنة و الراعية له بالاقدام على ذلك. و لكن الواقع يظهر خلاف هذا القصد و الدليل الهام هو على هذا الامر هو ما صرحت به السعودية علانية بانها ستستمر في القتال في سورية حتى و لو تخلى العالم عنها و عملت منفردة و حيدة في الميدان و السعودية و حلفاؤها من عرب و اجانب هي في طليعة الدول المدعوة الى المؤتمر .

مع هذه العقبات يطرح السؤال من جانب اخر : لماذا قبلت روسيا بصيغة الدعوة بهذا الشكل و بهذه اللائحة من المدعوين ؟

قد يسارع البعض الى القول بان روسيا تملك الثقة الكاملة بنفسها و بقدراتها التفاوضية المستندة الى الارجحية الميدانية الواضحة لمصلحة الدولة ، او ان لدى روسيا رغبة في اعتماد مركزية الموقف التفاوضي على جبهة الدفاع عن سورية و تثبيت حقوقها الوطنية و السيادية دونما الدخول في مغامرة تعدد الاطراف الاقليمية و الدولية المناصرة للحق السوري و المتحلقة على طاولة التفاوض ، و فد يحاول البعض الاخر ان يبث شيئا من بذور خلاف في جبهة الدفاع و يقول ان روسيا تتناغم مع اميركا في مسألة منع بعض الدول الاقليمية او الدولية من لعب دور يثبت موضعها الاستراتيجي المتقدم دوليا او اقليميا .

الى هذه المواقف و مع امكانية القبول ببعضها و نفي البعض الاخر نرى ان الحافز الرئيس الذي دفع سورية و من خلفها روسيا القبول بهذه الصيغة التي تسجل عليها الملاحظات يكمن في ان الدولتين جادتين في البحث عن حل سلمي للازمة و ان روسيا ترى ان عدم انعقاد مؤتمر جنيف2 او تاجيله الى اجل غير مسمى انما هو فشل لها و اضاعة فرصة ثمنية لطالما عملت لها لتكريس الانجازات و الانتصارات التي سجلت في الميدان السوري و صرفها سياسياً . و لاجل ذلك كان برأينا نوع من التساهل الروسي في مسألة لائحة المدعووين و جدول الاعمال المتسم بالغموض الذي لا نستطيع ان نصفه الان بالغموض البناء مع سعي روسي الى جعله كذلك ، و ان روسيا تفادت اتخاذ اي موقف من شأنه تشكيل ذريعة لاميركا لتأجيل المؤتمر كما تريد السعودية و بقية المغامرين في الميدان السوري ، تاجيل يكسبهم وقتاً يعولون عليها من اجل ما يستمرون باللهاث وراءه و ما يسمونه “اعادة التوزان للميدان ” مع تحميل سورية و روسية المسؤولية عن التأجيل .

و سبب اخر يجعل سورية و روسيا يقبلان بالشكل الذي حضر المؤتمر وفقه – و هو برأينا الاهم – هو ان حضور غير السوريين لن يكون الا ليوم واحد في ” احتفالية الاطلاق ” و بعد ذلك يكون او يجب ان يكون حوار بين السوريين من اجل البحث عن حل ، و هنا تكمن اهمية المواقف السورية التي كانت بمثابة الحرب الاستباقية لاي محاولة املاء في المؤتمر ، حرب ابلغت كل من يعنيه الامر بان سورية لن تحاور حملة السلاح وان الحديث معهم لن يكون الا في الميدان و بلغة السلاح ، و ان الكلام في جنيف او سواها سيكون حصراً مع السياسيين – اذا وجدوا – و سيبقى كلاما حتى يقره الشعب السوري و ان الاهم لديها الان هو تشكل موقف دولي لمحاربة الارهاب ان كانت المجموعة الملتئمة في جنيف صادقة في الحل .

و خلاصة الامر نرى ان مؤتمر جنيف – اذا انعقد – لن يكون في البدء اكثر من احتفالية تسهل للاطراف الخاسرة فرصة لالتقاط الانفاس و الخروج من جوقة العدوان و التملص من الفشل ، و ان يشكل فرصة للسياسيين السوريين المعارضين بان يظهروا ما لديهم من وطنية – ان وجدت – و استثمارها في بلورة حل سياسي يقبل به الشعب السوري ، اما الجماعات المسلحة فلن تكون في جنيف اصلا و لن يكون حوار معها الا في الميدان ، و بما ان هذه المجموعات هي من يملك القرار في المناطق التي اختل الامن فيها في سورية لذلك يبقى حديث الميدان هو الاسلم و الاصدق و اقصر الطرق لوقف العدوان على سورية و تصفية اثاره .

* البناء-العميد  أمين حطيط