الثورة الاسلامیة واختلال میزان القوی في المنطقة

الثورة الاسلامیة واختلال میزان القوی في المنطقة
الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠١٤ - ٠٩:٤٥ بتوقيت غرينتش

بعد أن أعلنت القوة الاستعماریة العجوز بریطانیا، التي كانت فیما سبق لا تغیب الشمس عن مستعمراتها، الخروج من شرق السویس، كان علی الولایات المتحدة الامیركیة، وریثة الامبریالیة الرأسمالیة والقوة الصاعدة بعد الحرب العالمیة الثانیة ملء هذا الفراغ الاستراتیجي الذي جاء نتیجة لضعف بریطانیا وفقدانها للعدید من مستعمراتها بعد موجة الثورات والانتفاضات التحرریة التي شهدها العالم خلال عقود الاربعینيات والخمسینيات والستینيات من القرن الماضي.

ومع ان الأمبریالیة كانت قد استبقت الامور بزرعها لقاعدة متقدمة لها في المنطقة، ألا ان غرابة هذا الكیان اللقیط واختلافه عن نسیج المنطقة عقائدیا وحضاريا وتاريخيا وانثروبوليجيا، جعل من الصعب علی  "اسرائیل" ان تؤدي كامل الدور الامبریالي في المنطقة. لذلك كانت المنطقة بحاجة الی منظومة اقلیمیة تشارك فیها الدول الأكبر المرتبطة استراتیجیا بالمنظومة الغربیة، ومن اجل الحفاظ علی المصالح الغربیة والتي تمثلت في النقاط التالیة:
1 ـ الحفاظ علی أمن الكیان الصهیوني.
2 ـ استمرار تدفق الطاقة.
3 ـ احكام الطوق حول الاتحاد السوفیتي السابق.
4 ـ اجهاض اي تحرك وطني واسلامي یعرض المنظومة الغربیة الاقليمية الی الخطر.
وبهذا النحو جری ربط كل من ایران الشاه وتركیا واثیوبیا بالكیان الصهیوني من جهة، وربط البلدان العربية المستقلة حدیثا في الخلیج الفارسي بالغرب من خلال اتفاقیات امنیة ودفاعیة تضمن الاخیرة استمراریة هذه الكیانات الجديدة.
لكن أهم مبدأ طرحته الادارة الامیركیة في تلك الفترة هو "مبدأ الدعامتین"  الذي تشكل فیه ایران الشاه الدعامة السیاسیة والعسكریة والامنیة، فیما تتولی السعودیة بعده الایدیولوجي والمالي.  وقد استطاع هذا الحلف غیر المقدس ان یحول المنطقة الی جزیرة آمنة للامبریالي الامیركي، ینهب ثرواتها ویحولها الی سوق لمنتوجاته ویأمن من خلالها أمن قاعدته المتقدمة اسرائیل.
وجاء عام 1978 الذي سجل فيه الاميركان نصراً من خلال اختراق مصر وتوقيع معاهدة الخيانة (كامب ديفيد) ليشهد الامبريالي انتكاسة كبرى عوضت على المسلمين والعرب خروج مصر من صفوف المواجهة مع الصهاينة، فقد تعرضت الاستراتیجیة الامبریالية الی صدمة، وهكذا باقي حلفاءها في المنطقة، فهذا نظام الشاه واحد عامتي السیاسة الامیركیة في المنطقة تحاصره ثورة جماهیریة عارمة لم یحسب لها من قبل وبقیت خارجة عن نطاق التجاذبات التقلیدیة بین الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي.. رصاصة انطلقت من القرن السابع المیلادي لتستقر في القرن العشرین كما وصفها محمد حسنین هیكل، وزلزال مدمر وصلت آثاره الی "اسرائیل" علی حد وصف موشي دایان.
وبعد عام من المخاض الثوري، انتصرت الثورة الاسلامیة في ایران في 11فبرایر عام 1979.. ثورة رسمت ملامح جدیدة لوجه الشرق الاوسط وادخلته في مرحلة بعیدة عن صراعاته الكلاسیكیة بین الاشتراكي والرأسمالي او العروبي واللیبرالي، او حداثوي والتقلیدي.. لقد اصبح الصراع بین الخیار الاسلامي الذي انتصر في ایران والخیارات الاخری التغریبیة والمستوردة والرجعیة التي اثبتت جمیعا فشلها في حل مشاكل بلدان المنطقة وتلبیة تطلعاتها وطموحاتها.
وهنا فقدت العدید من الدعوات الزائفة بریقها، فبعض ادعیاء العروبة كالنظام البعثي في العراق ونظام كامب دیفید في مصر السادات، سرعان ما اعلنوا عدائهم للثورة وتجاوزوا جمیع خلافاتهم الشكلیة لیدخلوا في حلف قذر ضدها..
بعض الدول الخلیجية، انتظرت اللحظة المؤاتیة لتعلن عن عدائها للثورة.. الثورة التي طردت الاسرائیلیین من اراضیها ورفعت علم فلسطین علی سفارة كیان الاحتلال وتبنت قضایا التحرر في العالمين العربي والاسلامي ..
انتظرت هذه البلدان الخائفة من الثورة علی عروشها ما ستسفر عنها المواجهة بین الثورة وامریكا في قضیة الحركات الانفصالیة داخل ایران وقضیة رهائن وكر التجسس الاميركي او ما عرف بالسفارة الاميركیة في طهران، رغم ما قدمه بعضها للامریكان في محاولتهم التدخل العسكري في صحراء طبس من قواعد وأمكانيات لوجستية ومالية.. انتظروا صدام حسین لیقفوا خلفه ویدفعوا ثمن عدوانه علی ایران بأموال البترودولار التي حجبوها عن حلقوم شعوبهم التي لا تزال الكثير منها تعاني من سوء المرافق التحتية والفقر( يبلغ في السعودية اكثر من 30% حسب الاحصائيات الرسمية ويكفي ان تشاهد ما يحدث في المملكة السعودية بعد كل زخة مطر!!).. ارادوا بذلك ان یتخلصوا من الثورة في ایران وقدرات العراق المدنية والعسكریة في آن واحد، فكان نظام صدام حسین مطیتهم لتحقیق حلمهم وحلم اسیادهم الامریكان.
لقد كانت الحرب بین الثورة الاسلامیة في ایران ونظام صدام حسین، حرب بین الرسالة المبشرة بالتحرر والعدالة مع قوی الظلام الامبریالیة والرجعیة في المنطقة... وفي ظل هذه الظروف ومن اجل احكام استراتیجیة العداء والحرب ضد ایران الثورة دفاعا عن امریكا و"اسرائیل "والرجعیة في المنطقة، ظهر " مجلس التعاون الخلیجي"  تحت غطاء منظومة اقلیمیة في زمن تكاثرت فیه المنظومات الاقلیمیة العربية والدولية.. لكن الهدف كان شیئا آخر... شیء یسعی الی مواجهة الصحوة الاسلامیة التي عمت كل المنطقة والتي اخذت تهدد عروش الطغاة وانظمتهم البالیة.. انظمة البداوة والقبیلة.. انظمة تاریخها في حرب البسوس...
ولعل ما نراه اليوم من وكر تآمر خليجي (سعودي، قطري، اماراتي) ضد الربيع العربي وقوى التحرر خير دليل على تبعية وتخلف ورجعية هذه البلدان التي ترتعد فرائص حكامها من لفظة الديمقراطية..
واليوم فان الاصطفافات تجاوزت الملاحظات السابقة.. واضحى الصراع علانية بين معسكرين، في احدهما:  كل الرجعية الاقليمية ومعها الكيان المحتل لفلسطين واميركا والغرب وجيوش التكفيريين مهما حاولوا التبرأ منها، وفي الاخر: حركات التحرر الحقيقية، الوطنية والعروبية والبلدان الممانعة للنفوذ الصهيوني في المنطقة، وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية..
ان الثورة الاسلامية التي كانت قبل 35 سنة مطمعاً لأمثال صدام حسين والدول الخليجية! غيرت بصمود الشعب الايراني وتكاتف قوى التحرر في المنطقة ووعي قيادتها معادلة الصراع وجعلت القوى الكبرى في العالم تتجنب المواجهة معها وتحسب لمواقفها ألف حساب...
فهل لايزال من يقول أنه لم يحدث شئ في ميزان القوى؟!

بقلم : مروة ابو محمد