عندما تصبح طهران بيضة القبان!

عندما تصبح طهران بيضة القبان!
الإثنين ٢٨ أبريل ٢٠١٤ - ٠٨:١٧ بتوقيت غرينتش

من اوكرانيا الى سوريا وبالعكس يشهد الامريكي قلقا متزايدا من تحول المشهد الدولي جيواستراتيجيا لغير صالح احاديته تماما…! وتمر الايام ورغم كل الضغط الامريكي والغربي على الفريق المفاوض وحكومة روحاني في محاولة لجرها الى التصادم مع الحرس الثوري والقيادة الايرانية العليا كما كانت تنتظر وتتوقع واشنطن بعد ابرام اتفاق الاطار النووي….’فان الوضع الداخلي تحت السيطرة تماما والخيارات الروحانية بحيثما وكيفما تحركت تبقى تحت الكساء احب البعض ذلك ام كره!’

العلاقة مع واشنطن متعثرة وجدار انعدام الثقة والمرارة لازال على حاله رغم سعي اوباما الحثيث لكسب ثقة البعض المرتعش في محاولة لتقسيم الداخل الى موال ومعارض للتسوية المجهولة الهوية والغامضة…!

التوافق على النووي لا يمكن ان ينجز ابدا دون تكريس حقوق ايران الاساسية المشروعة ولن يتجرأ اي من افراد الطبقة السياسية على تجاوز خطوط الكساء الحمراء..!

ليس في الافق حتى الان سوى التوافق الاطاري العام ولن يجرؤ احد اي احد التفريط بالثوابت ولا شئ في الافق سوى التمديد ستة اشهر اخرى…!
ايران القيادة العليا تمارس الديبلوماسية البطولية باتقان شديد فلا هي تمنع المرتعشين والمتفائلين حتى الثمالة من الحراك، ولا هي تكبح موجات التذمر الشعبي العفوي منه والمنظم من شدة انبطاحية البعض..!

ثمة حراك كبير وكبير جدا على امتداد تضاريس المجتمع الاهلي وشبه الحكومي باتجاه الدفاع عن الهوية الاستقلالية الفكرية منها والاقتصادية والسياسية للدولة ينبئ بدخول دماء جديدة في الطبقة السياسية ما قد يفضي لتحول هام في مطبخ صناعة القرارالايراني خلال العام الايراني الجديد..!

في العلاقات الاقليمية ثمة ثبات ايراني استراتيجي باتجاه حسن الجوار مع العرب والمسلمين في ظل تراجع دور ونفوذ منافسها الاقليمي التقليدي اي المملكة السعودية باعتراف واقرار سفراء وديبلوماسيين غربيين وعرب وخليجيين مقيمين وسابقين..!

ايضا في العلاقات الاقليمية ورغم كل ما تحاوله دولة خليجية بارزة ومؤثرة هي الثانية بعد سلطنة عمان في تطبيع العلاقات بين طهران والرياض فان الاخيرة لا تزال تبعث الرسائل السلبية في هذا السياق مما يؤكد بقاء المملكة مبهوتة امام التحولات العالمية وانعدام القدرة لديها على استيعاب مواكبة هذا التغيير المخيف كما عبر اوباما من جهة واستمرارها في معاداة المحيط الاقليمي والامعان في التورط في المستنقع السوري من جهة اخرى…’

في العلاقات الدولية ثمة اهتمام وسباق لافتان بين الدول الكبرى لاسيما في مجموعة الخمسة زائد واحد بمقاربة التقرب من ايران، القدر المتيقن منه اجماعها بالاجمال على كون طهران باتت اللاعب الاقوى اقليميا وربما المحدد الاساسي لمصائر كل الملفات الاقليمية في ظل غياب شبه تام للمجموعة العربية وتخبط تركي وهزال اسرائيلي..!

رغم الحاح غربي وخاصة امريكي لافت لمناقشة ملفات المنطقة بتوسع خاص مع المفاوض الايراني بموازاة النووي او حتى قبله، لكن القيادة العليا امرت ولا تزال بمنع فتح اي مفاوضات او حوارات قبل اثبات حسن النية حول النووي …!’

رغم كل الضغوط والتشويش الاجنبي الممنهج وبعض ارتباك البعض من الطبقة السياسية الحاكمة حول شكل ونوع التعامل مع القضية السورية فان القرار الاساسي والاستراتيجي لدى القيادة العليا لا يزال هو هو سوريا خطنا الاحمر ومقبرة للغزاة وهي جزء لا يتجزأ من قضية الدفاع عن فلسطين ايا كانت الاثمان ومهما طال الزمان..!

المتابع الجيد والعميق لسلوك القيادة الايرانية العليا يستنتج بان ايران الثورة والدولة والمجتمع لا تزال عند ثوابتها الدينية والثورية والوطنية المعروفة رغم تململ البعض او ترهل الآخر او بروز تيارات تحريفية او مراجعاتية لدى اناس هنا او اناس هناك والحراك على اشده في هذا السياق لمنع تبلور تكتل تحريفي سيبقى منبوذا في هرم السلطة والمجتمع ما دام ربان السفينة هو الامام السيد علي الخامنئي.

يبقى اخيرا وليس آخرا القول بان ايران من الداخل وبعد اكثر من تجربة حراك مفتوح متكئ على المبدئية والثورية من جهة وعلى التغيير والاصلاح من جهة اخرى فانها ترسخت في المسرح الخارجي بمثابة دولة اقليمية عظمى بامتياز يسعى العدو اليها قبل الصديق ليضعها في جدول اعماله وترتيبات سياسته الخارجية القصيرة المدى والاستراتيجية ولسان حاله يقول: اذا كان ولا بد من طهران فما هي نوع السياسة التي ينبغي التعامل بها معها بما لا يفقد الواحد من وزنه الكثير لصالح هذا الصاعد الجديد.!

المتابعون لمسار حركة الديبلوماسية الدولية تجاه طهران يؤكدون تفتت الاجماع الدولي ضدها بشكل نهائي،’فواشنطن تريدها ناظما اقليميا لما بعد انكفائة الاولى نحو الشرق الادنى من احل مواجهة الروس والصينيين اقتصاديا..

واوروبا بحاجة ماسة لها في كل الظروف ان من حيث كونها الكوريدور الطبيعي للوصول الى اسواق المنطقة او كونها القطب الناظم لسير حركة الطاقة…

واما المحور الروسي الصيني فانهما باتا اقرب ما يكونان الى الحليف الاجباري لطهران في اطار اي مواجهة حربية او مواجهة سلمية مع واشنطن وحلفائها……

المصريون وحسب هيكل لا مستقبل واعد منظور لهم دون التوجه نحو، المشرق من الضاحية مرورا بدمشق وصولا الى طهران لتحقيق اي قفزة نوعية في نظامهم السياسي ومستقبل ثورتهم الشعبية…
اما عرب الخليج فاصبح مستقبلهم السياسي رهن بمستقبل التفاهم الايراني الامريكي بامتياز..

وهكذا يكون صبر طهران الاستراتيجي من جهة وديبلوماسية التحالفات المتحركة والمرنة قد اثمرت انتقال القوة الايرانية من شكل القوة التي يحسب لها حساب في جيوبوليتيك المنطقة الاقليمية فحسب الى قوة ما وراء بحرية وهذا هو سر القلق الامريكي من الايرانيين الذين يبدو عليهم انهم يغادرون اليابسة ويركبون البحر من مضيق هرمز الى المتوسط الى باب المندب فيما يجبر الامريكي على اعتماد ميزانية جديدة لجيشه تطالب باعادة عديده وعتاده الى ما قبل الحرب العالمية الثانية ، والتوجه لعدم نزوله من السفن تحت اي ظرف كان..

انه الانكفاء الامريكي نحو الداخل بسبب الانهيارات الاقتصادية… واعادة تموضع قواته المنتشرة منذ الحرب العالمية الثانية من منطقتنا العربية والاسلامية الى الشرق الادنى بسبب الانكسارات الجيو استراتيجية…
انه مرة اخرى عالم ينهار … عالم ينهض…’
عالم تراجع الدولار الامريكي القائم من دون رصيد اصلا مقابل تقدم الذهب العربي والاسلامي الجديد… القائم على اصالة معدن ذهب المقاومة الشعبية التي تتقدم خطوات نوعية هائلة انطلاقا من الارض السورية وكيف تحولت الى الاحتياط الاستراتيجي الذي لا ينضب عدة وعديدا وتجربة لا حدود لها.

* محمد صادق الحسين / القدس العربي