ما الذي یدفع العراقي الی المشاركة في الانتخابات؟

ما الذي یدفع العراقي الی المشاركة في الانتخابات؟
الثلاثاء ٢٩ أبريل ٢٠١٤ - ٠٩:١٣ بتوقيت غرينتش

كنت في احد مراكز الاقتراع التابعة للمفوضیة العلیا المستقلة للانتخابات في العراق بالامس حیث بدأ التصویت في الخارج. كانت كثافة الحضور مدهشة، المئات وبشتی انتماءاتهم السیاسیة والقومیة جاءوا للتصویت والمشاركة في صنع القرار، رغم ان اغلبهم مضی علی هجرته او تهجیره من العراق اكثر من عقدین او ثلاثة عقود من الزمن.

وكانت نسبة كبیرة من الناخبین هم الشباب الذين حافظوا علی انتمائهم وهویتهم.. وهذه عیّنة من المجتمع العراقي عامة، لكن السؤال، هو: ما الذي یدفع العراقي في خارج العراق وداخله الی المشاركة الفاعلة في الانتخابات؟

وللاجابة على هذا السؤال، اقول: ان المشاركين في هذا العرس الانتخابي العراقي علی انواع، ویحملون اجندات ومطامح متعددة، فهناك الموالون او المؤیدون للعملیة السیاسیة.. وهناك المعارضون لها..

والمعارضون - وأبدأ منهم - في الغالب من اتباع النظام الدكتاتوري السابق الذین یعتبرون العهد الجدید ضدهم وقضی علی امتیازاتهم وانهی عقود من سلطتهم، وبالتالي لابد ان یعمل هؤلاء علی قلب موازین العملیة السیاسیة من اجل تهیئة الارضیة لتغییر الدستور والعودة الی النظام العروبي، الشمولي، والامتیازات الطبقیة والمذهبية التي كانت لهم.. هؤلاء لا یزالون یعیشون في الماضي ویتجلی ذلك من خلال الدعایة الانتخابیة التي یقومون بها، فالاناشید والاعلام والرموز كلها من الزمن البائد...!

اما المؤیدون للعملیة السیاسیة، فلیسوا علی شاكلة واحدة وهؤلاء ایضا یذهبون الی عدة طرق واتجاهات، أما التقسیم الأعم لهم، فهو: مؤیدون للحكومة ومعارضون لها..

المعارضون للحكومة وبغض النظر عن الشعارات التي یرفعونها والاجندات التي یحملونها بینهم الاكراد والعرب السنة ومن الاغلبیة الشیعیة (المكون الاكبر في العراق ).. هؤلاء تتركز معارضتهم في الغالب علی نقد الأداء الحكومي فيما يتعلق بالمشاركة في القرار والسعي للوصول الی السلطة، رغم ان اقلیة منهم (وخاصة من العرب السنة) لا یخفون ارتباطهم باعداء العملیة السیاسیة من البعثیین، بل یسعون الی نفس الهدف من خلال شعار تغییر الدستور والعودة الی بغداد والقضاء علی الحكم الطائفي! وهؤلاء حشدوا جمیع امكانیاتهم لتغییر المعادلة القائمة بالاعلام والدعاية والمال والدعم السیاسي الذي یتلقّونه من الداخل والخارج...

وبالنسبة للمؤیدين للحكومة او الذین یرفعون شعار الولایة الثالثة لرئیس الوزراء نوري المالكي ویجمتمعون ضمن قائمة دولة القانون وبعض القوائم الاخری القریبة منها، فهؤلاء یطمحون الی القضاء علی المحاصصة من خلال حكومة اغلبیة تستطیع تمریر المشاریع التي تتقدم بها الحكومة والتي تهمّ حیاة المواطن بشكل مباشر.. ویرون ان المناكفات والسجالات السیاسیة اثرت علی اداء الدولة فیما یتعلق بالامن والخدمات وسائر شؤون البلاد.. لذلك فهم حشدوا كل امكانیاتهم للفوز بهذه الاغلبیة رغم ان الامر یبدوا صعبا بعض الشیء بسبب المال السیاسي والمواقف الخارجیة المعادیة والتي لها من یمثلها في الداخل العراقي... فالعدید من القوی الاقلیمیة لا ترید هذا المنحی العراقي الجدید في السیاسة الخارجیة والذي یمكن التعبیر عنه بـ " الحیاد الایجابي " وسیاسة عدم التدخل في الاصطفافات والمحاور، لانهم وباختصار یرون ان هذه السیاسة بحد ذاتها تشكل اصطفافا في المحور المقابل، علی قاعدة "من لم يكن معنا فهو ضدنا "!

وعلی اساس ما تقدم.. هناك ارادتان تتصارعان في هذه الدورة من الانتخابات التشریعیة، ارادة الاستمرار والاكمال ورفع نواقص العملیة السیاسیة القائمة والتي قدّمت الكثیر للعراقیین واخفقت في العدید من المجالات ایضا وفي مقدمة ذلك محاربة الفساد... وارادة اخری شعاراتها نفس شعارات الحكومة لكنها لم تقدم الضمان علی حسن التطبیق!

وهناك عامل اساس ولاعب محوري علی الساحة العراقیة لا یمكن التغاضي عنه وهو الظلم والقهر والتهمیش الذي عانی منه المكوّن المذهبي الاكبر في العراق.. وبلغة اوضح " الشيعة".. وهذا العامل یدفع العدید من العراقیین الی التصویت لصالح العملیة السیاسیة ولربما لصالح قوائم بعینها ترفع شعار الوقوف امام اي محاولة للعودة الی النظام السابق.. وهذا العامل سیؤثر بقوة علی الاصوات التي تحصل علیها بعض القوائم والتي ستفقدها قوائم اخری.

ومع ان العدید من المراقبین واستطلاعات الرأي تتحدث عن فوز دولة القانون والقوائم القریبة منها.. لكن السؤال الاساس، هل سیؤمن هذا الفوز طموحها في حكومة اغلبیة، تتجاوز معضلات الدورات السابقة؟!

وبالتالي فأن السعي لحكومة شراكة وطنیة حسب المعارضین، وحكومة اغلبیة برلمانیة حسب الحكومة الحالیة، من اجل الامن والرفاه والتطور.. هو الذي یدفع الناخب العراقي للتصویت بكثافة المشاركة الواسعة في هذه الانتخابات، خاصة بعد ان اثبتت السنوات الماضية ان خيرات العراق وقدراته الاقتصادية تمكنه من ان يعيش ابناءه بما هو افضل من يومهم اسوة بالبلدان المتقدمة في المنطقة.. شرط ان يتوفر لهذه السفينة ربان متمرس، قوي وأمين.

بقلم: علاء الرضائي