مسعود بارزاني وعراق بمقاسات كردیة

مسعود بارزاني وعراق بمقاسات كردیة
الأحد ٠١ يونيو ٢٠١٤ - ٠٦:٢٣ بتوقيت غرينتش

الاكراد يعتبرون شركاء أساسیون في العملیة السیاسیة القائمة بالعراق الجدید، عراق مابعد دكتاتورية صدام حسین التي عانى منها العراقيون بجميع مكوناتهم لاكثر من ثلاثة عقود، فهم یشكلون نسبة 17% من مجموع الشعب العراقي الذي تتقاسمه ثلاث مكونات رئیسیة هم، الاكراد، العرب السنة 15% والشیعة 65% اضافة الی 3% اقلیات اخری (تركمان وشبك وكلدوآشوریون و...).

ولا ینسی احد ما عاناه الاكراد كغیرهم من الشعب العراقي في مواجهة دكتاتوریة البعث والقومیین والطائفیین الذین سبقوهم، كما انه لا احد ینفي كفاحهم ضد الدكتاتورية وحقهم في تقریر المصیر، علماً انه هم الذین اختاروا البقاء ضمن عراق فیدرالي یأخذون سنویاً 17% من حجم میزانیته لاعمار مناطقهم وادارة شؤون حكومتهم ومؤسساتهم الاقتصادية والامنية والسياسية، هذا المال القادم من النفط اهل الجنوب بالدرجة الاولی ومن خیرات ارضهم، في حين انهم، اي اهل المناطق الجنوببية لايزالون يعيشون اوضاعا اقل ما يقال عنها انها لاتتناسب وحجم ما تقدمه ارضهم من خيرات واموال لجميع سكان العراق.

وفي مسألة العلاقة بين المركز الاتحادي والاقليم الكردي، تبرز قضیتین اساسيتين وحيويتين، هما:
1- هل الفیدرالیة مفروضة علی الاكراد ومن الذي فرضها عليهم؟
2- ما هي لوازم الفیدرالیة بالنسبة للمركز والاقلیم علی حدّ سواء؟

وقبل الاجابة علی السؤال الاول نجد من المعیب ان یخرج كل یوم السيد مسعود بارزاني "الرئیس التاریخي" لاقلیم كردستان العراق ویهدد العراقيين بالانفصال، والادهى من ذلك انه یدرك جيداً بان تهدیداته فارغة ولعله هو ومن يدعمه في ذلك يرفضون الانفصال لما للشراكة مع العراق من منافع لهم وتجنباً لمشاكل قد تجعل من جمهوريته القادمة اشبه بحكومة جنوب السودان، لذلك لا منّة علی باقي ابناء الشعب العراقي ومكوناته بقاءك معهم..

ثم ما الذي جناه الشعب العراقي من بقاء الاقليم معه غیر فقدانه لـ 17% من ميزانيته (اكثر من 20 مليار دولار سنويا) ما عدى الاموال التي يحصل عليها الكردستانيون من مناصبهم ووظائفهم الاتحادية والاموال التي تدر على قادتهم من المشاريع والمرافق الاتحادية، كشركتي اسيا سل وكورك تيلكوم للاتصالات المملوكتان لقيادات كردية.. بينما لا نجد اي انصياعا من جانب الاقليم للمركز، بالعكس تحول الاقليم الى مركز لتجمع اعداء الحكومة المركزية ومأوى لكل الناقمين على قيادته!
والادهى من ذلك كله تحول الاقليم الى مشارك في مشاريع واجندات اقليمية ودولية معارضة لسياسة الدولة العراقية، وللاسف فأن السيد بارزاني يتحرك كرئيس دولة مستقلة وليس كأقليم تابع للحكومة العراقية، ضارباً بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدستورية.

اما مستلزمات الفیدرالیة، فقد أخذ الاقلیم اكثر من حقوقه وما یمنحه الدستور والعرف الفیدرالي منها واصبح كونفدرالیة حقيقية ومحمیة قومية لاتخلو من شوفينية مقيتة تفرض نفوذها علی المركز، فتشاركه في كل الاشیاء وتمنعه من ممارسة حقه علی ارض الاقلیم وكانه لیس جزءاً من الدولة العراقیة!

وبغض النظر عن الدور الذي يقوم به الاقليم في الاستعداد لاعلان دولته القومية المنشودة التي تشكل حلم السيد بارزاني وغيره من قيادات الاقليم، فان التحركات والممارسات التي قام بها السید مسعود بارزاني في ظل غیاب الرئیس جلال طالباني والذي يحظى بحب واحترام العراقيين، على المستوى الاقليمي اثارت حتى استياء شركاءه الاخرين في كردستان ومنهم قيادات سابقة في حزبه الديمقراطي الكردستاني، تثیر العدید من التساؤلات حول دور الاقلیم وتجاوزاته علی سلطة المركز والدولة الاتحادیة، ومنها:
1- تهریب النفط العراقي وبیعه لجهات مشبوهة، من بینهم الصهاینة الذین هم اعداء العراق ویعتبرون في حالة حرب معه، في الفضيحة الاخيرة التي كشفت عنها وسائل الاعلام الاميركية.
2- اقامة علاقات مع جهات دولیة واقلیمیة دون تنسیق مع الحكومة الفیدرالیة وهذه الجهات بعضها یقع ضمن خانة اعداء العراق الجدید... علماً ان اي تحرك دبلوماسي لابد ان یكون بالتنسیق مع الحكومة الفیدرالیة، مع ان وزير الخارجية العراقي من حزب السيد بارزاني وخاله.
3- قطع الماء عن المناطق الوسطی والجنوبیة، في اجراء مشابه لما يقوم به الاتراك وقام به الارهابیون في الرقة (سوریا) والفلوجة (العراق).
4- رصد كمیات كبیرة من الاموال (الاموال التي مصدرها نفط الجنوب العراقي وضمن الموازنة السنویة للاقلیم) لدعم التنظیمات والمیلیشیات الكردیة في البلدان الاخری: ایران، سوریا وتركیا.
5- التضییق في الاجراءات علی ابناء الوسط والجنوب وكانهم یدخلون بلداً آخر غیر بلدهم.
6- عدم انصیاع قوات الجیش والشرطة الاتحادیة (الاكراد) لاوامر القیادة العامة للقوات المسلحة وانسحابهم من القتال والمواجهة بأمر من قيادة الاقلیم، وهو ما حصل خلال المواجهات الاخيرة مع الارهاب في الانبار والموصل وديالى، والاسوء من ذلك هو ان قطعات البيشمركة تتفرج وتنتظر نتائج المواجهات بين الارهابيين والقوات الاتحادية!
7- محاولات مدعومة من الخارج لشق صف التحالف الوطني، وتمویل لبعض الاتجاهات داخل المكون الشیعي لضرب وحدته ووعیه المذهبي تحت عناوین مختلفة.
8 ـ الاتصال بجهات اجنية غير صديقة وبحث الشؤون الاتحادية للدولة العراقية معها، ولعل ابرز ما يمكن ذكره هنا لقاء السيد بارزاني برئيس الائتلاف السوري المعارض احمد الجربا والبحث معه بشأن الولاية الثالثة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي!
9 ـ سبق لحكومة الاقليم استقبال شخصيات دون التنسيق مع الحكومة المركزية وحتى خلاف ارادة الاخيرة، والتنسيق معها ضمن مشاريع اقليمية مشبوهة ومعادية احيانا.

ان الدور الذي یحاول من خلاله السيد مسعود بارزاني ادخال المنطقة الشمالیة من العراق في لعبة دولیة واقلیمیة، من المؤكد انها لن تكون لصالح الاقلیم واهله، بل قد تجرّ الاقليم الى لعبة امم دمرت واحرقت الكثير من القيادات والبلدان والمناطق، ولم تكن لها اية ضرورة مجرد ان تلك القيادات كانت تبحث بشكل غير عقلاني عن دور اكبر من قدراتها وامكانياتها الحقيقية...

انها لعبة الاقدار التي لانريدها ان تطيح بهذا المناضل القومي الذي ولد في ايران ولم يستطع اكمال دراسته في العراق وعاش مكافحاً وشهد اكثر من مرة فشل تحالفاته السياسية وانتماءاته الدولية.. فليست كل الاحداث شبيهة بما حصل في 1991 او 2003، والحصيف من يضع ولو لمرة واحدة في مخلدته تجربة هزيمة 1947 والهروب للاتحاد السوفيتي ونكبة 1975 والهروب للولايات المتحدة.

* علاء الرضائي