المهدویة بین انتظارین: سلبي وایجابي

المهدویة بین انتظارین: سلبي وایجابي
الجمعة ١٣ يونيو ٢٠١٤ - ٠٧:٤٠ بتوقيت غرينتش

یتفق جمیع المسلمین علی فكرة المهدي، بل يعتبرونها من "ضرورات العقیدة" حسبما یقول شیخ الوهابیة ومفتي السعودیة السابق عبد العزیز بن باز، فما بالك بالشیعة اصحاب نظریة الامامة والصوفیة اتباع نظریة الانسان الكامل..

اكثر من ذلك، المهدي فكرة ونظریة تشترك فیها جمیع الادیان التوحیدیة والمدارس الوضعیة (وان كانت الاخیرة اخرجت الفكرة من حالة الشخصنة الی الانموذج او المجتمع المنشود لدیها، كما هو الحال في الكمون النهائي عند الشیوعیة والتكامل التاريخي في مثالية هيجل والانسان الآخر عند ليبرالية فوكوياما).
ورغم الاختلاف في الشخوص والمصطلحات، فالمسیحیون یتحدثون عن المنقذ وعودة المسیح وهو ما لا یتعارض مع الفكرة المهدویة عند المسلمین.

ولقد وصل الاتفاق بين المسلمين الى مستوى كبير، حتى علی تفاصیل التحرك والعلامات التي تسبق الظهور والجهات التي تقاتل مع المهدي (عج ) او التي تقاتله.
نعم الاختلاف بین الشیعة والسنة هو ان المهدي ولد أو یولد في آخر الزمان، فالشیعة یقولون بأنه مولود وغائب ابوه الحسن العسكري الامام الحادي عشر عند الاثنا عشریة والمدفون هو وزوجته " نرجس " ام الامام الغائب في سامراء بالعراق (المرقد الذي يتعرض اليوم لتهديد الوهابيين بالهدم!)، اما السنة فیقولون انه سیولد في آخر الزمان وبالتالي لن یكون معروفاً قبل ظهوره واشهار دعوته ونفسه ( وهنا ایضاً یشتركون في مبدأ غیبته او عدم معرفته) كما ان اهل السنة یقولون انه من ولد الحسن المجتبی (ع) والشیعة یقولون انه من ولد الحسین الشهید (ع) والاثنان ابناء علي بن ابي طالب من فاطمة بنت رسول الله عليهم صلوات الله وسلامه.

كل ذلك لا یبدو مهماً مقارنة بما یتخذوه المسلمون باختلاف اتجاهاتهم من موقف في مرحلة قبل ظهوره، فقاطبة المسلمین لیس لهم موقف ازاء المهدي (عج) والمجتمع یعیش وفق مساره الطبیعي، فیظهر المهدي لیشكل حدثاً منفرداً ومستقلاً بذاته منفصلا عن المجرى العام للتاريخ وبمنأى عن الوجود الاسلامي القائم على مستوى الفرد او الجماعة، فیغیر مسار المجتمع الذي ساد فیه الظلم وطغی علیه الجور، اي ان الفكرة تقوم على القطيعة التامة بين الوضعين القائم والمنشود، هنا يشتركون مع بعض الاتجاهات الشيعية كالحجتية!

اما الشیعة فینظرون الی المسألة المهدویة، كفكرة مؤثرة في المجتمع وفي صناعة التاریخ سواء لمرحلة ما بعد الظهور أو ما قبله فكرة ممتدة غیر مقطوعة عن مسار تاریخ الامة.. صحیح ان الامام یظهر في آخر الزمان، لكن السؤال الشيعي الاساس هو لماذا غاب الامام عن اعین الناس؟ وما هو موقف الأمة في زمن الغیبة؟
وهنا يجد اتباع مدرسة اهل البیت علیهم السلام انفسهم بین موقفین رئیسیین، هما: الانتظار السلبي والانتظار الایجابي.

الانتظار السلبي:
وهو منطق المدرسة التقلیدیة التي تدعو الی عزلة اهل الدین والایمان وترك المجتمع الذي تتصاعد فیه المعاصي بأضطراد ویغلب علیه الظلم والجور، لیتحقق الحدیث الشریف بانه یملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجورا!
ویدعمون موقفهم هذا بجملة روایات في مقدمتها ان كل رایة ترفع قبل المهدي (سلام الله علیه) هي رایة باطل.. في حین ان هذا المنطق الغنوصي الانهزامي یتعارض مع ابسط تعالیم القرآن الكریم وسیرة النبي الكریم وائمة اهل البیت (علیه وعلیهم صلوات الله وسلامه).

الانتظار الایجابي:
وهو ان یقوم المؤمنون والرسالیون بدورهم الذي أمرهم الله به في المجتمع من الدعوة الی الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اجل خلق الارضیة والقاعدة اللازمة للظهور، علی اعتبار ان حرمان الأمة من وجود إمامها سببه الامة نفسها (على مستويي الحاكم والمحكومين)، فاذا كانت الارضیة مهیأة علی صعید الأمة حینها سیتحقق الظهور، وهذا الاتجاه الأخیر یتناسب ویتفق مع منطق الرسالة والشریعة واحكامها ومنهجیة القرآن الكریم التي تدعو المؤمن الی الحركیة وعدم السكون والانعزال تحت مبررات وحجج واهیة وتجنب المواجهة مع الطاغوت والانحراف..

إن المهدویة هي الجناح الذي تحلق به الأمة نحو سموها، وهو الأمل الذي ینتشل الأمة من بعض واقعها وضياعها، فلا حیاة بلا أمل ولا قیمة لأمة تبقی بین الحفر متخلفة عن ركب الانسانیة، تعیش في ظلمة الخنوع بانتظار من یخلصها دون ان تحرك ساكناً وتتقدم خطوة باتجاه نجاتها وخلاصها..

اللهم أرنا الطلعة الرشیدة والغرة الحمیدة واجعلنا من انصار مهدي آل بیت نبیك والذابین عنه والمستشهدین بین یدیه.

علاء الرضائي