الصرخي.. افرازات عراقیة أم أجندات أجنبیة؟

الصرخي.. افرازات عراقیة أم أجندات أجنبیة؟
الجمعة ١٠ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٧:٢٩ بتوقيت غرينتش

یرى كثيرون أن بروز ظواهر فكرية دينية مسلحة في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 على يد الاحتلال الاميركي للعراق، يعتبر وليد مخاض عراقي طويل شاركت في بلورته وصيرورته عوامل سياسية ودولية واقتصادية وفكرية ومجتمعية متعددة وكان نتيجة 35 سنة من سيطرة البعث على السلطة والتغييرات التي طالت بنية المجتمع والشخصية العراقية.. وفي مقابل هذا الرأي، يرى آخرون ان مثل هذه الظواهر هي من صنع المحتل وبالتنسيق مع حلفاءه..

وحقيقة الأمر من الصعوبة بمكان الاتكال على إحدى وجهتي النظر هاتین ورفض الأخرى، لتداخل العوامل الداخلية والخارجية واستحالة الفصل بينهما...

ومن هذه الظواهر التي برزت في الوسط الشيعي العراقي وفي عمق المؤسسة الدينية، هو حركة محمود الحسيني الصرخي "المرجع العربي" كما يسمي نفسه، والتي انتهت مؤقتا في يوليو/ تموز الماضي (2014) بصدام مع قوى الأمن والجيش العراقيين في محافظة كربلاء المقدسة بعد مقتل 125 من اتباعه والقاء القبض على 350 منهم، وتدمير محميته العسكرية في حي سيف سعد، أما هو فمصيره غامض بين الاختفاء والملاحقة من قبل الحكومة التي استخدمت حتى الطائرات في المواجهة مع ميليشياته (الصرخي).

وبالنسبة لأسباب الصدام بين الحكومة وميليشيا الصرخي، فما أعلن عنه رسمياً أضعف وأدنى مما يستوجب هذا المستوى من الصدام وفتح جبهة جدیدة أمام قوی الأمن والحكومة فی ظروف یعیش العراق فیها حالة حرب واحتلال من قبل زمر الارهاب ومشاكل كبیرة علی مستوی الشراكة الوطنیة ومستقبل وحدة البلاد..

وبغض النظر عن الاسباب، ففي أي دولة كانت تقع مثل هذه الامور فانها توضع في خانة التآمر علی أمن الدولة والخیانة العظمی والمحاربة، اي كان من يقف وراءها وبأي زي كان.

لیس مهما أسم المیلیشیات او انتماءها الأثني، بل المهم هو أن بروز مثل هذه الحركات والظواهر جاء في مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي (2003) والأسباب التي أدت الی ذلك والهدف منها، ولحظة طفوها على السطح والصدام مع الدولة او النسيج والخطاب العام؟

وهنا نجد انفسنا بین تحلیلین:  الاول، یعتمد نظریة المؤامرة ويقول بأن هذه الوجودات والزعامات والشخصیات أنشأها نظام صدام حسين وانها تنتسب الی المخابرات العراقیة السابقة من خلال القصص التي تنشر عن سیرة شخص "الصرخي" ومراحل حیاته وتناقلاته مابين مدينة الحرية والنجف و... لكن السؤال الذي یبدد مثل هذا التفسیر هو: لماذا لم تتعامل الدولة والنظام الجدید معه علی أساس انه من مخلفات النظام السابق، ولماذا یجري اجتثاث البعث ورموزه في دوائر الدولة العادیة ولا ینظر الیهم في أهم مؤسسة روحیة وعقدية، بل تقوم الدولة (حكومة كربلاء في زمن المحافظ آمال الدين الهر عضو حزب الدعوة جناح المالكي) بمنحه جزء من الكعكة التي جری تقاسمها بین المرجعیات الدينية، وهي السیطرة علی بعض المراقد المقدسة والاستفادة من ایراداتها؟!

ثم اذا كانت المسألة بهذه الحدّة والوضوح لماذا سكتت الحوزة ومؤسساتها المتنفذة عن ذلك؟ الاّ ان نقول بان الخلل أوسع مما یوجب المتابعة ویمكن من خلاله الرتق!

 

أما التحلیل الثاني وهو الأقرب الى الواقع منه الى نسيج المؤامرة، فانه يذهب الى القول بأن هذه الظواهر ما هي الاّ افرازات للتدني العلمي والثقافي، وبسبب تفشي الجهل في المجتمع وبین قطاعات واسعة منه، كما انه بسبب غلبة قیم غیر مدنیة وعشائریة علیه، للحد الذي وصلت فیه هذه القیم الی قطاعات واسعة من طلبة العلوم الدینیة انفسهم، وخاصة تلك التي تنسب نفسها الی الحوزة الناطقة وتلامذة السید الشهید الصدر الثاني (رحمه الله) الذي أسس لحالة جديدة في العراق تتماشى مع التداعي المجتمعي والانحطاط العام الذي شهده العراق في تسعينيات القرن الماضي..

وفي ظل غیاب تام للدور المرجعي التقلیدي، او بتعبیر ادق انغماس المرجعیة التقلیدیة في ذاتها، ولاسباب یعرفها الجمیع وفي مقدمتها سلطة النظام البائد ودكتاتوریته وعدم عربیة الحوزة وزعاماتها في ظل دولة قومیة فاشیة، أصبح الادعاء المرجعي وسیلة للسیطرة علی الشارع وتشكیل مراكز نفوذ وسلطة، وجاء الاحتلال عام 2003 وتلاشي الدولة لیكرس هذه الحالة..

 

ومن هذا المنطلق فان أغلب الاشكالات التي تؤخذ علی مرجعیة السید الشهید الصدر الثاني(رحمه الله) سببها عدم القراءة الدقیقة للواقع العراقي في مرحلة ما بعد الثمانینیات من القرن العشرین، فذاك الواقع أفرز مرجعية تختلف كثیراً عن مرجعیة السید الشهید الصدر الاول(رضوان الله علیه) والتي كانت مرجعیة رشیدة حداثویة تنتمي في خطابها الی مرحلة ما قبل الانهیار والتداعي المجتمعي والثقافي في العراق، وهي بدورها نتاج للفترة الممتدة من اربعينيات حتى سبعينيات القرن الماضي، حيث الحياة البرلمانية والحراك الجماهيري والتنوع الفكري والسياسي وظهور مقولات تقدمية في التطور والرفاه.. وكان من الطبیعي ان تنسب هذه الظواهر المتخلفة نفسها الی مرجعیة الصدر الثاني او تتهم مرجعیته (رحمه الله) بانتاج مثل هذه النماذج الحوزوية..

وهذا لا یعني في أية حال الاغفال عن العامل الآخر، وأقصد به الاجنبي في الدفع بهذا الاتجاه وتبني مثل هذه الظواهر التي من شأنها تفتیت المكون الاكبر في العراق ومن خلال ضرب أهم نقاط قوته وهي المرجعیة، والتي ثبت استهدافها ومحاولات اختراقها من قبل أجهزة المخابرات العالمیة والاقلیمیة.. لذلك فان كل صوت یحمل في طیاته بذور التفرقة وفق أسس قومیة وعرقیة وغیرها او الصمت الذي یفقد الأمة واحدة من أهم نقاط قوتها، یجب ان توضع أمامه أكثر من علامة استفهام..

 

ان مكافحة ومواجهة مثل هذه الظواهر المنحرفة علی صعید الفكر او الشعائر لیس من مهمة الحكومة والأجهزة الأمنیة بالدرجة الاولی، بل هو من صميم مهام المؤسسة الدینیة نفسها التي تنتمي الیها هذه الظواهر والحركات ومن خلال سحب الشرعیة عنها وعن شخوصها وعزلها، لیتسنی بعد ذلك للأجهزة الأمنیة الاجهاز والقضاء علیها في الحالات التي تشكل تحدیاً أمنیاً قائماً او مستقبلیاً.

اننا لا یمكن ان نفسر اي عملیة تطاحن او اقتتال او فتنة داخل المكون العراقي الاكبر الیوم، خارج اطار الحرب الدائرة بین الدولة من جهة والزمر الارهابیة وعملاء الاجندات الاجنبیة من جهة اخری، اي كان الذي یقف خلف هذا الاقتتال والفتنة، فما بالك اذا كان التوقيت والفكر والخطاب والاستهداف كلها تشير الى ذلك!

بقلم: علاء الرضائي