الحرب النفطية السعودية ضد إيران وروسيا سيف ذو حدين

الحرب النفطية السعودية ضد إيران وروسيا سيف ذو حدين
الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٧:١٩ بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي كان متوقعا أن تشهد أسواق النفط العالمية ارتفاعا في أسعار النفط بسبب الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط ، وسيطرة "داعش" على حقول النفط في سوريا وتهديدها حقول النفط في العراق ، والفوضى التي تضرب ليبيا ، والازمة التي تشهدها اوكرنيا،

والحظر الاقتصادي المفروض على روسيا وايران ، وقبل كل هذا وذاك فصل الشتاء الذي أخذ يطرق أبواب اوروبا والعديد من دول العالم ، الا ان منطق السوق يتراجع واذا باسعار النفط تهوي من 110 دولارات للبرميل الى 82 دولارا في اكتوبر / تشرين الاول الماضي.

هذا الانخفاض المفاجىء لسعر النفط الذي وصل الى اكثر من 20 بالمائة ، لم تشهده اسواق النفط منذ اربع سنوات، وهو يهدد اقتصاديات العديد من الدول ومن بينها روسيا و ايران والعراق وفنزويلا ونيجيريا ، التي تعتمد ميزانياتها على عائدات النفط بشكل كبير، بل يهدد اقتصاديات حتى الدول المنتجة للنفط في الخليج الفارسي.

الانخفاض الكبير في اسعار النفط وخلافا لمنطق السوق ، جعل الكثير من خبراء الاقتصاد والسياسيين يشيرون باصابع الاتهام الى السعودية ، لمحاولتها الابقاء على سقف انتاج يتجاوز ال10 ملايين برميل من النفط يوميا ، وعدم اتخاذها اي اجراء عملي للابقاء على سعر 100 دولار للبرميل ، وهو ما يتناقض مع مصالح الدول الاعضاء في منظمة اوبك.

بالرغم من عدم وجود مبررات اقتصادية مقنعة لسياسة إغراق الاسواق بالنفط ،  الا ان الخبراء الاقتصاديين والسياسيين السعوديين حاولوا  نفي وجود دوافع سياسية وراء اغراق السوق النفطية من قبل السعودية ، عبر التأكيد على ان هدف السعودية من وراء هذه السياسة هو اقتصادي بحت ، وهو العمل على اقناع امريكا بعدم اقتصادية انتاج النفط الصخري بسبب كلفته العالية ، والاكتفاء بالنفط السعودي الرخيص، فالسعودية تخشى في ان تستغني امريكا عن نفطها في حال طورت انتاج النفط الصخري ، كما ان البعض حاول ان يبرر هذه السياسة بمحاولة السعودية التاكيد على انها الطرف المؤثر في اوبك ، او محاولة سد العجز السعودي بزيادة حجم الانتاج ، الا ان كل هذه المبررات لم تصمد امام منطق السوق المبني على قاعدة العرض والطلب والسياقات التي تعمتدها منظمة اوبك التي أنشأت بالاساس للحفاظ على اسعار معقولة للنفط ، تكون في صالح الدول المنتجة والمستهلكة في آن واحد.

ان توقعات الخبراء النفطيين بهبوط اسعار النقط الى ما بين 50 و60 دولارا للبرميل بسبب السياسية السعودية ، اثارت تساؤلات عديدة عن السبب الحقيقي وراء قرار السعودية بإغراق الاسواق وخفض سعر النفط ؟ ، ومن هي الجهة المستهدفة من هذه السياسية ، التي يمكن وصفها بالحرب النفطية التي تشن لتحقيق اهداف محددة ، لم تتحقق على ما يبدو بالوسائل العسكرية والحرب بالنيابة ؟.

جميع الدلائل والقرائن تشير الى ان قرار شن الحرب النفطية اتخذ في واشنطن على خلفية الملفين الاوكراني والسوري ، ونقل الرئيس الامريكي امر شن الحرب النفطية شخصيا الى الملك السعودي عبدالله ، لدى زيارته السعودية في نيسان / ابريل الماضي ، كما تم التاكيد على مواصلة هذه الحرب دون توقف خلال الزيارة التي قام بها وزير خارجية امريكا جون كري الى الرياض في ايلول / سبتمبر الماضي لدى لقائة الملك السعودي.

هذه ليست المرة الاولى التي تشن فيها السعودية حربا نفطية نزولا عند اوامر امريكية ، فالمعروف تاريخيا عن السعودية انها تعتبر المنتج المتمم الذي يقوم بدور المعوض عن اي نقص في سوق النفط العالمية والتي يمكن ان تضر بالاقتصاد الامريكي ، وهو ما حدث ابان الثورة الاسلامية في ايران ، ولدى غزو صدام للكويت ، وعندما فرضت امريكا الحظر على العراق ، وعندما اوقفت الفوضى الصادرات النفطية الليبية ، بل ان امريكا استخدمت السعودية كسلاح فتاك في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق ، عندما امرت الرياض عام 1985 بزيادة انتاج نفطها من مليوني برميل في اليوم الى 10 ملايين برميل يوميا ، فأدت هذه السياسة الى ان يهوي سعر برميل النفط من 33 دولارا الى 10و 6  دولارات فقط ، الامر الذي وجه ضربة قاضية للاقتصاد السوفيتي القائم على النفط ، حتى ان بعض المحللين السياسيين يعتبرون تلك الحرب النفطية التي شنتها السعودية ضد الاتحاد السوفيتي ، نيابة عن امريكا ، عجلت بتفكك الاتحاد السوفيتي.

هذا الدور الوظيفي للسعودية ، والذي ينحصر في خدمة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة والعالم ، تم استنفاره بشكل كبير اليوم لمواجهة قوتين كبيرتين هي روسيا وايران ، اللتان تعتبران عقبة كأداء امام تمرير السياسة الامريكية في المنطقة والعالم ، بعد ان فشلت امريكا ومن ورائها حلفائها ومن بينهم السعودية ، من تنفيذ مخطاطاتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان واوكرانيا وامريكا اللاتينية، حيث تسعى الولايات المتحدة عبر فرض الحرب النفطية على الاقتصادين الروسي والايراني ، الى معاقبة روسيا بسبب موقفها الحازم من اوكرانيا ورفضها السياسية الامريكية تجاه سوريا ، والضغط على ايران لتقديم تنازلات في قضية الملف النووي ، و ترك سوريا لتصول وتجول فيها العصابات التكفيرية التي تستهدف تقطيع اوصال سوريا وادخال المنطقة في فوضى عارمة.

على الصعيد الروسي فان روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي السابق عام 1985، فهذا البلد تمكن من ان يبني لنفسه اقتصادا قويا يعتمد على قواعد علمية متطورة ، ومن الصعب استهداف اقتصادها بالسهولة التي تتصورها واشنطن ، كما ان وعي الشعب الروسي اليوم هو اعمق بكثير قياسا بالفترة التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي ، عندما كانت شعوب الاتحاد السوفيتي غارقة في شعارت التحرر دون ان  تدري ماذا يحاك لها في الغرف المظلمة في الغرب وامريكا ، كما ان روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين ، ليس روسيا في عهد بوريس يليسن ، فانها  لن تقف مكتوفة الايدي وهي ترى السعودية تشن على اقتصادها حربا نيابة عن امريكا والغرب ، فروسيا تمتلك الكثير من اوراق الضغط التي لم تستخدمها بعد في منطقة الشرق الاوسط والعالم ، وان الايام المقبلة لن تحمل انباء سارة لمخططي ومنفذي الحرب النفطية الحالية.

اما ايران ، فانها لم تتفاجأ بهذه المعركة النفطية ، فحرب النفط تُشن عليها منذ اكثر من ثلاثة عقود ، وقد تكيفت معها واحتوتها وحولتها الى فرص ساهمت في وقوف الاقتصاد الايراني على قدميه مكتفيا بذاته ، بل ان القيادة الايرانية ، كثيرا ما تؤكد على تحرير الاقتصاد الايراني من تاثيرات النفط ، بل ان قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد على الخامنئي ، وفي موقف استباقي لما تم التخطيط له من قبل امريكا والسعودية ، بعث في بداية شهر نيسان / فبراير برسالة الى رؤساء السلطات الثلاث دعا فيها الى اعتماد الاقتصاد المقاوم عبر استنهاض جميع مكامن القوة في المجتمع الايراني وتفعيلها ، لافشال كل حلقات الضغط التي تمارس على الاقتصاد الايراني ، لدفع ايران للتنازل عن مواقفها المبدئية في نصرة المظلومين في كل مكان لاسيما في فلسطين وسوريا ، وكذلك لدفعها لتقديم تنازلات في برنامجها النووي ، وهو امر لم ولن يحصل ابدا ، وقد جاء اعتراف مجموعة 5+1 بحق ايران في تخصيب اليورانيوم ، كدليل دامغ على صلابة الموقف الايراني في المفاوضات النووية ، اما بشان الملف السوري ، فان تجربة الاعوام الثلاثة الماضية اثبتت صوابية الموقف الايراني وخطا امريكا وحلفائها مثل السعودية وتركيا الذين اغرقوا المنطقة في الفوضى التي اخذت تهدد حتى مصالحهم ، من اجل اسقاط الحكومة السورية ، وهو امر لم يحدث ولن يحدث واصبح شيئا من الماضي بشهادة مسؤولين امريكيين كبار.

اما السياسة النفطية الكارثية للسعودية فسترتد عاجلا ام آجلا على السعودية نفسها التي تسجل ميزانياتها عجزا منذ سنوات حتى اصبحت من الدول المدينة للخارج ، فهذه السياسة اثارة حفيظة حتى امراء الاسرة الحاكمة فهذا الامير السعودي الوليد بن طلال يبعث رسالة مفتوحة الى وزير البترول السعودي، علي النعيمي و وزراء اخرين، يقول في جانب منها "نود أن نعبر عن دهشتنا واستغرابنا بل واستنكارنا لتصريحات نقلت عن النعيمي وتهدف إلى التقليل أو التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية واقتصاد المملكة العربية السعودية من جراء التراجع الكبير في أسعار النفط".
واضاف الوليد في الرسالة التي نشرت على حسابه بموقع تويتر " أن ميزانية المملكة لعامي 2014 و2015 قد تتكبد خسائر تقدر قيمتها بمليارات الريالات .. مجلس الوزراء السعودي الموقر ميزانية الدولة ستواجه عجزا في ٢٠١٥ إن لم يكن ٢٠١٤ بسبب إنخفاض سعر البترول.. السعودية يجب أن تقلق".

اما الصحافة الخليجية فاسهبت في تقارير متعددة في تناول تدعيات تدني اسعار النفط على اقتصاديات الدول الخليجية وتصميم هذه الدول على إلغاء الدعم وتاثير ذلك على العمالة العربية في هذه الدول ، بينما لن يجد المواطنون الخليجيون ،  ثمرة لانخفاض أسعار النفط في مستوى معيشتهم ، فالحكومات لن تقوم بتخفيض او تقليل أسعار المنتجات البترولية وفقا لالتزامها امام صندوق النقد الدولي .. وفي ضوء تأثير انخفاض أسعار النفط على موازنات الدول النفطية، فمن المنتظر أن يتم التراجع عن تنفيذ بعض المشروعات أو تأجيلها ؛ مما يخفف من الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية ..وسيؤثر انخفاض أسعار النفط بشكل سريع على ارتفاع معدلات البطالة العربية وتكريس حالة الركود؛ وهو ما يعني مزيدًا من حدة الفقر في الدول العربية غير النفطية، وحتى في السعودية أكبر دولة نفطية، فإن المؤشرات تدل على ارتفاع معدلات الفقر بها، حيث تختلف التقديرات غير الرسمية للفقر هناك ما بين 25% و30.

هذا جانب مما كشفته الصحافة الخليجية عن تداعيات السياسة النفطية الكارثية للسعودية على المجتمعات الخليجية والعربية ، الامر الذي يؤكد ان السلطات السعودية لا تأخذ حتى مصلحة شعبها وشعوب المنطقة بنظر الاعتبار، وهي تنفذ ارادة الامريكي بحذافيرها، وهي ارادة لا ترى من مصلحة في منطقة الشرق الاوسط تعلو على مصلحة امريكا و"اسرائيل" ، لذلك نرى هذه السلطات تضحي بمصالح شعبها وشعوب المنطقة اذا ما تعارضت مع المصلحة الامريكية و "الاسرائيلية" ، وهذا ليس مِنّة من هذه السلطات على امريكا او "اسرائيل" ، بل هو بدل الحفاظ على عرش الاسرة الحاكمة وباقي العروش الاخرى في الخليج الفارسي الذي تتكفل به امريكا.

ماجد حاتمي - alwaght