زیارة المالکی الی طهران .. تأکید ما هو مؤکد

زیارة المالکی الی طهران .. تأکید ما هو مؤکد
الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٦:٣٤ بتوقيت غرينتش

تعتبر الزيارة التي قام بها نائب الرئيس العراقي نوري المالكي للجمهوية الاسلامية في ايران، في ظل ظروف اقليمية ودولية في غاية التعقيد والتأزيم ، مؤشرا قويا على عمق العلاقة الاستراتيجية التي تربط الشعبين والحكومتين في ايران والعراق.

زيارة المالكي الى طهران جاءت تلبية لدعوة رسمية وجهاتها القيادة الايرانية له، تثمينا للجهود التي بذلها في صيانة استقلال و وحدة العراق، ورفضه للاملاءات الامريكية، ودوره في تعزيز محور المقاومة الممتد من طهران مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان وفلسطين، امام محور الانبطاع العربي المتقاطع مع المحور الصهيوامريكي.

الحفاوة الكبيرة التي استقبلت بها ايران المالكي، ولقائه بكبار المسؤولين الايرانيين، تؤكد على اهمية الدور الذي يضطلع به المالكي في رسم الخريطة السياسية في العراق، وكذلك في رسم العلاقة المتميزة والمتكافئة بين بغداد وطهران، وهو ما اشار اليه قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد على الخامنئي لدى استقباله للمالكي، عندما اشاد بشجاعته وحنكته خلال تصدية لمنصب رئاسة الوزراء في العراق والخدمات القيمة التي قدمها على صعيد استقرار واستقلال البلاد.

 كما لم يفت قائد الثورة التأكيد على دور المالكي في قطع الطريق امام كل الجهات التي كانت تسعى لضرب العملية السياسية في العراق والاصطياد في الماء العكر، لاسيما بعد الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق وقضية تشكيل الحكومة، وهو يخاطب المالكي بقوله: لقد قمتم بدور عظيم في عملية نقل السلطة في العراق وقطعتم الطريق أمام عدم استقراره، وعملكم هذا لن ينسى على الساحة العراقية.

ان الموقف الايجابي للمالكي من تشكيل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، كشف عن عمق المسؤولية التي يستشعرها المالكي ازاء العراق والشعب العراقي، وسعة اطلاعه والمامه بالمشاكل والمخاطر التي يواجهها العراق، وكذلك خطورة المؤامرات التي تحاك للعراق وشعبه من قبل قوى اقليمية ودولية لاتريد الخير للعراق والعراقيين، وهذه الرؤية المتميزة للمالكي هي التي وصفها قائد الثورة الاسلامية، بالاشراف الجيد على قضايا ومشاكل العراق ، مخاطبا نائب الرئيس العراقي: ان توجهكم الراهن على صعيد مساعدة الحكومة الجديدة برئاسة السيد حيدر العبادي والعمل على توحيد صفوف الفصائل العراقية المختلفة خطوة جيدة جدا ينبغي استمرارها.

ان اشادة قائد الثورة الاسلامية بحنكة ودراية ورجاحة راي المالكي ازاء قضايا العراق والمنطقة والعالم، لم تأت من باب مجاملة ضيف كبير يزور ايران، بل هي تاكيد لحقائق يعرفها الجميع عن المالكي، كما ان سماحة قائد الثورة الاسلامية ليس بالشخص الذي يجامل الاخرين على حساب المبادىء والحقيقة، فجميعنا يتذكر كيف كان دعا بعض المسؤولين العراقيين الى تدخل امريكي بري لمواجهة "داعش"، واعادة احتلال العراق من قبل امريكا بذريعة خطر "داعش"، الا ان المالكي وانطلاقا من رؤيته الثابتة وادراكه العميق لما يحاك للعراق، ومعرفته بطبيعة تنظيم "داعش" الارهابي والجهات الاقليمية والدولية التي تقف وراءه ، لم يعلن رفضه للتحالف الدولي ضد "داعش"، بل رفض ان يتحول التحالف الى رأس حربة لتغيير إقليمي، مؤكدا على تشكيل تحالف دولي واقليمي ضمن القانون والاتفاقيات.

هذه المواقف ليس بجديدة على المالكي، فالرجل الى جانب باقي القوى الاسلامية والوطنية في العراق وفي مقدمتها المرجعية الدينية، كانت وراء انهاء التواجد الامريكي في العراق، وعدم السماح لامريكا في اقامة قواعد عسكرية دائمة على ارض العراق، ورفض اي حصانه للعسكريين الامريكيين في العراق، كما لم ولن ينسى العراقيون، توقيعه على حكم اعدام الطاغية صدام، والذي خفف شيئا من الم الجراح التي تركها السفاح صدام في الجسد العراقي.

ان القيادة الايرانية تعرف ان السيد المالكي، قاوم، خلال تصدية لمنصب رئاسة الوزراء، تيارا اقليميا ودوليا قويا كان يضغط عليه للدخول في علاقة عداء مع الجمهورية الاسلامية في ايران، اسوة بباقي الانظمة التي حكمت العراق، للابقاء على حالة العداء المصطنع بين البلدين، ارضاء لقوى دولية واقليمية لاتريد اي علاقات طبيعية تربط العراق بايران، دون ان تكون للشعب العراقي اية مصلحة في هذا العداء المصطنع مع ايران، والذي ادخل البلدين، في ظل حكم البعث الاسود للعراق، للاسف الشديد في حالة صراع عبثي بسبب جنون الطاغية صدام والحقد المرضي لبعض دول الخليج الفارسي ولاطماع ومصالح امريكا والصهيونية العالمية، لذلك كانت اغلب الانظمة العربية الرجعية تناصب المالكي العداء، وشنت ضده حملة اعلامية ضخمة منذ ثماني سنوات ولم تتوقف حتى اليوم ، لذا يمكن اعتبار زيارة المالكي ومن قبل زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى ايران، تاتي لتاكيد ما هو مؤكد، من ان العراق طوى صفحة الماضي الاسود، الذي كان يُزج بابنائه، في حروب عبثية مع جارته ايران، تحت شعارات قومية وشوفينية، كالدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية، وتهدر طاقاته وتدمر بنيته التحتية ويعيش شعبه في فقر مدقع، بينما الشعوب والانظمة الرجعية العربية تنعم بالاستقرار والرخاء.

اما موقفه من حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي ، فكان في غاية الايجابية، ففي كلمة للمالكي خلال لقائه بشيوخ العشائر في محافظة واسط ، دعا فيها الجميع للوقوف الى جانب حكومة العبادي، وشدد على ضرورة أن يكون الوزراء على قدر من المسؤولية وان لا يكونوا وزراء كتلهم، محذرا من انه إذا استمرت الحالة كما كانت عليه عندما كان رئيسا للوزراء، فلن يوضع حجر على حجر، في اشارة الى المشاكل والازمات التي اختلقتها قوى سياسية عراقية بتحريض اقليمي لحكومة المالكي على مدى ثماني سنوات مثل المناكفات السياسية وسعي بعض الجهات المنخرطة في العملية السياسية لضرب كل جهد تقوم به الحكومة، وتعطيل القوانين، ومؤامرة الاعتصامات في الانبار التي كانت خطة لتمرير الارهاب "الداعشي" للعراق.

لهذه المواقف الاسلامية والوطنية المبدئية وللتاريخ النضالي الحافل للسيد المالكي، استمع قادة ايران الى وجهات نظر الزائر العراقي الكبير، بشأن القضايا الثنائية والاقليمية والدولية، وبشأن مكافحة الارهاب، فهي اراء تنبع من رؤية ثاقبة صقلتها التجربة والخبرة الطويلة لرجل ناهض الدكتاتورية لعقود، وحرر بلده من المحتل، وقاد العراق على مدى ثماني سنوات وفي اصعب الظروف ، فمثل هذه الاراء من المؤكد انها تصب في صالح العراق وصالح العلاقة المتميزة بين بغداد وطهران، وفي صالح الاقليم والعالم.

*منيب السائح - alwaght