للاسف الشدید لم تواجه سیاسة الابواب المفتوحة التی اعتمدها العراق ومنذ سقوط صنم بغداد عام 2003 مع اشقائه وجیرانه ، برغبة مماثلة من معظم هذه الدول التی اغلقت ابوابها فی وجه العراقیین، رافضة الواقع الجدید الذی طرأ علی المشهد العراقی برمته ، متمنیة بل ان البعض منها حاول بکل ما یملک من قوة ونفوذ من اعادة عقارب الساعة الی ما قبل عام 2003 ، قافزة علی کل الوقائع والحقائق التی اصبحت سمة ثابتة للمشهد العراقی الجدید.
للاسف سیاسة القفز علی الواقع العراقی ومحاولة تجاهله بل والعمل بکل ما امکن لتغییره ، جاءت علی حساب امن واستقرار وسیادة العراق ، حیث مازال الشعب العراقی یدفع اثمانا باهظة کل ساعة وکل یوم ومنذ اکثر من عشرة اعوام ، بسبب الادوات التی استخدمتها الدول الرافضة للواقع العراقی الجدید ، کالنفخ فی جثة البعث الهامدة ، و التحریض المذهبی والطائفی ، ودس المجموعات التکفیریة الارهابیة ومدها بالمال والسلاح ،والتغطیة الاعلامیة لجرائمها البشعة ، والحملة الاعلامیة الضخمة ضد الحکومات العراقیة المتعاقبة ،والصاق کل التهم بها ، وزرع الشقاق والفتنة بین ابناء الشعب العراقی.
هذه السیاسة الخاطئة المبنیة علی وهم اعادة عقارب الساعة فی العراق الی الوراء ، والرافضة الحقائق علی الارض ، ارتدت سلبا علی جمیع بلدان وشعوب المنطقة ، فالزمر الارهابیة التکفیریة التی اطلت براسها اول مرة فی العراق قبل عشر سنوات بسبب هذه السیاسة الکارثیة ، اخذت الیوم تنتشر فی سوریا ولبنان ومصر وتونس ولیبیا والسعودیة والیمن، بل فی افریقیا واسیا ، مهددة امن واستقرار الجمیع.
فی مقدمة الدول التی رفضت الاعتراف بالتغییر الذی طرا علی المشهد السیاسی العراقی بعد عام 2003 ، تاتی المملکة العربیة السعودیة ، رغم ان المشهد العراقی الجدید هو مشهد لم یُفرض علی العراقیین بتاثیرات خارجیة لیکون بالامکان مقاومته او رفضه او تجاهله ، بل هو مشهد یستند الی حقائق تاریخیة وسیاسیة ومجتمعیة ، تم تغییبها والتغطیة علیها خلال عقود طویلة لاسباب عدیدة تعود جذورها الی فترة الاستعمار البریطانی وتاسیس الدول العراقیة الحدیثة اوائل القرن العشرین.
هذا الرفض السعودی وکذلک القطری والاماراتی والترکی ، وعدم الاعتراف بالواقع العراقی الجدید الذی خرج من تحت رکام وقائع مصطنعة لم یکن بالامکان ان تستمر اطول من ذلک ، هو سبب کل الفوضی والدمار الذی یعیشه العراق وسوریا الیوم ، ومن المحتمل ان تعیشه غدا دول اخری مرشحة ان تصلها هذه الفوضی والدمار ، لاسیما بعد ان اخذنا نشاهد طلائع هذه الفوضی فی عدد من دول المنطقة.
لیس امام القیادة السعودیة ، والقیادات الاخری فی البلدان التی تشاطر السعودیة رؤیتها ازاء العراق ، من طریق ، لابعاد شبح الارهاب والفوضی عن المنطقة برمتها ، الا اعادة النظر فی سیاستها السابقة ، والا تقفز علی کل هذا الکم الهائل من الحقائق ، وان تنظر بنظرة واقعیة الی الامور ، وان تتعامل مع العراق کما هو ، لا کما تتمنی ان یکون ، وان تحترم نظامه السیاسی الجدید والطریقة التی اختارها العراقیون لتقریر مصیرهم ، والا تبقی اسیرة الماضی وحلم اعادة عقارب الساعة الی الوراء ، والا تبقی اسیرة الاعتقاد ان بالامکان تغییر المعادلة السیاسیة فی العراق من خلال العزف علی الوتر الطائفی وضخ الاموال وارسال التکفیریین وتفجیر مدن العراق بالسیارات المفخخة وقتل الابریاء ، فکل هذه الوسائل قد تم اختبارها فی العراق ولم تحقق ای من الاهداف التی ارید تحقیقها فحسب ، بل اخذت ترتد علی المنطقة برمتها وتهدد دولها وفی مقدمتها السعودیة.
ان علی السعودیة وبعد زیارة الرئیس العراقی فؤاد معصوم والوفد الرفیع المستوی المرافق له ، والذی کان یمثل جمیع اطیاف الشعب العراقی ، ان تعید رسم سیاستها بشکل کامل ازاء العراق ، وان تاخذ بید العراقیین الممدودة الیها ، لا سیما بعد ان اثبت العراقیون انهم یصفحون ویعفون عن کل من اساء الیهم ، بل اثبتوا قبل ذلک انهم رغم کل الجراح التی زرعتها فی اجسادهم سیاسة التدخل فی شؤونهم ، الا انهم لم یردوا بالمثل و رفضوا ان یکونوا جزءا من هذه الساسیة العقیمة ، سیاسة التدخل فی شؤون الاخرین ، کما کان دیدن صدام ، عندما کانت هذه السیاسة جزءا اساسیا وثابتا فی تعامله مع دول الجوار ، والتی کانت سببا فی کل هذه الفوضی التی تعم المنطقة الیوم .
*ماجد حاتمي - شفقنا