العلاقة بین الریاض وبغداد وعبثیة القفز فوق الحقائق

العلاقة بین الریاض وبغداد وعبثیة القفز فوق الحقائق
السبت ١٥ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٤٤ بتوقيت غرينتش

کان ومازال العراقیون منفتحون ومنذ عام 2003 علی جمیع دول الجوار لفتح صفحة جدیدة من العلاقات بین العراق وهذه الدول تقوم علی اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل فی الشؤون الداخلیة واحترام سیادة و وحدة العراق واحترام ارادة وخیار الشعب العراقی للنظام السیاسی الذی یمکن ان یحقق تطلعاته بمستقبل اکثر سلاما واستقرارا ودیمقراطیة.

للاسف الشدید لم تواجه سیاسة الابواب المفتوحة التی اعتمدها العراق ومنذ سقوط صنم بغداد عام 2003 مع اشقائه وجیرانه ، برغبة مماثلة من معظم هذه الدول التی اغلقت ابوابها فی وجه العراقیین، رافضة الواقع الجدید الذی طرأ علی المشهد العراقی برمته ، متمنیة بل ان البعض منها حاول بکل ما یملک من قوة ونفوذ من اعادة عقارب الساعة الی ما قبل عام 2003 ، قافزة علی کل الوقائع والحقائق التی اصبحت سمة ثابتة للمشهد العراقی الجدید.

للاسف سیاسة القفز علی الواقع العراقی ومحاولة تجاهله بل والعمل بکل ما امکن لتغییره ، جاءت علی حساب امن واستقرار وسیادة العراق ، حیث مازال الشعب العراقی یدفع اثمانا باهظة کل ساعة وکل یوم ومنذ اکثر من عشرة اعوام ، بسبب الادوات التی استخدمتها الدول الرافضة للواقع العراقی الجدید ، کالنفخ فی جثة البعث الهامدة ، و التحریض المذهبی والطائفی ، ودس المجموعات التکفیریة الارهابیة ومدها بالمال والسلاح ،والتغطیة الاعلامیة لجرائمها البشعة ، والحملة الاعلامیة الضخمة ضد الحکومات العراقیة المتعاقبة ،والصاق کل التهم بها ، وزرع الشقاق والفتنة بین ابناء الشعب العراقی.

هذه السیاسة الخاطئة المبنیة علی وهم اعادة عقارب الساعة فی العراق الی الوراء ، والرافضة الحقائق علی الارض ، ارتدت سلبا علی جمیع بلدان وشعوب المنطقة ، فالزمر الارهابیة التکفیریة التی اطلت براسها اول مرة فی العراق قبل عشر سنوات بسبب هذه السیاسة الکارثیة ، اخذت الیوم تنتشر فی سوریا ولبنان ومصر وتونس ولیبیا والسعودیة والیمن، بل فی افریقیا واسیا ، مهددة امن واستقرار الجمیع.

فی مقدمة الدول التی رفضت الاعتراف بالتغییر الذی طرا علی المشهد السیاسی العراقی بعد عام 2003 ، تاتی المملکة العربیة السعودیة ، رغم ان المشهد العراقی الجدید هو مشهد لم یُفرض علی العراقیین بتاثیرات خارجیة لیکون بالامکان مقاومته او رفضه او تجاهله ، بل هو مشهد یستند الی حقائق تاریخیة وسیاسیة ومجتمعیة ، تم تغییبها والتغطیة علیها خلال عقود طویلة لاسباب عدیدة تعود جذورها الی فترة الاستعمار البریطانی وتاسیس الدول العراقیة الحدیثة اوائل القرن العشرین.

هذا الرفض السعودی وکذلک القطری والاماراتی والترکی ، وعدم الاعتراف بالواقع العراقی الجدید الذی خرج من تحت رکام وقائع مصطنعة لم یکن بالامکان ان تستمر اطول من ذلک ، هو سبب کل الفوضی والدمار الذی یعیشه العراق وسوریا الیوم ، ومن المحتمل ان تعیشه غدا دول اخری مرشحة ان تصلها هذه الفوضی والدمار ، لاسیما بعد ان اخذنا نشاهد طلائع هذه الفوضی فی عدد من دول المنطقة.

لیس امام القیادة السعودیة ، والقیادات الاخری فی البلدان التی تشاطر السعودیة رؤیتها ازاء العراق ، من طریق ، لابعاد شبح الارهاب والفوضی عن المنطقة برمتها ، الا اعادة النظر فی سیاستها السابقة ، والا تقفز علی کل هذا الکم الهائل من الحقائق ، وان تنظر بنظرة واقعیة الی الامور ، وان تتعامل مع العراق کما هو ، لا کما تتمنی ان یکون ، وان تحترم نظامه السیاسی الجدید والطریقة التی اختارها العراقیون لتقریر مصیرهم ، والا تبقی اسیرة الماضی وحلم اعادة عقارب الساعة الی الوراء ، والا تبقی اسیرة الاعتقاد ان بالامکان تغییر المعادلة السیاسیة فی العراق من خلال العزف علی الوتر الطائفی وضخ الاموال وارسال التکفیریین وتفجیر مدن العراق بالسیارات المفخخة وقتل الابریاء ، فکل هذه الوسائل قد تم اختبارها فی العراق ولم تحقق ای من الاهداف التی ارید تحقیقها فحسب ، بل اخذت ترتد علی المنطقة برمتها وتهدد دولها وفی مقدمتها السعودیة.

ان علی السعودیة وبعد زیارة الرئیس العراقی فؤاد معصوم والوفد الرفیع المستوی المرافق له ، والذی کان یمثل جمیع اطیاف الشعب العراقی ، ان تعید رسم سیاستها بشکل کامل ازاء العراق ، وان تاخذ بید العراقیین الممدودة الیها ، لا سیما بعد ان اثبت العراقیون انهم یصفحون ویعفون عن کل من اساء الیهم ، بل اثبتوا قبل ذلک انهم رغم کل الجراح التی زرعتها فی اجسادهم سیاسة التدخل فی شؤونهم ، الا انهم لم یردوا بالمثل و رفضوا ان یکونوا جزءا من هذه الساسیة العقیمة ، سیاسة التدخل فی شؤون الاخرین ، کما کان دیدن صدام ، عندما کانت هذه السیاسة جزءا اساسیا وثابتا فی تعامله مع دول الجوار ، والتی کانت سببا فی کل هذه الفوضی التی تعم المنطقة الیوم .

*ماجد حاتمي - شفقنا