من قلة الخيل..

من قلة الخيل..
الأحد ١٦ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠١:٢٠ بتوقيت غرينتش

المتتبع لمقالات رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" سابقا و رئيس تحرير صحيفة "راي اليوم"، لاحقا، الصادرتان في لندن، السيد عبد الباري عطوان، لاسيما هو يتناول مواضيع القاعدة و "داعش" والزمر التكفيرية الاخرى، يلحظ اشادات علنية ومبطنة بهذه التنظيمات، واعجابا ملفتا بما تقوم به، واحتراما في غاية الادب عندما يذكر اسماء زعماء وعناوين هذه الزمر التكفيرية، حتى يخال للقارىء ان الرجل اما كُلف بمهمة لتجميل الوجوه القبيحة لهذه التنظيمات، وتسويقها الى العقل العربي وتبرير جرائمها، واما يؤمن ايمانا عميقا بما يقول.

اغلبنا اطلع على رسالة كبير التكفيريين الارهابي ابو بكر البغدادي، والتي جاءت من الالف الى الياء في خدمة المشروع الصهيوامريكي، عبر التحريض على القتل الطائفي واشغال المسلمين بالمسلمين ودعوته انصاره الى الزحف الى روما !! بينما فلسطين، موطن السيد عطوان، التي ترزح تحت اشرس استعمار عرفه التاريخ الانساني، فلا اثر لها في خطاب المدعو البغدادي، بل ان الخطاب جاء لحذف فلسطين من دائرة اهتمام العرب والمسلمين، الذي يريد البغدادي ان يذبح بعضهم بعضا، الا ان عطوان تناول الرسالة في مقال نشرة في صحيفته "راي اليوم"، بالطريقة المعروفة عنه، فجاء المقال من الاف الى الياء مدحا وثناء للبغدادي ولعقليته ولقيادته الحكيمة، بالاضافة الى شماتته، اي عطوان، بالذين فرحوا لما اشيع عن مقتله، مؤكدا ان الرجل باق وان دولته باقية!!.

قد يستغرب البعض هذه الاقوال، وقد نُتهم اننا نتجنى على الرجل ولكن ومن اجل ان يكون القارىء على بينه من امره نحيله الى صحيفة "راي اليوم" ومقال عطوان الذي جاء تحت عنوان "قراءة “سريعة” في الخطاب الثاني لابو بكر البغدادي". اما الذين لا يتسنى لهم ذلك سننقل جوانب من المقال دون زيادة او نقصان، وعندها سيكون بامكانه ان يحكم لنا او علينا.

يقول عطوان في بداية المقال: "فاجأ السيد ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم “الدولة الاسلامية” الملايين من انصاره ومتابعيه، علاوة على اجهزة الاستخبارات العالمية التي تقتفي اثره، بظهوره في شريط “صوتي” حمل عنوان “ولو كره الكافرون” وأد من خلاله كل التقارير الاخبارية التي سربتها الحكومة العراقية في بغداد التي تحدثت عن مقتله او اصابته في غارة جوية.

توقيت هذا الظهور جاء سريعا، بل اسرع مما توقعه الكثيرون، ووضع النقاط على الحروف ليس حول الاشاعات عن مقتله، وانما حول استراتيجية “الدولة الاسلامية”، ومنظورها وخطط عملها في الاشهر والسنوات المقبلة، الامر الذي يذكر بأشرطة الشيخ اسامة بن لادن زعيم “تنظيم القاعدة” الصوتية والمرئية التي كان يصدرها بين الحين والآخر، وتتضمن توجيهاته الى انصاره" .

ویقول ایضا :" كان لافتا ان زعيم “الدولة الاسلامية” اصدر شريطا “صوتيا” وليس “مرئيا” وربما عمد الى ذلك لاسباب امنية محضة، لان الشريط المرئي ربما يخضع لتحليل الخبراء لمعرفة مكان التصوير والاجهزة المستخدمة، وعلينا ان نتذكر ان السيد البغدادي، مثله مثل الشيخ بن لادن، يتجنب اي استخدام لاجهزة الاتصال، والالكترونيات الاخرى، مثل “الحاسوب” وغيرها، ويعتمد على الرسائل الشفوية او المكتوبة التي يحملها مبعوثوه الى اتباعه في ميادين القتال او غيرها، حتى لا يتم رصدها من قبل المخابرات الامريكية والغربية التي تحوم طائرات تجسسها وجواسيسها في اجواء المنطقة ليل نهار بحثا عن معلومة او حتى همسة ربما تفيدهم في رصد مكانه والوصول اليه".

ويصف عطوان الرسالة بانها "بيان حرب يحدد الاولويات، ويتوعد الاعداء، ويهدف الى رفع معنويات المقاتلين في الجبهات المتعددة من خلال التأكيد على فشل خطط التحالف الذي يقصف مواقع الدولة وتجمعاتها في سورية والعراق".

وفی الختام یقول :"خطاب السيد البغدادي الذي يعتبر الاول منذ اعتلائه منبر الجامع النوري الكبير في الموصل بعد الاستيلاء عليها في حزيران (يونيو) الماضي والقاء خطبة الجمعة التي اعلن فيها الخلافة، يجب اخذه وكل ما ورد فيه، بكل الجدية لانه يحدد ملامح “مستقبل دموي” للمنطقة بأسرها قد يغير الكثير من معادلات القوة فيها، وربما حدودها ايضا، والاهم من كل ذلك، ان فرحة البعض بموته لم تتحقق، ولم تعمر طويلا، فالرجل “باق”، ويتوعد بـ“تمدد” دولته، الامر الذي سيصيب كثيرين بالقلق والخوف والرعب ويدفعهم للتكتل ضده".

اي شخص له المام بسيط باللغة العربية يمكنه ان يميز نبرة الكلام الذي نقلنا جوانب منه، فقائل هذا كلام يستخدم كل امكانيته اللغوية من اجل تحقيق غاية واحدة تتمثل في تسويق "داعش" والبغدادي على انهما بديل وبديل مقبول للانظمة الدكتاتوية العربية، ودواء ناجع لحالة الاحباط التي يعيشها البعض.

لااعتقد ان التحليل الموضوعي لرسالة زعيم التكفيريين الارهابي البغدادي يحتاج الى كل هذا الاطراء والمديح والاشادة والتضخيم:

- تكرار عبارة "السيد"، التي تُذكر في المقال قبل اسم البغدادي. (لماذا كل هذا الاحترام لمجرم سفاح قتل مئات الالاف من الابرياء وشتت الامة وجعلها اضحكوة للامم الاخرى، وشوه صورة الاسلام، وهو امر عجز عنه الاستعمار والغرب والصهيونية على مدى عقود وحتى قرون؟).

- تعمد تكرار عبارة "الدولة الاسلامية" وتجنب استخدام كلمة "داعش". (لماذا هذا التسويق لافكار "داعش" واهانة الاسلام بتكرار وصف هذه العصابة لنفسها بانها دولة اسلامية؟).

-"فاجأ السيد ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم “الدولة الاسلامية” الملايين من انصاره ومتابعيه". (لماذا كل هذا التضخيم في العدد ولصالح من ؟).

-"وأد من خلاله كل التقارير الاخبارية التي سربتها الحكومة العراقية في بغداد التي تحدثت عن مقتله او اصابته في غارة جوية". ( لماذا استخدام كلمة "وأد" اليست دليلا الى ما يعتلج بقلب الرجل؟).

-"هذا الظهور جاء سريعا، بل اسرع مما توقعه الكثيرون، ووضع النقاط على الحروف ليس حول الاشاعات عن مقتله، وانما حول استراتيجية “الدولة الاسلامية”.(لماذا كل الاعجاب الساذج؟).

-"خطاب السيد البغدادي الذي يعتبر الاول منذ اعتلائه منبر الجامع النوري الكبير في الموصل بعد الاستيلاء عليها في حزيران (يونيو)". (لماذا اعتلائه وليس ظهوره؟).

-"ان فرحة البعض بموته لم تتحقق، ولم تعمر طويلا، فالرجل “باق”، ويتوعد بـ“تمدد” دولته، الامر الذي سيصيب كثيرين بالقلق والخوف والرعب ويدفعهم للتكتل ضده".(لماذا كل هذه الشماتة بمن فرح بمقتل هذا السفاح؟، ولماذا تكرار شعار التكفيريين؟ ولماذا كل هذا التمني في ان يدخل الرعب في قلوب اعداء التكفيريين؟).

اخيرا من الممكن خلق مبررات لبعض الشباب العربي والمسلم، من الذين انظموا عن جهل او تعصب او احباط او شذوذ الى عصابة البغدادي، الباحثين عن بطولات وهمية ورموز مزيفة ومغامرات عقيمة، للتنفيس عن عقد شخصية واجتماعية وسياسية في زمن الاحباط والجدب الفكري والسياسي والاقتصادي، ولكن كيف يمكن ان نبرر اللغة التي يستخدمها شخص مثل عبد الباري عطوان، الذي يعتبر نفسه ضمن النخب العربية، وخاصة النخبة الفلسطينية، في تناول موضوع في غاية الخطورة كموضوع المجموعات التكفيرية التي اخذت تنخر بجسد الامة كما تنخر الارضة بالخشب، وكأنه عثر على رمز وقدوة وقائد في شخص البغدادي، سينتشله من حالة الاحباط التي يعيشها، بعد ان عاد خال الوفاض من رحلة من تاريخه المعاصر دون ان يعثر على قائد ينقذ الامة من حالة الوهن والضعف التي تعيشها، فلم يجد الا البغدادي قدوة يستحق المديح والاشادة.

ان على عطوان وغيره، ان يعلموا انهم يرتكبون جريمة كبرى لا تغتفر بحق هذا الجيل العربي والمسلم والاجيال القادمة عندما يُروجون لبضاعة كاسدة مثل "داعش"، ويحببونها للشباب، فاذا كان هؤلاء الشباب كما قلنا يبحثون عن رمز وفقا للمنظومة المعرفية الصدئة والموبؤة، التي تنخر عقولهم، فوجودا في "الشيخ بن لادن" و "السيد البغدادي"، على حسب تعبير عطوان، رموزا وقادة، ترى ما بال عطوان وغيره، وخاصة العاملين في الصحف الممولة خليجيا، كصحيفة "القدس العربي" القطرية وغيرها، التي تحاول ان تسوق بضاعة الجماعات التكفيرية والارهابية والطائفية ورموزها، للشباب، كما هو دأبها في تسويق نماذج مثل الاسير والمجرم الهارب فضل شاكر والبغدادي وباقي شلة التكفيريين على انهم رموز يمثلون غضبة "سنية" طاهرة ضد "الاستبداد الشيعي" المتمثل بحزب الله و"التمدد الايراني"، ويخونون الجيش اللبناني والجيش المصري والجيش العراقي والجيش السوري وباقي الجيوش العربية، في خدمة مجانية للعدو الصهيوني المتربص بالامة الدوائر.

على عطوان وزملائه في الصحافة الخليجية الطافحة وهابية وطائفية، رغم ان العاملين فيها يدعون القومية واليسارية والعلمانية، ان يبحثوا عن رموز حقيقة في الامة يمكن ان يرفع الانسان العربي والمسلم رأسه بها وهم كثر، لا ان يتجاهلهم لاسباب معروفة ومن بينها الطائفية البغيضة والدولار النفطي الخليجي، ويقومون عوضا عن ذلك بتزوير وتحريف الواقع ويخلقون رموزا ممسوخة مجرمة طائفية عميلة، ويسوقونها للشباب على انها تمثل حالة العنفوان التي تحتاجها الامة، وهم بذلك يطبقون المثل العراقي الدارج بحذافيره:"من قلة الخيل شدو عالجلاب سروج" (من قلة الخيل شدوا على الكلاب سروجا).

نبيل لطيف - شفقنا