تبرئة دکتاتور أم أدانة ثورة؟!

تبرئة دکتاتور أم أدانة ثورة؟!
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:٠٩ بتوقيت غرينتش

لم یكن قرار محكمة جنایات شمال القاهرة ببراءة الرئیس المصري المخلوع محمد حسني مبارك بتاریخ 29 نوفمبر 2014 مفاجئة للمتابعین والشعب المصري فقط، بل شكل صدمة كبیرة جرّت العدید من شباب الثورة والجماهیر ثانیة الی میدان التحریر وسط القاهرة للاحتجاج علی الحكم الصادر في رمزیة واضحة للتذكیر بثورة 25 ینایر 2011 التي أسقطت حكم الرئیس الأسبق وخلعته من منصبه الذي بقي متشبثاً به علی مدی 30 سنة (1981- 2011)، بل كان ینوي توریثه لابنه جمال الذي تمت تبرئته هو الآخر من أي فساد!

وقرار المحكمة الذي لم یعلق علیه أحد من أركان السلطة وخاصة الرئیس المصري عبد الفتاح السیسي، لم یكن قرار تبرئة فقط للدكتاتور المخلوع، بل هو قرار ادانة للشعب الذي ثار ضده وخلعه وقدم الشهداء والتضحیات علی مدی العقود الثلاثة من حكمه... قرار ادانة للثورة ورموزها وجماهیرها،  ادانة للمثل والقيم والشعارات التي قامت عليها ومن أجلها، قرار عودة الفلول وسحق ارادة الشعب مرّة اخری...

والغریب ان حسني مبارك لم یحاكم علی 30 سنة من حكمه وعلی اعدامه ثوار مصر واحرارها امثال خالد الاسلامبولي وسلیمان خاطر، وعلی علاقاته الحمیمیة مع كیان الاحتلال الصهیوني والرجعیة العربیة ومشاركته في استجلاب القوات الاجنبیة للمنطقة وتحویل مصر "أم الدنیا" الی مجرد تبع لسیاسات البلدان الخلیجیة لقاء فتات موائدهم ومساعداتهم التي ذهبت اغلبها الی جیوب مبارك وأركان سلطته، فیما أبقت الشعب المصري علی سغبه وفقره فلم تسدّ له جوعاً ولم ترفع عنه ضیماً..

لم یحاكم علی حصاره لشعب غزة بالتعاون مع الصهاینة.. ولم یحاكموه علی التوریث والنهب وبیع الوطن للآخرین.. ورغم انهم حصروا المحاكم بمسألتین، هما:

1- مقتل 846 من ثوار 25 ینایر - 11 فبرایر 2011 وجرح 6467 آخرین...

2- صفقة الغاز المصریة الی الكیان الصهیوني عام 2005 والتي بیع فیها الغاز المصري بآقل من دولار ونصف من سعر تكلفته! مقابل رشاوی لمبارك وأسرته.

ومن هاتین التهمتین برأوه ایضاً، وأوصت المحكمة "مشكورة" بالاهتمام بأسر "ضحایا" أحداث ینایر 2011 وبتعدیل قانون العقوبات لان دفاع الرئیس المخلوع أستغل المنافذ والثغرات التي فیه، لتبرأة الدكتاتور!

ویظهر ان التحشید العسكري والامني الذي قامت به السلطة بحجة " الثورة السلفیة " في یوم الجمعة 28 نوفمبر الماضي لم یكن هدفه المظاهرات السلفیة التي بدت ضعیفة عكس ما صوره التهویل الاعلامي المصري والذي استدعی دبابات وأسلحة ثقیلة أخرى في شوارع القاهرة ونزول قوات الصاعقة الی المیدان!

أجل یظهر أن الهدف من كل ذلك التحشید هو السیطرة علی ردة فعل الجماهیر ازاء النطق بحكم براءة الدكتاتور السابق حسني مبارك والذي سارع دكتاتور البحرين الذي يواجه بدوره ثورة شعبية سلمية منذ 14 فبراير 2011 الى تهنئته من خلال اتصال هاتفي بالبراءة والافلاة من العقاب!

لكن هذه الدبابات وقوات الصاعقة وكل التحشيد الاعلامي والحرب النفسية والفتاوى الأزهرية لم تمنع شباب ثورة 25 يناير وجماهيرها من العودة الى ميدان التحرير الخالد، مركز الثورة ضد نظام مبارك.. حيث سطر الثوار المصريون واحدة من أجمل وأكبر ملاحمهم الوطنية في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين..

وهنا لابد أن نفرق بين ثورة 25 يناير التي قامت على اكتاف شباب مصر بشتى انتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية وكونهم هم من بدأوها وهم من دفعوا ثمن تضحياتها، وبين القوى السياسية التي استفاقت على وقع أقدام الشباب وأستغل بعضها مظلوميته التاريخية فأستحوذوت على القرار ما بعد مرحلة خلع الدكتاتور..

ثورة 25 يناير كانت ثورة شعب يبحث عن العزة التي سلبها الدكتاتور منه والكرامة التي سحقها نظام كمب ديفيد، كان يبحث عن الدور الكبير لهذا البلد بما يتناسب مع ارثه الحضاري وتاريخه السياسي.. كان يريد اعادة امجاد محمد علي وسعد زغلول وحسن البنا وجمال عبد الناصر.. بلد العمالقة والمبدعين امثال طه حسين واحسان عبد القدوس وتوفق الحكيم وعباس العقاد وعشرات غيرهم ممن كانوا معيناً لباقي الناطقين بالضاد قبل ان تخيم ثقافة البداوة على العرب.. ثقافة شاعر المليون ومهرجان أم رقبة وستار اكادمي..

لذلك من الظلم حصر هذه الثورة العظيمة باتجاه معين من الاسلام السياسي، بل هذا الحصر قام به الاعلام المعادي للثورة في الداخل على يد قنوات الفلول وفي الخارج من قبل اعلام البترودولار.. ارادوا بهذا الشكل ضرب الحركة التحررية المصرية واعادتها الى حضيرة الرجعية بواجهة جديدة لكنها لاتختلف من حيث العمق بمرحلة الرئيس المخلوع الذي صدرت "براءته" من قبل محكمة نظام الانقلاب..

وقرار المحكمة بحق الدكتاتور المخلوع يكشف للمصرين والرأي العام العالمي طبيعة الانقلاب الذي حصل في 30 يونيو 2013 (أكرر هنا أنني لست بصدد الدفاع عن منظومة حكم الرئيس السابق محمد مرسي وسياسة الاخوان المسلمين الفاشلة في داخل مصر وخارجها)..لكن ما حصل في 30 يونيو 2013 كان خيانة عظمى جمعت العسكر والفلول والانظمة الرجعية العربية.. حيث تصدى الاول ودعم الثاني وأمد الثالث! بينما الرئيس السابق وقيادات الاخوان لايزالون يحاكمون بتهمة التخابر مع جهات أجنبية والهروب من سجن الدكتاتور!!

وللأسف الشديد فأن هذه الاجراءات التي يقوم بها النظام في مصر لن تشكل حلاً لما يواجهه هذا البلد (وحتى هو كنظام) من تحديات، بل تعمق التطرف فيه والانقسام السياسي والاجتماعي، كما انها لن توصل سفينة مصر الى برّ الامان مهما دعمتها أنظمة مثل السعودية والامارات والبحرين! والتي تنطلق ـ عادة ـ بدوافع الضغينة والاحقاد والمصالح الضيقة، ومحاولاتها الدائمة لأن تجعل من مصر تبعاً لمواقفها من خلال استغلال العامل الاقتصادي.

ان الحل في الخلاص من هذه التبعية الاقتصادية والاملاءات الخليجية والتفكير بمنطق مصالح جميع فئات الشعب وتياراته السياسية والفكرية وفي العودة الى قيم ومثل واهداف ثورة العزة والكرامة المصرية، ثورة 25 يناير...

 

علاء الرضائي/ الوقت