الإمام الحسن المجتبى(ع) رجُل الثورة الصامتة

الإمام الحسن المجتبى(ع) رجُل الثورة الصامتة
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ - ٠٧:٤٦ بتوقيت غرينتش

أن سيرة الائمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام، تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشق طريقه إلى أعماق الأمة بعد ان اخذت طاقاتها الحرارية تتضاءل بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فاخذ المعصومون عليهم السلام يعملون على توعية الأمه وتحريك طاقتها باتجاه أيجاد وتصعيد الوعي الرسالي للشريعة ولحركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكم في سلوك القيادة والامة جمعاء.

الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبى عليه السلام، ثاني أئمة أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، واحد أثنين أنحصرت بهما ذرية رسول الله، وأحد الأربعة الذين باهى بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، ومن المطهرين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس، ومن القربى الذين أمر الله بموّدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوى. فكان مثلا أعلا ونبراسا مضيئا يشع ايمانا وطهرا وبهاء. 

ان الإمام المجتبى كأبيه المرتضى وجدّه المصطفى قائد مبدئي تتلخص مهماتة القيادية في كلمة موجزة ذات معنى واسع وابعاد شتى هي: "الهداية بأمر الله تعالى" انطلاقا من قوله تعالى:"وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا واوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين". (الانبياء -73). 

والهداية بأمر الله تتجلى في تبيان الشريعة وتقديم تفاصيل الاحكام العامة او المطلقة التي نصّ عليها القرآن الكريم والرسول العظيم كما تتجلى في تفسير القرآن الحكيم وايضاح مقاصد الرسول الكريم. وتتجلى الهداية في تطبيق الله تعالى على الامة المسلمة وصيانة الشريعة والنصوص الالهية من أي تحريف  أو تحوير يتصدى له الضالون المضلّون.

والثورة التي فجرها الإسلام العظيم، هي ثورة ثقافية قبل ان تكون ثورة أجتماعية أو أقتصادية، فلا غرو أن تجد الائمة من أهل البيت عليهم السلام يفرّغون أنفسهم لتربية الأمة وتثقيفها على مفاهيم الرسالة وقيمها، وهم يرون ان مهمتهم الاولى هي التربية والتثقيف انطلاقا من النص القرآني الصريح في بيان اهداف الرسالة والرسول الذي يرى الإمام نفسه استمرارا له وقيّما على ما اثمر جهود الرسول (ص) من رسالة وأمة ودولة. قال تعالى مفصلا لاهداف الرسالة ومهمات الرسول:" يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة". الجمعة-2.
ولئن غض الإمام المجتبى الطرف عن الخلافة لاسباب دينية ومبدئية فهو لم يترك الساحة ومواريث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لتنهب بأيدي الجاهليين بل نجده قد تصدى لتربية القاعدة التي على اساسها تقوم الدولة وعليها تطبّق أحكام الشريعة، فكان بحق رجُل الثورة الصامتة.

وقد خلف الإمام المجتبى عليه السلام تراثا فكريا ثرّا من خلال ماقدّمه من نصوص للامة الإسلامية على شكل خطب أو وصايا أو احتجاجات أو رسائل أو أحاديث وصلتنا في فروع المعرفة المختلفة، مما يكشف عن تنوع اهتمامات الإمام الحسن عليه السلام وسعة علمه وإحاطته بمتطلبات المرحلة التي كانت تعيشها الامة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والدواهي التي قل فيها من كان يعي طبيعة المرحلة ومتطلباتها إلا ان يكون محفوفا برعاية الله تعالى وتسديده.

نستعرض صورا من اهتمامات الإمام العلمية ونلتقط شيئا من المفاهيم والقيم المثلى التي ظهرت على لسانه وعبّر عنها ببليغ بيانه، أو تجلّت في تربيته لتلمذته واصحابه.          
*في رحاب العلم والعقل:
- قال عليه السلام في الحث على طلب العلم وكيفية طلبه واسلوب تنميته:
"تعلّموا العلم، فانكم صغار القوم، وكبارهم غدا، ومن لم يحفظ منكم فليكتب". 
"حّسن السؤال نصف العلم".
"علم الناس وتعلّم علم غيرك، فتكون قد أتقنت علمك وعلمت مالم تعلم". 
* إن العقل اساس العلم، ومن هنا فقد عرّف العقل من خلال من خلال لوازمه وآثاره ومدى اهميته ودوره في كمال الانسان بقوله عليه السلام:
"العقل حفظ القلب كلّ ما استرعيته".
"لاأدب لمن لاعقل له، ولاموّدة لمن لاهمّة له، ولا حياء لمن لادين له، ورأس العقل معاشرة معاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك سعادة الدارين، ومن رحم العقل حرمها جميعا".
"لايغش العقل من استنصحه".

* في رحاب القرآن:
- قال عليه السلام في بيان حقيقة القرآن ورسالته واهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه الثرّ:
"ان هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليُجل جال بضوئه وليُلجم الصفة قلبه، فان التفكير حياة قلب البصيرة، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور".
"مابقي من هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه إماما وان احق الناس بالقرآن من عمل به وان لم يحفظه، وابعدهم عنه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه".
".. كتاب الله في تفصيل كلّ شيء لايأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه والمعول عليه في كل شيء لايخطئنا تأويله بل نتيقن حقائقه فاطيعونا فاطاعتنا معروضة اذ كانت بطاعة الله ورسوله واولي الامر مقرونة..". 

* في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة: 
لقد اهتم الامام الحسن المجتبى عليه السلام بنشر حديث جده النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته ومكارم اخلاقه، ونختار من الاحاديث التي رواها عن جده صلى الله عليه وآله وسلم مايلي:  
" ان من واجب المغفرة إدخالك السرور على اخيك المسلم..."
" يا مسلم! اضمن لي ثلاثا أضمن لك الجنة: إن انت عملت بما افترض الله عليك في القرآن فانت اعبد الناس، وإن قنعت بما رُزقت فأنت أغنى الناس، وإن اجتنب ما حرّم الله فأنت أورع الناس..."
" حيثما كنتم فصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني".

* في رحاب العقيدة:
- التوحيد: امر الامام علي المرتضى نجله الامام الحسن المجتبى عليهما السلام ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال:   
"الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديما في القدم، ردعت القلوب لهيبته وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته،  فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ولايبلغ الناس كنة جلاله ولايفصح الواصفون منه لكُنة عظمته، ولايبلغه العلماء بالبابها ولا اهل التفكر بتدابير امروها العم خلقه به الذي بالحدّ لايصفه يُدرك الابصار وهو اللطيف الخبير..".    
* في رحاب ولاية أهل البيت عليهم السلام:
قال عليه السلام مبنيا لحقيقة الثقلين وموقع كل منهما من الآخر:
".. واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فاذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورايتم الفرية على الله، ورايتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنكم الذين لايعلمون، والتمسوا ذلك عند اهله فانهم خاصة نور يستضاء بهم وائمة يقتدى بهم، بهم عيس العلم وموت الجهل، وهم الذين اخبركم حلمهم عن علمهم وحكم منطقهم عن صمتهم وظاهرهم عن باطنهم، لايخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وقد خلت لهم من الله سابقة ومضى فيهم من الله حكم (إنّ في ذلك لذكرى للذاكرين).     

 * البشارة بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام:
قال عليه السلام بعد ان صالح معاوية ودخل عليه الناس ولامه بعضهم على بيعته ".. أما علمتم أنه ما منا من احد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه فان الله يخفي ولادته ويّغيب شخصه لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة اذا خرج ذلك التاسع من ولد اخي الحسين، ابن سيدة الاماء يطيل الله في عمرهفي غيبته ثم يّظهره بقدرته في صورة شاب دون اربعين سنة..". 

* في رحاب الاخلاق والتربية:
عن جابر عليه السلام قال سمعت الحسن عليه السلام يقول: مكارم الاخلاق عشرة: صدق اللسان وصدق البأس واعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع وصلة الرحم والتذمم على الجار ومعرفة الحق للصاحب وقري الضيف ورأسهن الحياء". 
ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمنية:
- ان من طلب العبادة تركّى لها.
- المصائب مفاتيح الآجر.
- النعمة محنة فان شكرت كانت كنزا وان كفرت كانت نقمة.
- اشدّ المصيبة سوء الخُلق.
- من تذكّر بّعد السفر اعتدّ.
- العار أهون من النار.
- الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.
- فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها.
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد بالعلم والعمل ويوم استشهد ويوم يُبعث حيا.

تصنيف :