في ذكرى رحيل سيد الكونين..من معالم الرسالة الاسلامية الخاتمة

في ذكرى رحيل سيد الكونين..من معالم الرسالة الاسلامية الخاتمة
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ - ٠٨:١٤ بتوقيت غرينتش

الثامن والعشرون من صفر، يوم حمل في طياته ذکری اليمة علی قلوب المسلمين عامة وعشاق أهل بيت النبوة خاصة، ألا وهو ذکری رحيل الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم وذکری استشهاد حفيده وريحانته وحبيبه الامام الحسن المجتبی عليه السلام، وبهذه المناسبة نتطرق إلى جانب من جوانب معالم الرسالة الاسلامية الخاتمة.

بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرسل خاتما للنبيين وناسخا لشرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم، وقد ملئت الارض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح وعبادة الاوثان.

فقام صلى الله علية وآله وسلم في وجه العالم كله، ودعا إلى الايمان بإله واحد خالق رازق مالك لكل أمر، بيده النفع والضر، لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواًً أحد. 
بعثه آمرا بعبادته وحده لاشريك له مبطلا عبادة الاصنام والاوثان التي لاتضر ولاتنفع ولاتعقل ولاتسمع ولاتدفع عن انفسها، ولا عن غيرها ضرا ولاضيما، متمما لمكارم الاخلاق حادثا على محاسن الصفات آمرا بكل حسن ناهيا عن كل قبيح. 

واكتفى من الناس بان يقولوا (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله) يكفي لان يكون لقائله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.
وبعث بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق، وان احدا ليس خيرا من احد إلا بالتقوى، وبالاخوة بين جميع المؤمنين وبالكفاءة بينهم: تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم، وبالعفو العام عمن دخل في الإسلام. 

وسنّ شريعة باهرة وقانونا عادلا تلقّاه عن الله تعالى فكان هذا القانون جامعا لاحكام عباداتهم ومعاملاتهم، ومايحتاجونه في معاشهم ومعادهم، وكان عباديا اجتماعيا سياسيا أخلاقيا لايشذّ عنه شيء مما يمكن وقوعه في حياة البشر مستقبلا ويحتاج اليه بنو آدم، فما من واقعة تقع ولاحادثة تحدث إلا ولها في الشريعة الاسلامية أصل مسلّم عند المسلمين ترجع اليه.

على ان العبادات في الدين الاسلامي لاتتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة تفيد النظافة، وفي الصلاة رياضة روحية وبدنية وفي صلاة الجماعة والحج فوائد اجتماعية وسياسية ظاهرة، وفي الصوم فوائد صحية لاتنكر، والاحاطة بفوائد الاحكام الاسلامية الظاهرة فضلا عن الخفيفة امر معتذّر أوعسير. 

ولما في هذا الدين من محاسن، وموافقة احكامة للعقول، وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج والاكتفاء بإظهار الشهادتين، ولما في تعاليمة من السمو والحزم والجد دخل الناس فيه افواجا وساد أهله على أعظم ممالك تحت لوائه ودانت له الامم على اختلاف عناصرها ولغاتها.  

ولم يمض زمن قليل حتى أصبح ذلك الرجل الذي خرج من مكة مستخفيا وأصحابة يعذّبون ويستذلون ويفتنون عن دينهم، يعتصمون تارة الخروج إلى الحبشة مستخفين وأُخرى بالخروج الى المدينة متسللين، يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء ظاهرا لايستطيعون دفعه ولا منعه ولم تمض إلا مدة قليلة حتى دخل مكة فاتحا لها وسيطر على أهلها من دون أن تراق قطرة دم، فدخلوا في الاسلام طوعا وكرها وتوافدت عليه رؤساء العرب ملقية اليه عنان طاعتها، وكان من قبل هذ الفتح بلغ من القوة ان بعث برسله وسفرائه الى ملوك الارض مثل كسرى وقيصر ومن دونها ودعاهم الى الاسلام وغزا بلاد قيصر مع بُعد الشقة وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه حسبما صرح تعالى بذلك في سورة النصر، والفتح وغيرهما وكا تخبرنا بذلك كتب التاريخ. 

 ولم يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما يصوّره من يريد الوقيعة فيه، بل كما امر الله تعالى:"أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى حاربوه وأرادوا قتله واخرجوه، وأقر أهل الاديان التي نزلت بها الكتب السماوية على اديانهم ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام.
وانزل الله تعالى على نبيه حين بعثه بالنبوة قرآنا عربيّا مبينا لاتأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد اعجز النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحداهم في فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة، وقد حوى هذا الكتاب العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من احكام الدين واخبار الماضين وتهذيب الاخلاق والامر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ماجعله يختلف عن كل الكتب حتى المنزّلة منا وهو مايزال يتلى على كر الدهور ومر الايام وهو غض طري يحيّر بيانه العقول ولاتملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.

وقد كان القرآن الكريم معجزة فيما ابدع من ثورة علمية وثقافية في ظلمات الجاهلية الجهلاء وقد أرسى قواعد نهضته على منهج علمي قويم، فحثّ على العلم وجعله العامل الاول لتسامي الانسان نحو الكال الائق به وحث على التفكير والتعقل والتجربة والبحث عن ظواهر الطبيعة والتعمق فيه لاكتشاف قانينها وسننها واوجب تعلّم كل علم تتوقف عليه الحياة الاجتماعية للانسان واهتم بالعلوم النظرية من كلام وفلسفة وتاريخ وفقه واخلاق ، ونهى عن التقليد واتباع الظن وأرسى قواعد التمسك بالبرهان.      
وحثّ القرآن الكريم على السعي والجد والتسابق في الخيرات ونهى عن البطالة والكسل ودعا الى الوحدة ونبذ الفرقة. وشجب العنصرية والتعصبات القبلية الجاهلية.

وأقر الإسلام العدل كأساس في الخلق والتكوين والتشريع والمسؤولية وفي الجزاء والمافاة، وهو اول من نادى بحق المساواة بين ابناء الانسان أمام قانون الله وشريعته وأدان الطبقية والتمييز العنصري وجعل ملاك التفاضل عند الله امرا معنويا هو التقوى والاستباق إلى الخيرات، من دون ان يجعل هذا التفاضل سببا للتمايز الطبقي بين ابناء المجتمع البشري.

وبالغ الإسلام في حفظ الأمن والمحافظة على الاموال والدماء والاعراض وفرض العقوبات الشديدة على سلب الامن بعد ان شيد الارضية الازمة لاستقرار الامن والعدل وجعل العقوبة آخر دواء لعلاج هذه الامراض الاجتماعية بنحو ينسجم مع الحرية التي شرعها للانسان. ومن هنا كان القضاء في الشريعة الإسلامية مرتكزا على اقرار العدل والامن واحقاق الحقوق المشروعة مع كل الضمانات اللازمة لذلك.

واعتنى الاسلام بحفظ الصحة والسلامة البدنية والنفسية غاية الاعتناء وجعل تشريعاته كلها منسجمة مع هذا الاصل المهم في الحياة.
هذا وترتكز الواجبات والمحرمات في الشريعة الاسلامية على اسس فطرية واقعية وامور تستلزمها طبيعة الاهداف السامية للشريعة التي جاءت لاخراج هذا الانسان من ظلمات الجاهلية وهدايته إلى نور الحق والكمال . وأباحت الطبيات ولذائذ الدنيا وزينتها مما لايخل باصول الشريعة ومدارج الكمال البشري وحددت قناتها حين حددت الأهداف السامية وحرّمت مايضر وأجبت ماينبغي للإنسان امتثاله. 

واعتنى الإسلام بالمرأة اعتناء بالغا وجعلها ركن العائلة وأساس السعادة في الحياة الزوجية وشرّع لها من الحقوق والواجبات ما يضمن لها عزّتها وكرامتها وتحقيق سعادتها وسعادة أبنائها ومجتمعها الانساني.  
وصفوة القول ان الإسلام لم يغفل عن تشريع كل ما يحتاجه المجتمع البشري في تكامله وارتقائه.
(تجد هذا البحث في سيرة النبي (ص) للسيد محسن الامين العاملي في كتابه أعيان الشيعة).