عام العورات

عام العورات
الأحد ٠٤ يناير ٢٠١٥ - ٠٥:٣٣ بتوقيت غرينتش

لن يجد عام 2014 ما يستر به عوراته. في أحوال عادية، كان من المفترض أن يكون لغز سقوط الطائرات الماليزية الثلاث، نجم أغلفة صفحات نهاية السنة.

لكن الخبر على إثارته سقط من التبويب. العام 2014 يغلق دفاتره برأس مطأطأ، هو عام «داعش» الذي دخل تاريخ الهمجية من أوسع أبوابه، وأحدث انفصاماً في الهوية العربية ـ الإسلامية، قبل أن يتحوّل خطراً عالمياً يجب استئصاله. لا لأنه ألغى الحدود وسيطر على مساحات شاسعة في بلدين، بل لأنه سكن عقول ملايين المسلمين والعرب وقلوبهم على طول خريطة العالم من لندن إلى باريس وكوبنهاغن، قبل كابول وبيشاور والرياض والموصل والرقة وغيرها.

انفصام الهوية ليس في أن «داعش» بيننا ومنا وفينا، ولا في أسباب الاضطهاد والقهر التي أوصلنا إليها ونمَّاها. المسألة في الكتاب والحديث. ما يفتعله «داعش» وأخواته، يدرس بالتفاصيل، من السبي إلى الذبح وإقامة الحدود، في كتب الدين والتاريخ في مدارسنا ولأطفالنا، من المحيط إلى الخليج. ولا فرق في الكتاب والحديث بين أزهري ووهابي وحنفي وحنبلي. سواسية كلهم، ولا فرق بين إخواني أو نهضوي أو دعوي أو أي صاحب طريقة أخرى.. ولا فرق بين تفسير وتفسير، النص واضح ومحرض على القتل، أما النصوص الداعية للتسامح والحوار فلا صوت لها، ولا طعم ولا رائحة ولا أتباع ينادون بها، ويرفعون راياتها. الإسلام دين ودولة.

وهو عندما لا يكون كذلك، فَلِعِلَّةٍ في المسلمين ولعجز تَسَبَّبَ به انحلالُهم وانحرافُهم عن طريق السلف. وما دامت هذه الثنائية باقية، فإنها ستبقى تتحكم بآليات الصراع على السلطة، والنصوص كفيلة بأقصى حالات التوحش، وأبلغ درجات التقية. وسيظل رافعو الرايات السود مطية للأنظمة والدول وأجهزة الاستخبارات، إلى أن يسودوا بالسيف وتخويف الآخرين.

السؤال بعدما انكشفت عوراتُنا الدينية، اي إسلام نريد وهل نحن مستعدون لمعركة فصل الدين عن الدولة أم ننتظر لينفصلا من تلقاء نفسيهما في ما بقي من بقايا دول إن بقيت. لا مجال للحياد اليوم. الزلزال لن يعترف باستثناءات، ولن تغريه مسميات من نوع لن ينهض الا بجناحيه وتعددية وغيرهما. لا إصلاحات الافغاني وعبده أسهمت في تغيير حرف في النص أو التفسير، ولا مراجعات «الاخوان» و «الجماعة» في السجون وفي خارجها بدلت مقولة، ولا مناصحات «الفئات الضالة» والمسرحين من غوانتانامو أصلحت شذوذاً، بل على العكس، خرّجت عناصر أكثر تطرفاً و «دعوشة». الجميع في عين العاصفة، خصوصا لبنان الذي نأى بنفسه عن الحرب السورية، ووزع ابناءه مع «داعش» وضده، ليمارسوا هويات القتل خارج حدود الدولة الوهمية.

وبعد القعر الذي وصلنا إليه، ما الممكن توقعه من العام الجديد؟ الاحتمالات ضئيلة ومؤسفة. والأفضل بينها، بعد استنفاد الحلول الأرضية، الدعاء للعناية الإلهية لعلها تسعفنا وتخلصنا من «داعش» و»دواعش» الفكر والعقل، وتحررنا من إمارات الدين ودوله.

السفير - منير الخطيب

كلمات دليلية :