بالصور والفيديو؛ «ملك الأردن شو».. الثأر للكساسبة

الإثنين ٠٩ فبراير ٢٠١٥ - ٠٥:٤٥ بتوقيت غرينتش

بعدما انصبّ الاهتمام على شريط إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي نشره تنظيم «داعش»، كان الأردن على موعدٍ مع استعراضٍ ملكيّ/ إعلاميّ مضاد، لا يقلّ أهميّة عن «الخلافة شو». وجاء الغضب والحماسة الانتقاميّة إثر إعدام الكساسبة، ليمنحا الاستعراض الأردنيّ بعداً جماهيرياً، ليحتفي به المتابعون على مواقع التواصل، ويطالبوا بالمزيد.

فيديو إحراق الكساسبة، أتاح للجميع أن «ينتبهوا» إلى براعة التنظيم الإرهابي في صناعة الأفلام وتسويقها على الانترنت. مئات المقالات راحت تتقصّى وتحلّل وتبحث عن الأصول الأجنبيّة لمنفّذي الفيديو. الجميع يعبّر عن انبهاره، ليصير النقاش متمحورًا حول عدد الكاميرات المستخدمة لتصوير الجريمة، ونوع العدسات، وحقيقة استبدال الطيّار الأردني بدمية في المشهد الأخير من الفيديو، وخلفيّات اختيار اللون البرتقالي لثياب أسرى التنظيم... وربما نشهد قريبًا نقاشًا معمّقًا حول القماش المستخدم في حياكة تلك الملابس، وما إن كان من القطن أو الكتّان.
يكشف الإغراق في التفاصيل أنّ تداول فيديوهات العنف في نشرات الأخبار، أو على جدران مواقع التواصل، بات، على غفلة من الجميع، وبمساهمة منهم، جزءاً من المسلّمات. إذ لم يعد النقاش يتمحور حول وجود خلل أخلاقي أو مهني ما في مشاركة صور العنف، بل حول اقترابها أو ابتعادها من تقنيات هوليوود المتقدّمة. كأنّ المتلقّي بات يحتاج إلى إعادة نشر الواقعة ألف مرّة، ليصدّق الطبعة المنقّحة من عنف «داعش»، فآلاف الضحايا ليسوا دليلاً وافيًا، وقطع الرؤوس والإعدامات الجماعية لا تفي بالغرض.
هذا الانجرار الإعلامي والشعبي إلى دوامة العنف، هو دليل على نجاح «داعش» في فرض منظومة رعبٍ إعلاميّة ودعائيّة، حجزت لنفسها زاوية دائمة في التغطية الإخبارية اليوميّة. ولا بدّ لمن تعوّد على «مسرحة العنف» أن يستسيغ «مسرحة الردّ» التي تألّق فيها بدور البطولة ملك الأردن عبدالله الثاني، «أيقونة» مواقع التواصل خلال الأيّام الماضية.
بدأ الاستعراض عندما نشر الديوان الملكي الهاشمي عبر صفحته الرسميّة على «فايسبوك» صورةً قديمة للملك الأردني باللباس العسكري (نشرت قبل ثمانية أشهر على "إنستغرام") مرفقة بالتعليق التالي: «جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة ــــ الجيش العربي، يقطع زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد نبأ استشهاد الطيار البطل معاذ الكساسبة». سرعان ما تحوّلت تلك الصورة إلى مادّة متداولة بكثافة على مواقع التواصل، خصوصاً بين المحتفين بشجاعة الملك وقراره البطوليّ قيادة العمليّة العسكريّة الجويّة ضدّ «داعش»، بالرغم من أنّ وزير الإعلام الأردني محمّد المومني نفى في حديثٍ لصحيفة «الغد» الأردنيّة، أن يكون الملك قد شارك في الطلعات الجوية. لكنّ بعض المغرّدين أصرّوا على تمجيد صلابة الملك، والتباهي بأنّه نال حظوة لدى بعض المسؤولين الأميركيين.
وقبيل عودته من الولايات المتحدة، كانت ملامح الفيلم السينمائي المضاد لفيلم «داعش»، ترتسم في مخيّلة الملك. فخلال اجتماعٍ عقده مع أعضاء من الكونغرس ذكر الملك الأردني فيلم «غير مغتفر Unforgiven) «1992) الانتقامي لكلينت إيستوود واقتبس منه بعض الجمل في مداخلته، كما كشف عضو الكونغرس دانكن هانتر. ذلك ما جعل مجلّة «فورن بوليسي» تخرج بعنوان لاذع في سخريّتها: «مجرّد أن تقتبس من كلينت إيستوود، لا يجعل منك "كاوبوي"».
وعند وصوله إلى الأردن استكمل الملك مهامه وزار والد الكساسبة ليقدّم التعازي، وشاءت المصادفة، المحضّرة مسبقًا، أن يمرّ سرب من طائرات الجيش الأردني، خلال إلقاء الوالد كلمته، ليؤكّد الملك أمام الجمع أنّ الطائرات عادت من مهمّة «الثأر» لمعاذ.
ترافق الاستعراض مع فيديو نشره الموقع الإلكتروني للجيش الأردني بعنوان «عملية الشهيد معاذ»، لا يخلو من المشاهد المفتعلة التي تظهر عناصر سلاح الجوّ الأردني وهم يكتبون الرسائل على الصواريخ. وفي أحد المشاهد، يظهر عسكريّ من داخل طيّارته وهو يحمل ورقةً كتبت عليها آية قرآنية: «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون». يعتمد الفيديو على تقطيعٍ مشهديّ سريع يوحي بأنّ العمليّة المنفّذة دقيقة وسريعة، وأن قصف بعض المواقع كفيلٌ بالقضاء على تنظيم إرهابيّ. ولا بدّ للمشهد العسكريّ أن يستكمل بتظاهرة مدنيّة تنضمّ إليها بعفويّة أيضًا الملكة رانيا زوجة الملك الأردنيّ. وخلال ساعات، تصير صورة الملكة وهي تحتضن زوجة معاذ، أو تشارك في التظاهرة المتضامنة معه، بين الصور الأكثر تداولاً على مواقع التواصل.
يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في كتابه «الكلمات والأشياء» عن اللغة: «عندما يعبّر قوم عن أفكارٍ بكلمات لا يسيطرون عليها أو يقولونها في صيغ كلاميّة تخفى عنهم أبعادها التاريخيّة، يظنّون أن أقوالهم تطيعهم فيما هم الذين يخضعون لمقتضياتها»، ما قاله فوكو عن اللغة، يوصّف البروباغاندا المضادة لـ «داعش». وما المشهديّة المضادة لـ «أفلام داعش»، سوى خضوع لمنطق التنظيم، لا انتصار عليه.

جوزيت ابي تامر / السفير

 

المزید من الصور

بالصور والفيديو؛ «ملك الأردن شو».. الثأر للكساسبة