حياكة إيرانية ـ أميركية لتفاهم نووي "تاريخي"

حياكة إيرانية ـ أميركية لتفاهم نووي
الجمعة ٠٣ أبريل ٢٠١٥ - ١٢:٠٥ بتوقيت غرينتش

اعتراف بإيران قوة نووية إقليمية، وانتهاء سياسة الاحتواء تجاه الجمهورية الإسلامية، وشرعنة البرنامج النووي الإيراني مع إبطائه بقيود تقنية ورقابية مدة عشرة أعوام، بعدما كان الهدف الأساسي تفكيكه.

وطُويت في لوزان صفحة أحد أكبر النزاعات الأمنية والسياسية والعقابية الاقتصادية، التي أججها الغربيون خلال 12 عاما مع حلفائهم الإقليميين في الخليج (الفارسي) و”إسرائيل”  ، واعتبروها مصدر التهديد الأول للسلام في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة. واستعاد الإيرانيون ثقة العالم بهم وبمدنية البرنامج النووي.
الاتفاق الذي تسابق كل من صعد منبراً للترويج له في واشنطن، كالرئيس باراك أوباما، أو وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فردريكا موغيريني، على وصفه بأنه تاريخي، هو تاريخي مع ما يعنيه نقطة بنقطة، الاتفاق الإطار المؤلف من صفحتين، الذي توصل إليه الإيرانيون مع مجموعة «5+1»، ريثما يعود المفاوضون إلى تثبيت ما تم التفاهم عليه في اتفاق مفصل ومكتوب قبل نهاية حزيران المقبل.
وقدم الطرفان في منتهى 16 جولة، و 18 شهراً تنازلات «تقنية» وسياسية «مؤلمة»، لعب فيها الإيرانيون والأميركيون دوراً أساسياً، فيما كانت القوى الأخرى تلعب أدواراً متفاوتة على الهامش في خدمة استراتيجية التفاوض الأميركي. وهو اتفاق إطار لم يكن لينضج لولا وصول الإيرانيين إلى قناعة بأن التسوية ستحفظ برنامجهم من أي تدمير، ولولا وصول الأميركيين إلى خط النهاية بأنهم لن يستطيعوا الحصول على تنازلات أكبر مما حصلوا عليه، وان الإنجاز التاريخي بات بمتناول الجميع.
انتهز الأميركيون مناورات العرقلة والاستعصاء الفرنسيين، ومراكمة الشروط فوق الشروط كلما لاحت بارقة تسوية من أجل انتزاع المزيد من التنازلات من المفاوضين الإيرانيين، لكن انقضاء الوقت من دون الوصول إلى اتفاق إطار، كان سيقلب الطاولة على الجميع، خصوصا أن الشروط الأخيرة التي طرحها الفرنسيون، كشرط إعادة العقوبات آلياً، من دون تصويت مجلس الأمن عليها، إذا ما أخلّت إيران بالتعهدات، بدا أخرقَ، وبدعة لم يسبقهم إليها أحد في تاريخ الاتفاقات الدولية. ونص الاتفاق الإطار في النهاية، على إعادة فرض العقوبات على إيران، إذا ما أخلّت بتعهداتها، ولكن عبر العودة إلى مجلس الأمن، لا تلقائياً.
ويمكن تفصيل طبيعة الصفقة، وما تنازل عنه الإيرانيون وما حصلوا عليه من خلال النقاط التالية:
في قضية آلات التخصيب:
ـ قدم الإيرانيون في الاتفاق الإطار تعهدات واضحة تخفض عدد آلات الطرد المركزي من 19 ألف طاردة مركزية إلى ستة آلاف، 5060 منها سيحق لها العمل. وكان الإيرانيون قد بدأوا برنامجهم بـ300 طاردة مركزية في العام 2003، على النمط الباكستاني، ووفق المخطط الذي قدمه إليهم عبد القدير خان، الذي «نسخها» من المركز النووي الهولندي الذي كان يدرس فيه في السبعينيات. إلا أن عدد الطاردات المركزية الإيرانية العاملة فعلياً لا يتجاوز التسعة آلاف حاليا، بينما كانت الطاردات الأخرى، منصوبة من دون إنتاج. وتسمح عمليات التخصيب، بالعدد المقترح، الإبقاء على كميات تبلغ شهرياً 15 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب.
- في مسألة تجميد تطوير أي آلات تخصيب جديدة، حسم الاتفاق الإطار الاتجاه نحو 15 عاماً، مع تعهد إيران بعدم استخدام أي جيل جديد من الآلات التي تملكها تدرجاً من الجيل الثاني حتى الجيل الثامن، مع عدم تطوير أي جيل جديد، ووضع الفائض منها تحت رقابة وكالة الطاقة الدولية.
في مسألة نسبة التخصيب والكميات التي يحق لإيران الاحتفاظ بها:
- حصل الإيرانيون على اعتراف واضح بحقهم بالتخصيب، بنسبة 3.5 في المئة، وهي نسبة كافية جداً للإبقاء على البرنامج النووي، ومكسب كبير للإيرانيين الذين يحققون اعترافاً دولياً بحقهم بتخصيب اليورانيوم، في بلد يملك مناجم كبيرة لاستخراجه، ولا يعاني من مشاكل أو عراقيل لتحويله.
- ستخفض إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة والبالغ حاليا ما يقارب عشرة أطنان، ليصل إلى 300 كيلوغرام. وأرفق هذا البند ببند آخر، مهم جداً بنظر الأميركيين، وهو إلزام إيران بمهلة عام قبل خروجها من المعاهدة، إذا ما قررت ذلك، لتقييد أي احتمال أن تلجأ طهران إلى بناء القنبلة النووية، التي تحتاج إلى عام أو أقل والى 260 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، وهي مهلة ضرورية، كما قال أوباما، لتنظيم رد عسكري، أو عقابي ضد إيران.
في مسألة المنشآت:
- يمكن القول انه من الآن فصاعداً سيعتمد البرنامج النووي الإيراني على منشأة «نتانز» وحدها دون المنشآت الأخرى، وهو تنازل مهم أمنياً وعلمياً. فإصرار الغربيين، وخصوصا الفرنسيين، على تهميش «فوردو» في البرنامج الإيراني، مرده التحصينات التي أقامها الإيرانيون في المنشأة الواقعة تحت ثمانين متراً في أنفاق جبلية منيعة لا يمكن الوصول إليها بأي صواريخ معروفة، ووجود أجيال جديدة كانت تعمل على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة. وبموجب الاتفاق فإن كل النشاط النووي سيتم في «نتانز» التي يمكن مراقبتها، وهكذا سيتحول «فوردو» لمدة 15 عاماً إلى مركز للأبحاث والتطوير الفيزيائي، ويتوقف عن الإنتاج.
- أما في ما يخص مفاعل «آراك» العامل بالمياه الثقيلة، وهي تكنولوجيا متطورة جداً، فحرص الإيرانيون على إبقائها بمتناولهم، ونجحوا بمنع تفكيك المنشأة، ووقف تطويرها، لكنهم سيقومون بتفكيك قلب المفاعل، وإعادة تصميم مفاعل جديد بالتعاون مع مجموعة «5+1»، لا ينتج بلوتونيوم لاستخدام عسكري. وان أي منشأة تعمل بالمياه الثقيلة لا تهدف لإنتاج البلوتونيوم في النهاية، وهي مرحلة متقدمة جدا في البرنامج النووي الإيراني. كما تتعهد طهران بعدم بناء أي مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة خلال 15 عاماً. وكان الإيرانيون قد عرضوا تخفيض إنتاج البلوتونيوم من عشرة كيلوغرامات إلى كيلوغرام واحد سنوياً.
في مسألة الرقابة على المنشآت والبرنامج:
- ستقوم إيران بإبرام ملحق معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ملحق كان مجلس الشورى الإيراني قد وافق عليه، وينتظر أن تصدره الحكومة الإيرانية في قانون مبرم. كما ستوافق الحكومة الإيرانية على تنفيذ المادة 3 فاصلة واحد من المعاهدة. وهكذا يمنح الملحق مفتشي الوكالة الدولية الحق بزيارة المنشآت دون إعلام مسبق، كما تفرض المادة الإضافية إعلام الوكالة عن أي منشآت جديدة تنوي الحكومة الإيرانية بناءها، قبل الشروع بها. وستراقب الوكالة البرنامج النووي لمدة 20 عاما، وآلات التخصيب ومراكز التخزين، 20 عاما، و25 عاما للمناجم الإيرانية، ومطاحن اليورانيوم الخام، وتحويله إلى مادة قابلة للتخصيب.
في المقابل، وفي مسألة العقوبات، سيقوم الأوروبيون والأميركيون برفع كل العقوبات المتصلة بالملف النووي، وهي مهمة جدا، خصوصا أن العقوبات الأوروبية، المتعلقة بإقصاء إيران عن نظام «السويفت» والتحويلات المالية والتأمين على الناقلات النفطية والتجارة البحرية عامة، أضر ضرراً واسعاً بالاقتصاد الإيراني. وتشير مصادر الى ان طهران خسرت حوالي 200 مليار دولار في 3 سنوات جراء العقوبات.
وقالت موغيريني إن «الاتحاد الأوروبي سيوقف تطبيق جميع العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج إيران النووي، كما ستوقف الولايات المتحدة تطبيق جميع العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج إيران النووي بالتزامن مع تطبيق طهران لالتزاماتها الرئيسية بعد أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التعاون الإيراني».
إن رفع هذه العقوبات هو إنجاز كبير للإيرانيين في ما تبدو عملية رفع العقوبات في مجلس الأمن، وإلغاء ستة قرارات دولية، ينتظر عمليات تفتيش الوكالة الدولية، وبالتزامن معها. وكان الأميركيون قد قدموا تصوراً يفضي عمليا إلى رفع هذه العقوبات عبر قرارين، الأول يأخذ علما بالاتفاق الإطار، والثاني يرفعها بعد صدور التقرير الأول عن الوكالة الدولية عن التعاون الإيراني، ويلغي كل القرارات. وجلي أن أوباما قد كسب رهانه الإيراني الكبير والديبلوماسي، الذي لن يكتمل من دون شك قبل إبرامه في حزيران المقبل. وقدم مرافعة مهمة عن الاتفاق الإطار في مواجهة تهديدات الكونغرس بإلغائه، بقوله «انه لم يعقد بين إدارتي وإيران، بل عقد بين الولايات المتحدة وإيران والقوى الدولية الأساسية، وان هذا الاتفاق لا يقوم على الثقة، بل على وسائل للتحقق من تنفيذه غير مسبوقة». واعتبر للمرة الأولى، وبشكل لافت، ان «فتوى (المرشد علي) خامنئي حول تحريم السلاح النووي تشكل آلية للالتزام بالاتفاق».
وكان الرئيس الأميركي قد أطلع حلفاءه في السعودية وإسرائيل، على التوصل إلى الاتفاق، واستبق المعركة التي تنتظره مع الكونغرس وتل أبيب بالقول إن الاتفاق سيضمن أمن الجميع «لان أي عملية عسكرية كنا سنقوم بها، لن تفعل سوى تأخير برنامج إيران بضع سنوات».
واعترف أوباما بأنه «لا العقوبات، ولا انسحاب إيران من المفاوضات، كان سيوقف البرنامج النووي الإيراني». وقال للكونغرس إن «العالم سيلوم الولايات المتحدة على فشل الديبلوماسية في حال رفض الكونغرس للاتفاق».
وقدم أوباما مجددا للسعوديين، في اتصال مع الملك سلمان، تعهدات بالتزام أمن الخليج الفارسي ، وأعلن عقد قمة في كامب ديفيد في الربيع بمشاركة قادة دول مجلس التعاون، لبحث سبل تعزيز تعاوننا العسكري والسعي لحل «مختلف النزاعات التي تتسبب بمعاناة شديدة وعدم استقرار في الشرق الأوسط».
ووضع أوباما بوضوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام اتفاق الأمر الواقع بالقول «إننا لا نتفق على معالجة الملف الإيراني، ولكن الخيار السلمي هو الأفضل».
وأعلن أوباما انه إذا انتهكت إيران الاتفاق فإن العقوبات ستطبق فورا، مشيراً إلى انه لن يتم إلغاء العقوبات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ البالستية ودعمها للإرهاب، مؤكداً أن واشنطن ستواصل محاسبة طهران على دعمها للإرهاب وسنواصل الوقوف إلى جانب الحلفاء.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن الاتفاق يعد أساسا قويا لاتفاق في المستقبل قد ينهي المواجهة النووية المستمرة منذ 12 عاما بين طهران والغرب، وإن كان يتعين العمل على التفاصيل. وأضاف «لا يزال أمامنا الكثير من التفاصيل الفنية وغيرها من المسائل التي تحتاج لعمل»، بما في ذلك احتمال رفع حظر أسلحة فرضته الأمم المتحدة وتحديث مفاعل «آراك» الذي يعمل بالماء الثقيل وموقع «فوردو» تحت الأرض.
وتحدث كيري عن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، موضحاً «سنقدم تخفيفا على مراحل من العقوبات التي أثرت على الاقتصاد الإيراني». وأضاف «إذا وجدنا في أي وقت أن إيران لا تلتزم بهذا الاتفاق فإن العقوبات يمكن أن تعود مرة أخرى».
وتابع ان واشنطن تشاورت مع ”إسرائيل”  وحلفاء خليجيين، مؤكداً «استمرار التزام (واشنطن) بأمنهم».
وأشاد بالاتفاق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

**محمد بلوط - السفير