ازمة مكبوتة في العلاقة بين مصر والسعودية

ازمة مكبوتة في العلاقة بين مصر والسعودية
الجمعة ١٠ أبريل ٢٠١٥ - ٠١:٠٠ بتوقيت غرينتش

تتسم العلاقات السعودية المصرية بحالة من الغموض، عززتها غض السلطات المصرية النظر عن مظاهرات امام السفارة السعودية في القاهرة، رفعوا شعارات ضد الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وحمل المشاركون فيها لافتات تعارض العدوان السعودي على اليمن الذي راح ضحيته مئات المدنيين العزل.

وتزامنت هذه المظاهرات مع حملات صحافية وتلفزيونية على المملكة العربية السعودية كان ابرزها تخصيص الصحافي المصري ابراهيم عيسى، الذي يعتبر من الاعلاميين المفضلين للرئيس عبد الفتاح السيسي، برنامجا خاصا تهجم فيه بشكل غير مسبوق على القيادة السعودية.

الرئيس السيسي ايد “عاصفة الحزم” السعودية الخليجية في اليمن، وارسل بوارج حربية مصرية الى باب المندب، واكد اكثر من مرة ان امن الخليج (الفارسي) من امن مصر، ولكنه لم يلتزم مطلقا بارسال قوات برية مصرية لليمن وارسل وزير دفاعه الى باكستان في زيارة مفاجئة، في خطوة قيل انها للتنسيق، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام حول ذهاب الوزير الى اسلام اباد وليس الى الرياض.

هناك من يتحدث في مصر وخارجها عن وجود “ازمة مكبوتة” في العلاقات بين السعودية ومصر، ويلخص اسبابها في النقاط التالية:

اولا: هناك تباين في الاولويات بين السعودية ومصر، فبينما ترى السعودية ان الاولوية القصوى يجب ان تتركز على مواجهة ايران، ترى القيادة المصرية الحالية ان الاولوية يجب ان تعطى لمواجهة الاسلام السياسي المتشدد، وحركة الاخوان المسلمين على وجه التحديد في كل مكان.

ثانيا: وجود حالة من القلق في اوساط القيادة المصرية من الانفتاح السعودي اللافت على المحور التركي القطري، وتزايد وتيرة التقارب بين الملك السعودي والرئيس رجب طيب اردوغان، فمصر السيسي تعتبر الرئيس اردوغان “عراب” حركات الاخوان المسلمين، والحاضنة الادفأ لها، الى جانب دولة قطر، ويبدو ان الرئيس اردوغان قد رش اطنان من الملح على الجرح المصري عندما اشترط اطلاق الرئيس المصري المعتقل محمد مرسي وجميع المعتقلين الآخرين من حركة الاخوان كشرط اساسي للمصالحة مع مصر السيسي.

ثالثا: عدم حماس القيادة المصرية للتدخل عسكريا في اليمن، والتجاوب مع الطلب السعودي في هذا الصدد، بسبب العقدة التاريخية التي ما زالت متأصلة في مصر من جراء التدخل في الازمة اليمنية عام 1962، وخسارة اكثر من 15 الف جندي في حرب استنزاف استمرت خمس سنوات على الاقل.

التجارب الماضية علمتنا ان السلطات المصرية لا تتحدث مباشرة عن خلافاتها مع الدول العربية، وغالبا ما تلجأ الى الاعلام للتعبير عن هذه الخلافات من خلال اعطائه الضوء الاخضر لمهاجمة هذه الدولة او تلك، فهل لجأت الى الاسلوب نفسه لاظهار خلافها مع السعودية؟

الكاتب السعودي جمال خاشقجي، المعروف بصلاته القوية مع دائرة صنع القرار في السعودية، كان من اكثر الكتاب السعوديين تعبيرا بصوت عال عن اعتقاده بأن المظاهرات والحملات الاعلامية في صحف ومحطات تلفزة مصرية ضد بلاده لم تكن صدفة، وانما موحى بها من قبل القيادة المصرية، عندما قال في تغريدة على حسابه على موقع “تويتر”: “لا يقول لنا احد انها حرية رأي، او ان هؤلاء المتظاهرين اخوان، القاعدة التي تعمل بها الشرطة المصرية: تتظاهر دون اذن تقتل”.

كلام خاشقجي ينطوي على الكثير من الصحة، فالشرطة المصرية لم تتسامح مطلقا مع اي مظاهرات غير مصرح بها رسميا، ولم تتردد في اطلاق الرصاص على متظاهرين، وقتلت عددا منهم، واعتقلت العشرات الآخرين، فلماذا لم تفعل الشيء نفسه تجاه المتظاهرين امام السفارة السعودية، حيث توجد اعداد كبيرة من قوات امن مصرية تسهر على حمايتها، وتقوم سيارات الشرطة بدوريات حولها.

وما يزيد من غموض هذه المسألة ان المجموعة اليسارية التي تظاهرت امام السفارة السعودية ونقابة الصحافيين ورددت الهتافات المعادية وتدعى “البديل الثوري” كانت من مؤيدي “الانقلاب” العسكري في الثالث من تموز (يوليو) عام 2013، واقتحام ميدان رابعة العدوية، والاطاحة بحكم الاخوان المسلمين.

هناك عدة احتمالات لهذه الظاهرة الملتبسة في العلاقات المصرية السعودية، تتحدث بعضها عن امكانية وجود جناح في السلطة يريد احرج السيسي لانها تعارض سياسة التقارب مع دول الخليج (الفارسي)، وترفض المشاركة في “عاصفة الحزم”، بينما يقول البعض الآخر ان هذه المظاهرات هي رسالة من الرئيس السيسي الى السعودية للتعبير عن امتعاضه من تخليها عن سياستها في محاربة الاخوان المسلمين، باعتبارها ليست اولوية ملحة، والتقارب مع المحور التركي القطري، على حساب مصر.

من الصعب ترجيح اي من الاحتمالات هذه، ولكن ما يمكن الجزم به في هذه العجالة وجود بعض السحب الرمادية، ان لم تكن السوداء، تخيم على العلاقات المصرية السعودية في الوقت الراهن، ومن المؤكد ان الصورة قد تتضح في الايام او الاسابع القليلة المقبلة.


نقلا عن راي اليوم