ديمونا… مملكة الأسرار الإسرائيلية المعتمة

ديمونا… مملكة الأسرار الإسرائيلية المعتمة
الإثنين ١٨ مايو ٢٠١٥ - ٠٧:١٨ بتوقيت غرينتش

طالما كان المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا في صحراء النقب بقرة مقدسة منذ أقيم قبل نحو خمسة عقود، ولا يجرؤ أحد على نشر معلومات حول ما يدور فيه حتى لو كانت تتعلق بصحة العاملين فيه. فظل مملكة أسرار حتى جاءت القناة الإسرائيلية العاشرة وألقت الضوء على بعض زواياه المعتمة.

«السر المعتم فرن ديمونا» عنوان تحقيق مطول وعلى حلقتين أعدته القناة العاشرة، كشف عن إصابة المئات من عمال وموظفي المفاعل النووي الإسرائيلي بالسرطان ومحاولة السلطات طمس الحقيقة وملاحقة ذوي الضحايا بما يذكر بمشاهد من كوريا الشمالية.
في التحقيق الذي نقل صرخة عشرات من ضحايا الإصابة بالمرض القاتل أو صرخة أقربائهم يقول دانئيل شرودكير، وهو مواطن إسرائيلي، إن والده المتوفى سيمون ضحى بنفسه من أجل "إسرائيل". لكنها أهملته ولم تحترمه كإنسان وأبقته فريسة للمرض والموت. ويستذكر أن والده عمل 28 سنة في مجال النظافة داخل «ديمونا». وبعدما أصيب برعشة دائمة في يديه أبلغه الأطباء أنه أصيب بسرطان في دماغه قضى عليه بعد شهور. ويضيف: «لم يمت والدي فحسب بل زملاء كثيرون له أيضا. لكن الخوف من الملاحقة يجعل ذويهم يصمتون».

هيروشيما الصغيرة

وتوضح أورنا بن دور منتجة الفيلم الاستقصائي الذي بثّ على حلقتين أنها لم تتطلع لفضح أسرار "إسرائيل" التي تمتلك، بحسب مصادر أجنبية، نحو 200 قنبلة نووية تم تصنيعها في مفاعل ديمونا. وتشير إلى أنها ترغب بنقل صرخة أهالي عاملين كثر قتلهم داء السرطان بعد تعرضهم لإشعاعات خلال عملهم داخل المفاعل النووي في ديمونا الذي أنشأته "إسرائيل" عام 1959 ومن وقتها تنتهج حياله سياسة ضبابية فلا تنفي ولا تؤكد كونه مصنعا للسلاح النووي.
ويكشف الفيلم أن «ديمونا» يحتوي على مختبر نووي يسميه العاملون فيه «هيروشيما الصغيرة» وأن ربعهم قد قضى نتيجة إصابتهم بالسرطان، وينتقد السكوت على مخاطره. يؤكد إيلان كانير، محامي عائلات الضحايا في الفيلم، أن السلطات الإسرائيلية المعنية تتستر منذ عقود على إخفاقات خطيرة في مفاعل «ديمونا» وتحرص على تغطيتها بالتواطؤ والكذب والتضليل واصفا إياه بـ»دولة داخل دولة».

أخجل من الدولة

يكشف الفيلم أن الكيان الإسرائيلي «شن حربا مخجلة ضد عائلات ضحايا ديمونا». وهذا ما يؤكده أفرهام بن بينيشتي (85 عاما) الذي أصيب هو ايضا بالسرطان خلال عمله في مفاعل ديمونا. ويتابع: «أخجل أن أكون مواطنا بهذه الدولة التي تعمل وفق مقولة الغاية تبرر الوسيلة ومستعدة أن تتسلق على جثث مواطنيها نحو تحقيق أهدافها».
ويشير إلى أن إدارة المفاعل كانت تدأب على إخضاع عامليه لفحوصات مخبرية لكنها تسترت طيلة سنوات على نتائجها. ويقول إنه يشعر بأن الدولة قد خانته.
وكانت الدعوى القضائية الأولى ضد السلطات الإسرائيلية قدمت عام 1997 من قبل أقارب الخبير في الكيمياء بروفسور سعاديا عامنوئيل الذي سبق وأنشأ فيه المختبرات الساخنة داخل المفاعل ومات بمرض السرطان عن 48 عاما.

قدرات نووية

قدمت في العامين الأخيرين عشرات الدعاوى المشابهة رغم الضغوط والمحاولات السرية لتهديد اصحابها. ويستذكر المحامي موشيه كوهن الذي عمل بالسابق مهندسا في مفاعل ديمونا ويدافع عن أقارب الضحايا، أن الرئيس الاول للكيان الإسرائيلي دافيد بن غوريون رغب بحيازة قدرات نووية مقابل دول معادية لها. ويضيف: «وما زالت إسرائيل تحيط منشآت صناعة سلاح الدمار الشامل بالضبابية لا تقر به ولا تنفي وجوده».

مياه ملوثة

ويقول إن بناء قناة مشروع نقل مياه بحيرة طبريا للنقب «لم يهدف لتطوير الزراعة وإحياء الصحراء كما أعلن، بل لتبريد منشآت المفاعل النووي». ويكشف الفيلم أن المياه الملوثة باليورانيوم تخرج من المفاعل وتجري في المنطقة المجاورة وتعرض سكانها لخطر داهم لا سيما العرب البدو المنتشرين فيها.
وقبيل بث التحقيق المتلفز عمم مدير المفاعل النووي في ديمونا، أودي نيتسر، بيانا قال فيه إن الفيلم مغرض. زاعما أن نسبة انتشار هذا الداء بين العاملين في «ديمونا» ليست أكبر من النسبة العامة في "إسرائيل".
وأشادت صحيفة «هآرتس» أمس بالتحقيق لكنها قالت إن أسرارا كثيرة بقيت معتمة وإن من غير المعقول إعداد تحقيق جاد مع الاكتفاء بالاستناد على «مصادر أجنبية «، في إشارة لمصنع سلاح الدمار الشامل داخل المفاعل النووي الذي تنتهج إسرائيل سياسة ضبابية حياله فلا تنفي ولا تعترف بحيازة قدرات نووية. ومن جهته قال الفيلم إن "إسرائيل" قررت إنشاء المفاعل النووي داخل صحراء النقب كي يكون مرئيا للعيان ويراه العالم ويعتبر.

مفاعل فرنسي شقيق

لكن «هآرتس» تثني على الكشف عن مأساة العاملين في ديمونا، وتؤكد أنه موضوع لم يطلع عليه الإسرائيليون من قبل بل تهربوا من مواجهته باعتبار ديمونا «محرّم» لا يجوز الاقتراب منه. ويشير لأهمية إسماع الفيلم صرخة «الحطابين وسقاة الماء» العاملين البسطاء ممن عملوا بظروف صعبة وأصيب عدد كبير منهم وقتلهم سرطان ناجم عن الإشعاعات كما يشير إلى خطورة تقادم المفاعل. وتقول إن فرنسا، التي ساعدت ببناء ديمونا، هدمت مفاعلا في إحدى المدن الفرنسية بني بذات العام بعدما بات متقادما وينطوي على مخاطر التسرب الإشعاعي. وهذا ما أكده الفيلم الذي حذر من كارثة هائلة في حال هزة أرضية في منطقة الشق الأسيوي – الإفريقي الذي تبعد عنه مدينة ديمونا بضعة كيلومترات فقط، لافتا إلى أن من شأن الهزة أن تتسبب بإنفجارات وإشعاعات خطيرة. وعلى هذا السؤال قال رئيس بلدية ديمونا في الفيلم إن هناك مخططا جاهزا لنقل عشرات الآلاف من السكان بحافلات وقطارات من النقب بحال تعرض المفاعل النووي لخلل. وكشف رئيس البلدية أنها كانت وزعت قبل سنوات آلاف حبات دواء ضد الإشعاع على سكان المدينة نتيجة تسرب إشعاعات من المفاعل. وتنتقد «هآرتس» تركز الفيلم بالناحية الصحية والإنسانية للضحايا وأقاربهم وبالقمامة النووية التي تدفن بشكل خطير في النقب بدلا من التركيز على الأسرار الحقيقية. وتقول: «لمملكة الأسرار في ديمونا سر أكثر ظلامية من القمامة النووية».


وديع عواودة / القدس العربي