نكبتنا إلى زوال ولكن بشرط

نكبتنا إلى زوال ولكن بشرط
الإثنين ١٨ مايو ٢٠١٥ - ٠٣:١٨ بتوقيت غرينتش

إن أكثر شخصية إسلامية فلسطينية أثَّرت في وعينا الإسلامي والوطني وغرست حب فلسطين في قلوبنا، وجعلته دماءً يجري في عروقنا المفكر الإسلامي الكبير والشهيد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي رضوان الله عليه.

تعلمنا منه بأن سبب نكبتنا في سقوط فلسطين وقيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرضنا ووطننا هو واقع التجزئة الذي فرضته اتفاقية سايكس بيكو، وما تبعه من سقوط للخلافة الإسلامية مما جعل الأمة تعيش حالة من الضعف والهوان، وتتخلى عن القيام بدورها في الدفاع عن بقعة تعتبر من أهم بقاع المسلمين في العالم، فتركت الشعب الفلسطيني يواجه مصيره لوحده، ويتصدى لأكبر مؤامرة عرفها التاريخ في عصرنا الحاضر، إنها مؤامرة سرقة فلسطين، وتشريد أهلها، ومنحها لعصابات من الصهاينة وشذاذ الآفاق، ليعيشوا فوق ترابها، ويتنعموا بخيراتها، ويدنسوا مقدساتها، ويحققوا مجد أحلامهم ببناء دولتهم اليهودية التلمودية، تلك المؤامرة التي شارك فيها العالم كله حتى الأنظمة العربية آنذاك، تلك الأنظمة التي فرضها الاستعمار بعد تقسيم أوطاننا لتكون خادمة لمشروعه الاستعماري على كامل منطقتنا.
منذ سقوط فلسطين وقيام كيان الشر المطلق (إسرائيل) والشعب الفلسطيني يعاني الويلات، ويتجرع الآلام، فمن مذبحة إلى مذبحة، ومن تشريد إلى تشريد، ومن حصار إلى حصار، وذلك على مرأى ومسمع العالم كله، بمن فيهم الأنظمة العربية والإسلامية، ولكن لا أحد يحرك ساكناً، بل إن الغالبية تشارك في عملية ذبح شعبنا وقهره وإذلاله وإهانته، وذلك ليس خافياً على أحد، حتى أصبح الفلسطيني في نظر الكثيرين عامل إزعاج وقلق، وأصبحت الضرورة تقتضي إيجاد أي حلول للتخلص من هذا العبء الذي اسمه فلسطين، حتى لو كانت هذه الحلول فيها تفريط بكل فلسطين، وفيها تشتيت لشعبها المظلوم وتوزيعه على دول العالم، وفيها تكريس للكيان المسخ (إسرائيل) وإعطائه كامل الشرعية وكأنه جاء من عمق التاريخ ليكون القدر الأخير على أرض فلسطين.
إن شعبنا وبرغم كل القسوة التي تعامل بها من كل العالم إلا أنه لم يفرط يوماً في أرضه ووطنه، ولم يقبل بحالة الذل التي أراد البعض أن يفرضها عليه، فحمل السلاح وناضل وكافح وواجه أعتى قوة عسكرية في المنطقة بأقوى إيمان ويقين يحمله بشر، ورفض التفريط بأي شبر من أرضه وذلك على الرغم من الاتفاقيات والتسويات التي حاول البعض أن يفرضها عليه، إلا أنه رفض الخنوع والخضوع ، واستمر في رفع السلاح رافضاً لكل الحلول المذلة والمهينة والمفرطة ، وراجياً من الله أن يهيئ له الأسباب ليستعيد وطنه، ومتمنياً من أبناء أمته بأن يتوحدوا وينهضوا ويقفوا إلى جانبه في محنته ومعركته الشرسة التي يخوضها ضد ذلك الكيان اللقيط ومن يقف خلفه من قوى عالمية وإقليمية.
منذ عقود قليلة من الزمن وشعوب أمتنا العربية والإسلامية بدأت تنهض وتصحو من غفلتها، وأصبحت تدرك طبيعة الخطر المترتب على بقاء "إسرائيل" في قلب منطقتنا، وأيقن الكثير منهم أن الواجب الشرعي والأخلاقي والقومي يحتم عليهم مواجهة "إسرائيل" ، والتوحد داخل جبهة واحدة لمقاومة هذه الغدة السرطانية ، وإزالتها واستئصالها، ومد الشعب الفلسطيني بكل أسباب القوة المتاحة مادياً وعسكرياً، ودعمه بالموقف السياسي الرافض لشرعية هذا الاحتلال على أرضه، وبعدها صرنا نسمع عبارات وهتافات الموت لـ"اسرائيل"، ونشاهد المسيرات والمظاهرات المليونية  التي تُحرق فيها أعلام هذا الكيان وتطالب بضرورة تحرير فلسطين والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ومدها بالمال والسلاح، وذلك في عواصم عربية وإسلامية كثيرة على رأسها طهران وبيروت ودمشق وبغداد وصنعاء والقاهرة وعمان وكل العواصم دون استثناء، مما أعاد قضية فلسطين إلى الواجهة من جديد، وأعطى قوة ودفعاً للمقاومة الفلسطينية بأن تستمر بقوة أكبر في مقاومة هذا الاحتلال وعدم التفريط له بأي شبر من أرض فلسطين، وفتح أمامه آفاقاً جديدة حول إمكانية تحقيق الانتصار على هذا المحتل واستعادة كافة أراضيه.
أمام هذا الواقع الجديد بات أعداؤنا يدركون مدى الخطورة التي ستؤول إليها الأمور في حال بقيت هذه الشعوب تعيش حالة التقدم في نهضتها وصحوتها ووقوفها إلى جانب فلسطين وشعبها، وأن واقع التجزئة الذي فرضه سايكس بيكو اقترب من نهايته، وهذا يعني أن الواقع الذي ترتب على هذا الاتفاق سيزول وينتهي، وأن فلسطين ستعود إلى أهلها، وسيزول هذا الكيان المجرم من الوجود، لذلك أدرك أعداؤنا ضرورة إيجاد سايكس بيكو جديد، يقسم الأوطان، ويشتت الشعوب، ويفكك جبهة المقاومة التي توحدت من أجل فلسطين ، ويضمن بقاء "إسرائيل" لعقود طويلة من الزمن، فأحدثوا هذه الفوضى في بلادنا بمؤامراتهم الخبيثة، فدمروا سوريا والعراق، وحاصروا إيران، وأنهكوا لبنان أمنياً وسياسياً، وأشعلوا النيران في ليبيا، وقسموا السودان، ونشروا الإرهاب في مصر، وذبحوا شعب اليمن المظلوم، وما زالوا يتنقلون من عاصمة إلى عاصمة، دون مراعاة لأبسط الحقوق البشرية، وكل ذلك خدمةً للكيان الصهيوني الغاصب، لتبقى نكبة شعبنا مستمرة دون انتهاء.
إن نكبتنا الفلسطينية اقتربت من الزوال وإلى الأبد بإذن الله بفعل صمود أبناء شعبنا وتحرك شعوب أمتنا وتوحدها مع أبناء شعبنا في مقاومة واحدة، وإن الشرط الأساسي لتحقق هذا الزوال لتلك النكبة الأليمة أن لا نتخلى عن شعوب أمتنا يوم أن نهضت من أجلنا، وأن لا نسمح لأعدائنا بتجزئتنا من جديد، وأن نقف إلى جانب كل المظلومين والمستضعفين الذين رفعوا شعار الموت لـ"اسرائيل" وخرجوا لنصرتنا يوم أن تخلى عنا كل العالم، وأن نحافظ على جبهتنا المقاومة كجبهة واحدة غير قابلة للتفكك والانهيار، فهذا شرط زوال النكبة، قال تعالى: " إن تنصروا الله ينصركم ، ويثبت أقدامكم "، وقال جل شأنه: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن تخذلوه فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ".
هشام سالم /  دنيا الوطن