الدوافع والتداعيات للاتفاق النووي

الدوافع والتداعيات للاتفاق النووي
الثلاثاء ٢١ يوليو ٢٠١٥ - ٠٨:٣٠ بتوقيت غرينتش

كان العالم امام خياران لا ثالث لهما، الاتفاق النووي او الحرب. الواقعية السياسية حسمت الامر.

المواقف من الاتفاق النووي بين ايران و مجموعة 5+1 لا تُعَّد ولا تُحصى، والملفت في الأمر، أنها خرجت عن كل المعايير التي تفرضها العوامل والمتغيرات الجيوسياسية التي تجتاح المنطقة العربية وتفرض تداعياتها على مناطق واسعة في افريقيا. الحرب على اليمن في سياق الرفض القاطع لأي اتفاق يمكن ان يؤدي الى تقارب امريكي ايراني على حساب السعودية. ذكرت مصادر غربية ان السعودية هددت ببدء الحرب البرية على اليمن والتعاون مع حلفائها لاستخدام القوة الجوية في الحرب على سوريا. الهستيريا السعودية تفوقت على الهستيريا الإسرائيلية من خلال الرد بقصف وحشي لليمن (160 غارة جوية خلال 24 ساعة ومحاولات انزال في عدن)، وتطابقت في الخطاب السياسي.
العلاقة بين الدوافع والتداعيات في حالة تغير متواصل وتتأثر بالظروف التي تفرضها الجغرافيا السياسية والتحديات الطارئة وحجمها. هي عملية حسابية دقيقة في التقييم الجيوسياسي والتعاطي الاستراتيجي. اخطر التداعيات عند توظيف الدوافع في القرارات غير المدروسة او السياسات والاستراتيجيات العبثية. لو كانت السعودية تدرك العلاقة بين الدوافع والتداعيات، لاصبحت خياراتها اكثر وضوحاً واكثر ملاءمة مع المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة وحولها، وإلا ما اختارت الخيار الاسهل والاكثر كلفة – الحرب على اليمن. لن تخرج منها حتى بحفظ ماء الوجه.
ولربما هذا يعود لعدم فهمها المتغيرات الجيوسياسية ومعنى "الواقعية السياسية" ايضاً، بالاخص عندما يكون الخلاف استراتيجي وبعيدا كل البعد عن الصراع الأيديولوجي. لو ادرك السعوديون التحديات والعوامل الجيوسياسية التي دفعت الامريكي لتغيير استراتيجيته مع ايران من "الاحتواء بالمواجهة" الى "الاحتواء بالتقارب" لرأينا السعودي يمد يده لليد الايرانية الممدودة. الى اخر لحظة راهن السعوديون على التوصل الى "لا اتفاق" وبالتالي الذهاب الى المواجهة.
الحقيقة كما هي من وجهة نظر جيوسياسية، رغم العداء التاريخي المتبادل والمنافسة الاستراتيجية بين القوتين (ايران والولايات المتحدة)، إيران لم تعارض يوماً إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة طالما تكون على قاعدة الند للند واعتراف اميركي بالجمهورية الإسلامية ككيان مستقل وسيادي وله خصوصية ثقافية ودينية وسياسية، إضافة الى حق إيران امتلاك تكنولوجيا انتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية. هذه العناوين الثلاثة من المبادىء في السياسة الخارجية الايرانية واستطاعت بصبر وذكاء وفهم عميق للعقل الاميركي ان تحققها بلا اي تنازلات. المقاربة التي جاء بها الرئيس الشيخ حسن روحاني "رابح – رابح" لاقت ترحيباً واسعاً واظهرت بشكل واضح ان البراغماتية الايرانية لا تقل عن البراغماتية الاميركية طالما لا تمس الثوابت.
الولايات المتحدة من جهتها، ومراعاةً لحلفائها التقليديين في المنطقة ولأسباب اخرى متعلقة بأيديولوجية المحافظين الجدد، بنت سياستها على قاعدة "المواجهة" لتغيير النظام او تغيير سلوكه وكأن إيران دولة غير ناضجة تحتاج الى من يوجهها. خلال الفترة الممتدة من عهد رونالد ريغان الى جورج بوش الابن كانت الولايات المتحدة مهووسة بإسقاط الثورة، وارتفع منسوب الهوس بعد سقوط نظام طلبان الظلامي وسقوط نظام صدام حسين الظالم لأن الجغرافيا الإيرانية هي الرابط الوحيد بين وسط اسيا والمشرق العربي، وبين قزوين والقوقاز ومياه الخليج (الفارسي) (مناطق الطاقة العالمية). إيران تشكل العقبة الرئيسية امام المشروع الذي اعده المحافظون الجدد عام 1992 تحت رعاية وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني المعروف باسم "دليل التخطيط الدفاعي" لما بعد الحرب الباردة الذي بموجبه يجب العمل على الحفاظ على وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، ومنع ظهور أي المنافسين الإقليميين (ايران)، واستخدام القوة الوقائية أو الاستباقية لمنع ظهور قوة تقف عائقاً امام الاستفراد الامريكي بالمنطقة  . سقوط الثورة الايرانية يعزز من الزعامة الامريكية.
بدأت مؤشرات التغيير في السياسة الامريكية نحو ايران خلال الولاية الاولى لاوباما مع الاصرار على التشدد في بعض النواحي. في الولاية الرئاسية الثانية تحرر لحد ما من مجموعات الضغط. هذا التحول لم يأتِ من فراغ بل لأن اوباما اقتنع نهائياً ان الصبر الإيراني لا حدود له وان ايران ليست من الدول التابعة التي تتعامل معهم الولايات المتحدة بحسب تعريف تشرشل للسياسة "السياسة ان تقول لأحدهم اذهب الى الجحيم بطريقة ما تجعله يسأل عن الطريق".
الولايات المتحدة كأي امبراطورية استعمارية اخرى تحدد اولوياتها وفقا لمصالحها وميزان القوى والمتغيرات الجيوسياسية، لكنها كانت دوما دولة استثنائية في الاعتراف بأن المعيار الوحيد لعلاقاتها وصداقاتها مبني على المصالح "ليس لدينا اصدقاء بل لدينا مصالح" .كما ان تعاطيها السياسي مع الاصدقاء والخصوم على حدٍ سواء كان وفق معادلة دينيس روس "استخدام كافة الوسائل والادوات التي تملكها الدولة للتأثير في تصرفات الدول الاخرى، الصديقة منها والعدوة". بعد 36 سنة اكتشف الامريكي ان هذه النمط من العلاقات غير مجدي مع ايران، فلا بد من ايجاد بدائل.
جاءت مقاربة الرئيس روحاني في الوقت المناسب لتشكل مخرجاً للقوتين. كان اوباما ينتظر بفارغ الصبر مبادرة ايرانية لتكون دافعاً لنقل الاستراتيجية التي ورثها وهي الاحتواء من خلال المواجهة الى الاحتواء البناء من خلال المشاركة والتقارب.
ليس في السياسة ضمانات بل توقعات. من المبكر جدا وضع قائمة مضمونة للتداعيات الايجابية على المنطقة، لكن المؤشرات التي تفرضها الجغرافيا السياسية تدعو للتفاؤل. صحيح ان المفوضات كانت بين ايران ومجموعة 5+1 الا ان اللاعب الرئيسي في المجموعة كانت الولايات المتحدة. وصحيح ان الاتفاق كان على الملف النووي والعقوبات، إلا ان الاتفاقية ستفرض نفسها على العلاقة بين الدولتين وعلى دور ايران في استقرار المنطقة ومناطق النفوذ ومواجهة الارهاب التكفيري. التعاون والانفراج والتقارب اصبح في متناول اليد، العلاقة بين الدوافع والتداعيات تغيرت ومعها تغيرت قواعد اللعبة.
• رضا حرب - المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية