هل "يخبو" شعار "الموت لأميركا" في إيران هذا العام؟

هل
الأربعاء ٠٤ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠٦:٣٤ بتوقيت غرينتش

من أهم ما يميز الثورة الاسلامية في إيران، عن سائر الثورات هو العداء لأميركا ووصفها للأخيرة بأنها " الشيطان الأكبر" للحد الذي جعل الامام الخميني (رض) عداء أميركا للثورة معياراً في صحة اتجاهها وعدم انحرافها.. فهل انتهت فترة العداء بمجرد مصافحة.. وهل من سبيل الى عودة العلاقات بعد نجاح التفاوض على النووي.. ولماذا هذا الاصرار على استعداء الاخرين كما يقول بعض الاصدقاء؟!

يقول أحد القياديين العراقيين وكان يحدثنا عن زيارة للامام الخميني (رض) قام بها وفد من الحركة الاسلامية، اثناء وجوده في النجف الاشرف، يقول اننا كنا نتحدث عن عداء النظام البعث للاسلام والذي يرفع شعار الاشتراكية.. كان الامام يردَ علينا بان "العدو أميركا".. يقول حينها تصورنا ان تاكيد الامام على أميركا نابع من المواجهة مع نظام الشاه المدعوم أميركيا.. لتتضح لنا الصورة بعد عقد من الزمان ان التهديد الحقيقي ياتي من أميركا، وانه حتى الأنظمة التي طالما تشدقت بالاشتراكية ومناهضة الاستعمار والامبريالية ارتمت في لحظة الحقيقة باحضان الغرب وأميركا..

اذا هي "الشيطان الاكبر" التي حاصرة إيران الاسلامية فيما اطلقت يد الأنظمة العميلة لها في المنطقة.. وهي من اجهضت الجهاد في افغانستان ودمرت العراق وليبيا وسوريا واليمن.. وهي التي قسمت السودان وحاصرت الشعب البحريني بدعم نظام ال خليفة.. وهي التي تستهدف اليوم مصر والجزائر.. والاهم من كل ذلك هي الداعم الاول والاكبر لدولتي الارهاب في المنطقة.. الكيان الغاصب للقدس، والكيان الغاصب للجزيرة العربية، اي الارهابين الصهيوني والوهابي.

وسجل أميركا الاجرامي في إيران حافل ويعود الى اكثر من ستة عقود، منذ ضرب الحكومة الوطنية في صيف 1953 والانقلاب الذي دبرته المخابرات الأميركية بالتعاون مع الانتلجس سيرفس (عمليات أجاكس) والتي قادها كرميت روزفلت مع الجنرال فضل الله زاهدي.. وقد استمرت مشاركتها، بل ادارتها لقمع قوى التحرر والثورة في إيران حتى اخر لحظة من عمر شرطيها في المنطقة محمد رضا بهلوي، عن طريق الجنرال هايزر.. 60 الف شهيد على مدى الثورة الاسلامية كانت أميركا مشاركة في قتلهم..

صدمة أميركا بالثورة الاسلامية وعجزها عن تدارك وضع عملائها، والشعارات التي رفعها الثوار، افقد أميركا توازنها وجعلها تتصرف بهستيريا في مقابل إيران (كما يتصرف عملائها اليوم)، حتى وصل الأمر بوزير دفاعها في حكومة رونالد ريغن (الكسندر هيغ) بأن يهدد إيران بحرق إيران بالقنابل النووية.. حتى اشد من خيارات الطاولة التي تحدث عنها بوش واوباما!

أما الذين يتحدثون اليوم بعد نهاية التهديد وتحول الثورة الى حقيقة على الساحة الاقليمية والدولية، في ان رد الفعل الأميركي كان بسبب احتلال الطلاب لوكر التجسس الأميركي في طهران (السفارة) في الرابع من نوفمبر ـ تشرين الثاني عام 1979 والذي اسقط الخط المهادن لأميركا في إيران (حكومة المهندس بازركان) وسلم مقاليد الامور بيد اصحاب الثورة وأهلها.. فهو كلام مصدره الجهل او العمالة.. حيث أثبتت الوثائق التي جمعها الطلبة من ركام الاوراق "المجروشة" والتي اعدمها الجواسيس خوفا ان تقع بيد "الطلبة السائرين على خط الامام" مدى التدخل الأميركي من اجل حرف مسار الثورة وضرب قياداتها الاسلامية..

نعم، حولت أميركا ومن خلال امبراطوريتها الاعلامية قضية الرهائن الى شماعة لتبرير كل اعمالها العدائية ضد الثورة الاسلامية، في حين ان المسألة اكبر واعمق من ذلك ولايمكن ان ينكرها الا الاغبياء.. لان القضية ترتبط بنهج الثورة ومبادئها والشعارات والاهداف التي اطلقتها والتي تعتبر كلها من المحرمات في الفقه الأميركي!
كانت الثورة وفق المنطوق الأميركي ـ الصهيوني زلزال وصلت ارتداداته الى "إسرائيل" كما عبرّ موشيه دايان.. زلزال يهدد عروش الأنظمة المتخلفة في المنطقة ويدفع بالقوى التحررية والاسلامية الى الامام في المواجهة...

كانت الثورة هي الانعطافة التي عكست اتجاه التيار.. جاءت الثورة الاسلامية في برهة زمانية كانت أميركا ترتب فيها اوضاع المنطقة لشرق اوسط جديد، استهل بزيارة انور السادات للقدس المحتلة وتوقيع معاهدة الخيانة (كامب ديفيد) .. كان مشروع التطبيع والانهزام في "عنفوانه"، فجاءت الثورة الاسلامية ودمرت كل مخططاتهم.. فتبلورت المقاومة في لبنان وفلسطين واضحت عروش الخيانة في اضعف مواقفها تخاف على نفسها من "صدور الثورة" الذي اصبحت تسميته الطائفية اليوم "الهلال او التمدد الشيعي"!.. واتضح ان كثير من الأنظمة التي كنا نتصورها اشتراكية انما هي مجرد واجهات راسمالية امبريالية..

وبعد فشل جميع المؤامرات التي قادتها أميركا ضد النظام الاسلامي في داخل إيران، من حركات انفصالية واغتيالات طالت قادة الثورة ومفكريها وكبار كوادرها الى الانزال العسكري الفاشل في طبس، ثم انقلاب قاعدة "نوجه" في همدان و... عمدوا الى صدام حسين، فشن حربه الرعناء والتي كانت في النهاية احد اسباب سقوط نظامه على يد أميركا وعملائها من "عرب الجنسية"..
وحسب شهادات عراقية ودولية واعتراف الغرب نفسه، لم تترك أميركا امكانية الا وقدمتها مباشرة او بالواسطة لصدام حسين، حتى وصل الامر الى السلاح النووي بعد ان وجدوا السلاح الكيماوي والمجازر التي ارتكبها بهذا السلاح لا تفي بالغرض..

ووصل الامر بأميركا الى الدخول المباشر في القتال، فضربت قطع البحرية الإيرانية ومنصات النفط وهاجمت طائرة الركاب الإيرانية في عرض الخليج الفارسي فقتلت نحو 300 راكب في رسالة واضحة لما هدد به "هيغ" والذي اشرنا اليه من قبل...

ولم يكن العداء الأميركي للجمهورية الاسلامية فيما بعد الحرب اقل منه في فترة الحرب، سوى الفترات التي انشغلت فيها إيران بملفات اخرى مطلع التسعينيات ومطلع الالفية الثالثة (حرب 1990 ـ 1991 وتداعياتها الاقليمية والدولية وحوادث 11 سبتمبر 2001 وغزو افغانستان والعراق في 2003).. فكانة إيران مستهدفة بسياسة "الاحتواء المزدوج" وادرجت في "محور الشر" ثم "العقوبات الذكية" والتهديد اليومي بالخيار العسكري على خلفية البرنامج النووي.

فما الذي يجعل الإيرانيين يسقطون شعارهم التاريخي (الموت لأميركا) وازالة صفة "الشيطان الاكبر" عنها...؟ بينما لا تزال تهدد إيران ومحيطها الاقليمي بشكل مباشر وغير مباشر بواسطة المجموعات الارهابية التكفيرية والنظامين الارهابيين في تل ابيب والرياض.

ان الذين يبحثون عن حلّ مشاكلهم من خلال التقرب والمصالحة مع صغار الشياطين في تل ابيب والرياض وابوظبي والدوحة و... غيرها من عواصم الشر والكراهية والتبعية مخطئون، لان هؤلاء مجرد "ارجوزات" ودمى تحركها الاصابع الأميركية.. ومتى ما كفّت أميركا شرها، ستكف هذه الاقزام..

يوم 13 من آبان بالتقويم الإيراني (الرابع من نوفمبر) هو يوم الثورة الثانية حسب تعبير الامام الخميني (رض) حيث قام الطلبة السائرون على خط الامام باحتلال وكر التجسس الأميركي في طهران سنة 1979، وهو ايضا يوم التلميذ الإيراني حيث قامت قوات الشاه بقتل اعداد كبيرة من التلاميذ المتظاهرين خلال احداث الثورة عام 1978، وفي مثل هذا اليوم من عام 1964 قام نظام الشاه بنفي الامام الخميني (رض) وابعاده الى تركيا اثر انتفاضة الخامس عشر من خرداد (6 يونيو 1963) والتي هاجم فيها الشاه بسبب اعطائه الحصانة القضائية للمستشارين الأميركيين في إيران.. واتخذ اسم "يوم مقارعة الاستكبار العالمي"..

ان جلوس أميركا على طاولة المفاوضات النووية مع إيران، كان سببه عجز أميركا وعدم قدرتها على اتخاذ خيار الحرب (رغم كل التحريض الصهيوني والسعودي) وهو ما اعترفت به اكثر من مرة.. لذلك فلن تغير المفاوضات من نهجها العدائي لإيران وثورتها وكل الاحرار والشرفاء في المنطقة والعالم.. ولان "من شبّ على شئ شاب عليه".. او كما يقول المثل العراقي "طبع البدن ما يغيره الاّ الكفن"!

* علاء الرضائي